العدد 1588 - الأربعاء 10 يناير 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1427هـ

«الأبيض» يخيّب ظنون مشاهدي «أبوكاليبتو»

أتوقع جازما أن أكثر من نصف الموجودين في سينما سار لمشاهدة فيلم «أبوكاليبتو» كان دافعهم الأساسي الرغبة في رؤية الجديد - بعبارة أصح - المميّز لدى ميل غيبسون، ولاسيما بعد الضجّة التي أحدثها فيلمه «آلام المسيح».

وقد صدّق غيبسون توقعات جمهوره البحريني، إذ جاء إخراج القصّة رائعا وجذابا، وإن لم يخلُ من بعض الملاحظات التي لابدّ منها.

الفيلم لم يكن ليعني لي شيئا حينما قرأت تصنيفه «أكشن، مغامرة»، ولكن غيبسون أجبرني على مشاهدته مضافا إلى الصورة التي بدا عليها البطل والخلفية التي رسمت وراءه، ما يوحي إلى اتصال كل ذلك بالتاريخ الذي أحب الأفلام التي تصنّف تحته. وبعد المشاهدة تأكدت أن حجم القتل والبشاعة فيه جعلت منه فيلم أكشن، فيما كان الطابع الأوضح هو الوثائقية.

الفيلم الذي تدور قصّته «روائيا» حول أحد مقاتلي قبيلة المايا التي تعيش حياة بدائية آمنة في قرية وسط غابة بالأدغال، تهاجَم من محاربي قبيلة أخرى مماثلة ليتم تقديمهم قرابين بشرية لرضا الآلهة، ويكون دور البطل جاغوار باو (رودي ينجبلود) تخليص نفسه من الرعب والأسر، وإنقاذ زوجته وابنه من التشرّد بعدما انهارت قبيلته أمام الغزو، ومع تحوّلات دراماتيكية وعنيفة ومتسارعة ينتهي الفيلم بإنقاذ أسرته، بشكل متزامن مع وصول بعثة استعمارية/ تبشيرية، ما يشير بشكل خاطف إلى الحقبة الزمنية التي يروي الفيلم تفاصيلها.

اكتنز الفيلم بدلالات مختلفة، تتصل بعدّة جوانب اجتماعية وسياسية واقتصادية ودينية. فعلى الصعيد الاجتماعي أعطى الفيلم صورة مقرّبة عن واقع المجتمعات البدائية آنذاك، فالترابط الأسري والتلاحم القبلي وتقدير الآباء والأجداد يصل حدّ التقديس، وسياسيا أبرز طبيعة النظام القبلي من جهة، ومن جهة أخرى أوضح التطوّر إلى نظام الملكية بمستلزماتها عمرانيا وتسلّطيا، واقتصاديا يشير صيد الخنازير والأسماك إلى أن الصيد (الحرفة البدائية) هو المعتمد، وعلى الجهة المقابلة رأينا صورة أخرى لنظام السُّخْرة الفرعوني، إذ يتمّ استعباد أفراد القبائل الأخرى لاستخدامهم لبناء ما يشبه الأهرامات، ودينيا برزت بشكل واضح طبقة الكهنوت التي تسيّج نفسها بطقوس وأعراف يصدّق بها الناس في مجتمعات منغلقة على نفسها في جزيرة نائية.

دخلتُ الفيلم بعدما قرأت أسطرا غير تامّة من قصّته، متوقعا أن يحكي كالعادة عن تسبّب الإنسان الأبيض في إبادة حياة قبائل وأمم بسيطة، وجرْف كل ذلك «المجد» و «إرث الأجداد» أمام الآلة والأحلام التوسعية، إلا أن التوقعات كانت خلاف ذلك، فالصراع الدائر طوال الفيلم صورة عن واقع الصراع الداخلي، من غير أن يكمل الفيلم في نهايته دور «الأبيض» المرتقب في «تدمير» الحضارات والثقافات، فدخول «الأبيض» سيبدو أنه سيكون إعادة لإنتاج الفيلم على نسق البداية، وهو ما جرى تكراره في أفلام سابقة، ولذلك أوصلنا غيبسون إلى تلك النقطة التي ختم بها سطر الفيلم، من غير أي تعليق أو «مقبّلات».

جاغوار باو بطل الفيلم، إنسان ورث عن أبيه قوة الشخصية والحكمة، كما ورث خبرة بمسالك الغابة التي يعدّها غابته ومحضنا لغذاء أولاده كما كانت لآبائه وأجداده، ولكن يبدو أن إصرار المخرج على الارتكاز على البطل وحده حتى نهاية الفيلم أفقد الفيلم بعض سلاسة تتابع مواقفه، لتبدو النهاية كفيلم مصري قديم «سعيدة وموفقة». ألا تكفي الضربات التي نالها والجهد الذي بذله لتجعله مائتا؟ ويمكن أن يعوّض عنه بتولّي ابنه إكمال المسيرة، ولكن لم تسر الأمور كذلك، على رغم وضوح أن الوضع كان مقلقا لذلك لجأ البطل وأسرته إلى داخل الغابة «ليبدأ حياة جديدة» بعيدا عن الخوف الذي حذّره أبوه منه.

العدد 1588 - الأربعاء 10 يناير 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً