العدد 1595 - الأربعاء 17 يناير 2007م الموافق 27 ذي الحجة 1427هـ

الحرب ضد الإرهاب تتحول إلى فرضية مواجهة «مؤامرة» إسلامية

مسلسل «24» التلفزيوني المثير للجدل

أنهت القناة الرابعة التابعة لشبكة ام بي سي عرض حلقات مسلسل «24» التلفزيوني المثير للجدل. فهذا المسلسل الذي يتحدث عن شبكات إرهاب إسلامية تعمل في الولايات المتحدة أثار النقاش في الأوساط الفنية والسياسية.

الجهات الفنية تعاملت مع المسلسل باحترام نظرا إلى تقدمه التقني وقوّته في الإخراج وضبط السيناريو والتمثيل الأمر الذي أهله للحصول على الكثير من الجوائز واعتباره الأفضل في السنوات الأخيرة.

الجهات السياسية كان لها أراء مخالفة. فهي تعاملت مع المسلسل بصفته محاولة سيئة للتحريض ضد الجاليات المسلمة وإثارة الشكوك حولها وتخويف الناس من مخاطر غير صحيحة واتهام كتلة بشرية تعيش في الولايات المتحدة بالتعامل مع الخارج ضد المصالح الأميركية وتعريض أمنها القومي للزعزعة وعدم الاستقرار.

هذا النقد السياسي لمسلسل «24» لم يمنع الكثير من الهيئات من اعتبار البرنامج خطوة متقدمة على مستوى الأعمال التلفزيونية لأنه ابتكر تقنيات جيدة الصنع ونجح في توظيفها في إطار حلقات جذبت ملايين المشاهدين.

إلا أن القوى المدافعة عن الأقليات الأميركية ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها من هيئات تحترم المشاعر وتقدر المخاوف والمخاطر واصلت تهجمها على المسلسل واتهمت جهات رسمية بالوقوف وراء الشركة التلفزيونية التي ساهمت في إنتاجه. واعتبرت المنظمات والهيئات أن فكرة المسلسل رجعية ومتطرفة في نزعتها الأمنية لأنها تبرر انتهاك حقوق الإنسان وتعطي صلاحيات مطلقة لأجهزة الأمن والمؤسسات بما فيها «البيت الأبيض» بالتدخل في أدنى تفصيلات الحياة اليومية للناس باسم المحافظة على الأمن القومي وضمان أمن المواطن.

فكرة المسلسل المصنوعة تقنيا بشكل جيد مختلقة في أساسها. فهي تتحدث عن وقائع لم تحصل وتعتمد على مجموعة فرضيات مبتذلة عن خطر إرهابي من دون أن تدخل في تفصيلات أخرى. فالمسلسل حاول اقتناص ظروف الولايات المتحدة وتلك السياسة التي تعتمدها واشنطن في حروبها الخارجية لاصطناع عدو داخلي يدبر مؤامرة لتدمير الولايات المتحدة من خلال شبكات تديرها مجموعات إسلامية متعلمة ومتدربة وتمتلك معلومات وقدرات مالية جعلتها تقيم أفضل العلاقات مع منظمات دولية مستخدمة إياها لاختراق الأجهزة الرسمية من القاعدة إلى القمة.

الفكرة إذا مجرد فرضية. والوقائع لم تحصل وإنما هي من نتاج مخيلة تفترض احتمال وقوع مثل هذه الأمور. ولأن الفكرة من صنع الخيال ولّدت لدى هيئات حقوق الإنسان ردات فعل سلبية واتهمت الشركة المنتجة بافتعال مؤامرة لإثارة الحساسيات العرقية والدينية وتخويف الجمهور من جاليات بريئة وبسيطة تعيش معها في المدن والولايات والأحياء. فالهيئات التي تدافع عن الأقليات وحقها في الاختلاف في السلوك ونمط الحياة والعادات والتقاليد اعتبرت المسلسل يخدم الرئيس جورج بوش وسياسة تيار «المحافظين الجدد» وتوجهات تلك الكتلة الشرسة التي تستبيح المحرمات باسم الأمن وتتدخل في الخصوصيات بذريعة حماية المواطن من الإرهابيين.

ماذا تقول حلقات مسلسل «24»؟ ببساطة تتحدث عن خطة إرهابية تقودها شبكة إسلامية تريد تدمير الولايات المتحدة أو على الأقل تريد إبادة ولاية أو مدينة عن بكرة أبيها لتخويف الإدارة الأميركية. فالشبكة تريد توجيه رسالة قوية من خلال الاستيلاء على صاروخ نووي وسرقته من قاعدة عسكرية وإطلاقه على المدنيين وقتل أكبر كمية من الناس بهدف الضغط على واشنطن وإجبارها على التراجع عن سياساتها العدوانية ضد العرب والمسلمين.

من هذه الخطة الكاذبة يفترض المسلسل سيناريو تلك المواجهة الخفية التي يقودها «جاك باور» دفاعا عن أميركا ضد قائد المجموعة الإرهابية التي يتزعمها «حبيب مروان».

«مروان» هذا ليس شخصا عاديا فهو عقل مدبر ويملك قدرات تنظيمية هائلة ويتمتع بحس أمني وقدرة على التأثير. فهو متعلم وصاحب شخصية ومخطط من الطراز الرفيع وشجاع وابتكر وسائل تقنية معقدة وأسس شبكة من العملاء من جنسيات ملونة ومختلفة اخترقت الأجهزة واشترت المعلومات وكسبت إلى جانبها قوة أميركية محلية تكره الدولة وتشاطر الإرهابيين في سياسة العداء للمؤسسات الفيدرالية.

مقابل «مروان» هناك قائد المجموعة الأمنية الأميركية الذي كلف بمهمة الملاحقة من أعلى سلطة مركزية. فهذا الضابط يملك صلاحيات استثنائية ويتمتع بغطاء رسمي من رئيس الدولة وله الحق في اختراق القوانين وضرب كل المعاهدات والبرتوكولات بتفويض مباشر من «البيت الأبيض» إذا كان الأمر يتعلق بالأمن وحماية المواطن من شر الإرهاب.

حلقات المسلسل طويلة ومثيرة ولكنها كلها تدور حول فكرة واحدة هي: مكافحة الإرهاب ضرورة قومية ولذلك ليس المهم احترام القانون وحقوق الأفراد بل الأهم هو حماية أمن الدولة وصيانة مصالحها حتى لو اضطرت الأجهزة إختراق تلك الضمانات التي تحمي خصوصية المواطن.

تحت هذا السقف الذي يبرر سياسة الإدارة الحالية ويعطيها الذرائع القانونية تندلع تلك الحرب الخفية التي تمر بفترات غضب وتوتر خصوصا حين ينجح «مروان» في سرقة طائرة «ستلث» الشبح واستخدامها لإسقاط طائرة الرئيس الأميركي. وبعدها تستولي شبكة «مروان» على حقيبة الرئيس وتأخذ منها المعلومات والأرقام عن الصواريخ النووية. ثم تقوم مجموعة أخرى بنصب كمين والاستيلاء على صاروخ ثم تجهزه وتنصب له قاعدة وتطلقه.

مقابل هذه النجاحات الإرهابية تكون الإدارة في حال ضياع وخوف خصوصا بعد إسقاط طائرة الرئيس وسرقة حقيبته. المسلسل هنا يدخل في فرضيات وخلافات وانقسامات تشوش القرار وتضعفه بسبب تنوع الآراء واختلافها على موقف واحد. ولكن «باور» الذي يلاحق «مروان» يستمر في المطاردة بغطاء من الرئيس البديل المعين والمكلف من دون علم الكونغرس حتى لا تثار الحساسية وتبدأ الاعتراضات.

كل الأفكار مختلقة وهي تعتمد على فرضيات واحتمالات لن تحصل حتى في المخيلة. ولكن المسلسل نجح فنيا وكسب الجوائز وتعرض في الأن لهجمات من هيئات اعتبرت أنه يحاول تبرير سياسة الرئيس جورج بوش وتغطية تلك القوانين الجديدة التي بررت الحد من خصوصية الإنسان الأميركي والتدخل في شئونه في حال كانت الولايات المتحدة معرضة للإرهاب والخطر.

هذا جانب من سلبيات المسلسل. الجانب الآخر الذي اعترضت عليه منظمات الدفاع عن الأقليات وحقوق الإنسان هو احتمال تأليب الناس وتثوير الرأي العام على المسلمين. فالحلقات لا تتحدث عن مخاطر خارجية ولا عن مجموعات مسلحة في أفغانستان والعراق ولا عن شبكات سرية في العالم الإسلامي ولا عن مجموعات متعصبة وجاهلة تعيش في أماكن بعيدة... إنها بكل بساطة تتناول شبكات داخلية في أميركا نجحت في اختراق كل المؤسسات والأجهزة، فهي تحرض الناس على كل المسلمين من دون استثناء هوية أو جنسية أو طبقة. فالمسلسل يتحدث عن عالم من الأذكياء والخبراء والعلماء يتحدثون الانجليزية بطلاقة وحصلوا على أعلى درجات العلوم في الكمبيوتر وحقول الفيزياء والفضاء وغيرها... ومع ذلك بقي العقل الإرهابي هو المسيطر حين استخدم «مروان» علومه ومعارفه واتصالاته لسرقة صاروخ نووي وإطلاقه على مدينة لإرهاب الدولة وتخويفها.

المسلسل يفتح معركة ضد المسلمين لا بوصفهم تلك الجماعات الفقيرة والجاهلة والمتوترة بل ضد مسلمين وصلوا إلى أعلى المراتب العلمية وعلى رغم ذلك استخدموا كل تلك التقنيات والمعارف لتفريغ كرههم والانتقام من الشعب الأميركي البريء والمسالم. ولذلك اعتبرت هيئات حقوق الإنسان أن المسلسل يحرض ضد طلبة العلوم من الجاليات المسلمة ويقطع عنهم فرص دخول الجامعات أو الحصول على وظائف بعد تخرجهم.

حلقات «24» أثارت الكثير من ردود الفعل المتفاوتة بين نصير للفن والتقنيات وبين قوى متخوفة تتردد في دعم هكذا إنتاج لا وظيفة له سوى تبرير السياسة الأميركية وتغطية التجاوزات التي ترتكبها الإدارة ضد المواطنين في الداخل بذريعة الدفاع عن المصالح القومية والأمن. وفي النهاية تكون الجاليات المسلمة هي الواسطة لتمرير الفكرة وهي أيضا تلك الضحية التي يستهدفها مثل هذا النوع من الفنون الذي يعتمد المخيلة ويقوم على فرضية المؤامرة.

العدد 1595 - الأربعاء 17 يناير 2007م الموافق 27 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً