العدد 1595 - الأربعاء 17 يناير 2007م الموافق 27 ذي الحجة 1427هـ

بين الدين والدولة

لم تكن الدولة في العهد الإسلامي الأول نموذجا مطابقا لدولة العدل والحق والمساواة. ولم تكن «واقع» النظرية الإسلامية في الحكم والإدارة. في الحقيقة مازالت النظرية الإسلامية في الحكم على اختلافاتها من فئة لأخرى مجرد منطقة مفتوحة من «الفبركة» و «التوهيم» و «المخادعة».

في عهد الخلفاء الأربعة الأوائل كان ثمة تنازع سياسي واجتماعي ظاهر على الحكم، هذا التنازع على علاته، كان يمثل حالا صحية من الصراع الاجتماعي. أما مع بدء العهد «الأموي» فقد أصبح للدولة الإسلامية عالمها المختلف والمخالف للرؤيتين القائمتين للدولة. لم تكن الدولة حينها دولة إسلامية بالتشريع، ولم تكن دولة «عدل» و «مساواة» على رغم أنها حققت في فترات منها صعودا سياسيا واجتماعيا وعلميا، بما يشمل امتداد الإسلام جغرافيا من خلال الحروب الإسلامية.

الحاكم في ذلك التوقيت بالذات كان رجل الدين الأول، أو رجل الميتافيزيقيات الذي يُبشر به العلماء والصالحون. فرضت الأورثوذوكسيات الدينية المتأصلة آنذاك على مخيال العالم الإسلامي نمطا طارئا من «الدولة»، ونمطا طارئا من «الدين». هذا النمط الطارئ والذي لما تنفك حباله عنا أسس فيما أسس نسقا مازال يعبث بمخيال «الدولة» ودينها في معايشتنا اليوم للدولة ودين الدولة.

ولأن التطبيق جزء من النظرية كما يذهب التعبير الفوكوي، نجد أن مساحات الفبركة في «النظرية الإسلامية» للحكم مازالت تتسع وتضيق بما يضمن للسلط السياسية بقاءها وسيطرتها وتحكمها. ولا تنفرد طائفة عن أخرى في هذا السياق، ولا حقل اجتماعي عن آخر.

السلطة هنا... هي كل السلطات الاجتماعية في أصغر نموذج اتصالي لدينا وصولا لـ «الدولة» بوصفها نظاما اتصاليا مبنيا على استثمار السلطة وتطويعها واستغلالها بما يضمن البقاء والاستمرارية.

وهكذا، تستمر بنا تجارب الدولة الدينية/ المؤسسة السياسية الدينية/ العائلة الدينية/ الصداقة الدينية/ المجتمع الديني نحو فضاءات من التخريب والقمع والاحتيال «المنظم» و «المدروس» بدقة. وسيكون علينا أن نستمر في المراوحة والتدحرج أمام النظرية والتطبيق من جهة وأمام السلطة المؤقتة والدولة الطارئة والدين الطارئ من جهة أخرى.

بعد هذا كله، أدرك أنه لمن الترف الصحافي فعلا أن نتحدث عن مجتمع مدني/ دولة مدنية في خضم هذه المعادلات الصعبة. وللحديث بقية.

العدد 1595 - الأربعاء 17 يناير 2007م الموافق 27 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً