العدد 1588 - الأربعاء 10 يناير 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1427هـ

«صباح»... إزدواجـية المعاييـر وتجريـد القيـم

لا يستهين بالحجاب فقط!

أثار الفيلم السوري الكندي «صباح» بعد عرضه في البحرين ردود فعل عنيفة واحتجاجات واسعة من قِبل الكثير من المشاهدين ممن تسنى لهم حضور عرضه ذاك، الذي أقيم خلال انعقاد «منتدى صوت المرأة الثاني»، المنظم من قبل السفارة الفرنسية في البحرين وباستضافة متحف البحرين الوطني في الفترة من 26 حتى 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

ويتناول «صباح» - الذي يحمل اسم بطلته - قصة عائلة سورية تقيم في تورنتو بكندا يعولها الابن الأكبر ماجد وتتكون من أم وابنتيها شهيرة وصباح. تقابل الأخيرة، وهي شابة أربعينية لم يحالفها الحظ في الزواج بعد، شابا كنديا اسمه ستيفن يعمل نجارا فتقع في حبه، وعلى رغم اختلاف ديانتيهما، وتبادلهما حوارات تقول فيها إنها مسلمة وعليها أن ترتدي غطاء للرأس وألا تأكل لحم الخنزير، فإن ستيفن لا يبالي بالأمر لأنه غير متدين. في الوقت ذاته، نراه وهو يكتم سؤالا عن تناقضها إذ تكشف ذراعيها وساقيها في حين تحرص على تغطية رأسها؛ لأن «الشعر مثير» بحسب قولها وتؤكد له استحالة استمرار علاقتهما؛ لأن الأسرة المسلمة ذات الأصل السوري لن تتقبل أجنبيا بينها.

يقرر ستيفن بعد ذلك أن يقرأ عن الإسلام (دين حبيبته)، وتقرر هي التخلي عما تعتبره ازدواجية في المعايير والقيم فتقيم معه علاقة جنسية. وتكتشف أسرتها أمر العلاقة فتجري لها ما يشبه المحاكمة، ما يدفعها إلى الهروب من المنزل واللجوء إلى منزل ستيفن فيعلن ماجد أنها لم تعد تنتمي إلى العائلة؛ لأنها ألحقت العار بها بحكم كونها عائلة متدينة وعربية، غير أن الفيلم ينتهي بنوع من المصالحة بين «الآخر» الكندي والعائلة السورية. الفيلم أخرجته وقامت بتأليفه السورية المقيمة في كندا ربى ندى، وهو ثالث فيلم طويل لها بالإضافة إلى 12 فيلما قصيرا عرضت في أكثر من 450 مهرجانا دوليا حول العالم، بينما قام المخرج والمنتج الكندي اتون ايغويان بدور المنتج المنفذ، كما لعبت زوجته الممثلة الشهيرة ارسيني خانجيان دور صباح، وخانجيان ممثلة مشهورة، وهي من أصل لبناني أرمني قامت مسبقا ببطولة فيلم زوجها الشهير «Ararat»، كما فازت عن دورها في فيلم «صباح» بجائزة الجيني أفضل ممثلة. يشارك خانجيان بطولة الفيلم كل من فاديا ندى (شقيقة المخرجة)، والممثلة والراقصة الشرقية رولا سعيد، إلى جانب ممثلين كنديين، أشهرهم شون دويل في دور «ستيفن»، وهو ممثل برز في عدد من المسلسلات التلفزيونية مثل «Desperate Housewives».

ولعل الاعتراضات التي طالت الفيلم لم تقتصر على البحرين فقط، بل شهدت عروضه في سورية احتجاجات واسعة دفعت بوزارة الثقافة السورية في مارس/ آذار الماضي إلى منع السفارة الكندية من عرض الفيلم بحجة أنه ينقل صورة مغلوطة عن العرب والمسلمين، ونقلت «أخبار الشرق» السورية أن الوزارة منعت عرض الفيلم خلال الأسبوع الثقافي الذي أقيم تحت عنوان «المواطنة» الذي أقامته السفارة الكندية من 19 فبراير/ شباط إلى 6 مارس/ آذار الماضيين؛ لأنه ينقل صورة مغلوطة عن العرب والمسلمين، ولا يراعي القيم الدينية والاجتماعية للواقع الذي يصوره.

كذلك حصل الفيلم على ردود فعل سيئة بعد عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي، إذ اتهم بازدواجيته في المعايير وخلطه بين الدين والعادات، كما أن البعض اعترض على تعمد المخرجة جعل البطلة محجبة، واختصار مفهوم الدين الإسلامي في قضية غطاء الشعر فقط!

بعض الحضور وصفوا الفيلم بأنه يلعب بالمعتقدات ويطرح أسئلة مثيرة للجدل بشأن إشكال العلاقة بين امرأة مسلمة ورجل مسيحي. وبعض المشاهدين اعترضوا عليه صمتا بالخروج قبل نهاية عرضه، في حين آثر بعض الذين شاهدوه حتى النهاية أن يصفوه بأنه «لعب بالإسلام» وان كان آخرون اعتبروه عملا مهما في سياق فهم الآخر والتواصل معه.

وعبرت الناقدة المصرية فريدة مرعي عن استيائها الشديد من الفيلم الذي وجدت فيه «سخرية من الحضارة العربية التي تبدو متناقضة وغامضة»، وأشارت إلى أنها كانت تتوقع توازنا لكن المخرجة جعلت الجانب الإسلامي يقدم تنازلات كثيرة مقابل تنازلات قليلة من الجانب الكندي وكل ما فعله الآخر هو تغيير دينه. «قطر نت» نشرت مقال مفاده أن «الفيلم يحطم الصورة النمطية للعرب، فلا هي أسر محافظة وكل ما في الأمر أنها واقعة ضحية لتقاليد تجاوزها الزمن، ولا يمكن ممارستها في المجتمعات الليبرالية».

أم الناقدة مي إلياس فترى أن المخرجة ندى تدافع في فيلمها كذلك عن حق الفتاة العربية في اختيار شريك حياتها من دون أن يتم فرضه عليها من قِبل أهلها وهي مسألة مشروعة أيضا، ولكن الإطار الذي تم تقديمها فيه سيوحي للمشاهد الغربي بأن هذا الأمر جزء من تعاليم الإسلام بينما هو في الواقع عرف اجتماعي شائع يتناقض مع الحرية التي كفلها الإسلام للمرأة لاختيار شريك حياتها. وتؤكد إلياس أنه كان أجدر على المخرجة أن تكون دقيقة في طرحها التنبه إلى هذه المسألة وتوضيحها للمشاهد الغربي، «فالعرف مسألة تختلف تماما عن الشرع أو الدين والفيلم يقع في منطقة تخلط بين الأمرين وتعكس صورة مشوشة عن الإسلام كان يمكن تلافيها في جملة توضع على لسان الأم أو (صباح) تنبه الأخ إلى أنه يتعدى على حقوق البنت في حرية الاختيار ويخالف تعاليم دينه الذي لا يقر الإكراه على الزواج، جملة كهذه تشكل فرقا كبيرا في ذهن المشاهد الغربي والقضية الأخرى التي أرادت المخرجة ندى أن تسلط الضوء عليها من خلال الفيلم هي حق المرأة المسلمة في الزواج ممن يختاره قلبها حتى لو كان مسيحيا وهي مسألة مقبولة كذلك إذا كان الشاب مثل (ستيفن)، مستعدا للتحول إلى الإسلام ليندمج مع عائلتها ومع مجتمعها، لكن ندى تذهب بعيدا جدا في معالجتها الدرامية وبدلا من أن تبحث عن توازن في الخيارات، جردت (صباح) من كل قيمها التي تؤمن بها لتستبدلها بقيم وقناعات جديدة إرضاء لحبيبها».

العدد 1588 - الأربعاء 10 يناير 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً