العدد 1595 - الأربعاء 17 يناير 2007م الموافق 27 ذي الحجة 1427هـ

قضايا العرب والمسلمين في عالم متغير

قراءة في كتاب

كثيرة هي الكتب التي تصدر باللغة العربية في مختلف البلاد العربية تتناول قضايا العرب ووجهة نظرهم تجاه القضايا ذات الاهتمام العالمي، ومع عمق تحليل بعض الكتب وأهميتها إلا أنها بمثابة حوار مع الذات أو حوار مع من يؤمنون ويتفقون مع وجهة النظر المطروحة نفسها فهي أشبه بحوار عربي لإقناع العرب بفكرهم ووجهات نظرهم. ولهذا لا عجب أن تراجع الاهتمام العالمي بالقضايا العربية وانحسر الاقتناع العالمي بعدالة المواقف العربية وزاد اهتمام العالم واقتناعه بوجهة النظر المعادية للعرب والطاعنة في صدق نواياهم وسلامة مواقفهم ولعل المتتبع لما يحدث على الساحة الدولية سواء في دهاليز الأمم المتحدة أو وكالة الطاقة الدولية أو برلمانات الدول وأحزابها المختلفة يلمس ذلك بوضوح فقد أصبح العرب يوصفون بأنهم متخلفون وإرهابيون وأنانيون يعيشون عصرا مضى، ويعتنقون دينا عفا عليه الزمن ويفكرون بمنطق لا يمت للعالم الحاضر. وبرزت مواقف عدة لمؤسسات أكاديمية مثل جامعة ميتشيجن ولشخصيات دينية يفترض فيها الحيدة والعقلانية والنزاهة مثل البابا بنديكيت السادس عشر الذي يتهم الإسلام والمسلمين والعرب بما ليس فيهم.

فعندما برزت قوة العرب بعد حرب أكتوبر المجيدة، وبزرت قوة النفط واستخدامه كسلاح سياسي من أجل الدفاع عن العرب وقضاياهم تسابق العالم بأسره لاسترضاء العرب وتبني قضاياهم.

ومع فقدان العرب للعقلانية ولغة الحوار وارتفاع صوت الجماعات الهامشية التي تتزين بزي الإسلام وأعمالها التي تتسم بالرعونة والبعد عن جوهر الدين أصبح العرب دائما متهمين إلى أن يثبت العكس وأصبح الإسلام قرين الإرهاب إلى أن يثبت العكس وتحول أقصى تأييد للعرب أو احترام لهم إلى مجرد كلام معسول لا يؤمن به قائلوه ولا ينفذونه.

في هذا الإطار، من سوء الفهم وانعدام التأييد جاء كتاب «قضايا عربية وإسلامية في عالم متغير»، والصادر باللغة الإنجليزية ليسد فراغا حقيقيا في المكتبة العربية وليسعى لتقديم إطار تحليلي علمي للحوار مع العالم الخارجي ليتفهم وجهة النظر العربية من أصحابها في إطار عقلاني موضوعي وليس مثل الكتب الدعائية التي تصدرها بعض المؤسسات الرسمية للكثير من الدول التي ينصرف عنها من يقرأ أولى فقراتها.

كتاب «قضايا عربية وإسلامية في عالم متغير» من تأليف مشترك لرئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث محمد جاسم الغتم، وأما المؤلف الثاني فهو الدبلوماسي المصري محمد نعمان جلال. يضم الكتاب تسعة فصول، فضلا عن مقدمة وخاتمة وقائمة من المراجع العلمية المتميزة في المجالات التي شملتها فصول الكتاب.

المسلمون في القرن الحادي والعشرين

يبدأ الفصل الأول بتساؤل ماذا يخبئ المستقبل للمسلمين؟ ثم يحلل الموقف من زوايا ثلاث هي: الوضع الراهن والتحديات المستقبلية، والاستجابة للتحديات في ضوء المبادئ الإسلامية الأصيلة، ورؤية مستقبلية. وفي عرضه للوضع الراهن يشير الكتاب إلى حوادث 11 سبتمبر/ أيلول كمنقطة انطلاق أحدثت تغيرات وردود فعل عدة ثم يعرض لركائز الإسلام وهي الوحدانية، والإيمان بالرسول محمد ثم بالقرآن الكريم كمرجعية. وفي القسم الثاني من هذا الفصل يحلل وضع المسلمين الراهن وما يعانونه من انتشار عقلية الحصار والهزيمة والمؤامرة والعيش في الماضي أو بالأحرى الانحباس الفكري والحياتي فيه لدى قطاعات عدة من المجتمعات الإسلامية. ويدعو المؤلفان الشعوب العربية والإسلامية للتخلي عن العقلية اليائسة والبائسة، ويعرضان ما يرياينه مبادئ أصلية في الإسلام وهي: الحرية الدينية، التعددية السياسة، احترام حقوق الإنسان، الشورى، التفاعل مع العالم المعاصر، المرجعية الدينية الصحيحة، العقلانية والمساهمة في الحضارة الإنسانية وأهمية تحديث الفقه الإسلامي.

أما الفصل الثاني والذي كان بعنوان «نظرة استراتيجية عن المتغيرات في العالم المعاصر». فقد يحلل المؤلفان فيه المتغيرات الرئيسية في العالم المعاصر وفي مقدمتها حدوث تطور في المفاهيم السياسية الخاصة ببناء الدولة ودورها، تطور في المثل والقيم الإنسانية، التغير في الفكر الاستراتيجي العالمي الخاص بالحروب ووسائل الدفاع والأسلحة والعقائد القتالية للجيوش ومفاهيم الأمن الوطني ونظريات الأمن التقليدية, الثورة الرهيبة في علم الأجنة والوراثة والهندسة الوراثية وعلى رغم كل ذلك فيرى المؤلفان أن أكبر العقبات لاتزال تواجه البشرية ومن ذلك قضايا نضوب المياه التي قد تؤدي إلى اشتعال الحروب في المستقبل، قضايا البيئة والتلوث والأوزون، الصراعات العرقية والمذهبية الناتجة عن تفكك الدول الكبرى والإمبراطوريات التي برزت في القرون الماضية حتى انتهاء الحرب الباردة، بروز الأحادية القطبية وهيمنتها على مقاليد السياسة الدولية وسعيها لفرض الفكر الواحد على رغم مبادئ اليونسكو ومبادئ الأمم المتحدة، كما يشير المؤلفان إلى حال التأرجح والعجز في فكر النخب السياسية والمثقفين في كثير من الدول النامية ما أدى إلى بروز ما سمي بالدول الفاشلة وعلى النقيض من ذلك بروز نخب سياسية وثقافية متميزة في دول مثل الصين والهند، ولا ينسى المؤلفان الإشارة إلى الحال التي هي متناقضة بين المثل والقيم الإسلامية وسلوكات العرب والمسلمين حكاما ومثقفين وأحيانا الشعوب المغلوبة على أمرها.

مرحلة جديدة من التفاعل

«مرحلة جديدة من التفاعل بين العالم والعرب والمسلمين». عنوان الفصل الثالث والذي يحمل طابعا دبلوماسيا لاستخدامه تعبير «التفاعل» والحقيقة أنه مرحلة جديدة من الصراع لأن هذا الفصل يحلل دراسة أعدها مركز دراسة القيم العالمية في جامعة ميتشيجن الأميركية ونشرتها مجلة «الفورن بولسي» الأميركية في عدد مارس/ آذار - أبريل/ نيسان 2003، وحللت الدراسة علاقة الصراع بين العالم الغربي والإسلام مركزة على نظرية صامويل هانتنجتون، ومطورة إياها لتركز على الصراع في مجال القيم، واختصار القيم في موضوعات محددة هي وضع المرأة والعلاقات الجنسية بين المثليين والحريات العامة المطلقة. وخلصت دراسة جامعة ميتشيجن إلى أن نظرية هانتنجتون في صراع الحضارات تعبر عن نصف الحقيقة ويلزم إكمالها بإضافة صراع القيم والمثل. ومن ثم فإن صراع العالم مع المسلمين لا مناص منه.

الفصل الرابع يحمل عنوان «تحديات الطاقة في القرن الحادي والعشرين: وأثر ذلك على التحديث والأمن والتعاون في دول الخليج العربية». ولاشك في أن قضية الطاقة مهمة على المستوى العالمي والإقليمي، وهي أحد مصادر الحروب الحديثة. ويعرض الفصل لتطور أهمية مصادر الطاقة والدور المحوري للمنطقة العربية وخصوصا الخليج كمصدر رئيسي للنفط والغاز على المستوى العالمي، ولتطور أسعار النفط واستخدام الثورة النفطية في التحديث الاقتصادي والتطور الاجتماعي.

أما الفصل الخامس فيحمل عنوان «أمن الخليج: الخليج كمنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل». ويحلل هذا الفصل قضية محلية وإقليمية ودولية في الوقت نفسه، فالخليج يعد محورا للصراع الدولي، لما له من أهمية استراتيجية معروفة ولأنه يمثل منطقة رخوة في الأمن الإقليمي لقلة عدد السكان وضعف الاستعداد والتنسيق العسكري، على رغم توافر الموارد المالية والأسلحة المتطورة ويواجه الخليج أكبر التحديات الإقليمية وخصوصا احتمالات تطور البرنامج النووي الإيراني للمجال العسكري، كما واجه تحديات الرغبة العراقية في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين للتوسع والرغبة الإيرانية المتجددة للهيمنة.

في يعرض الفصل السادس للأوضاع في الدول الإسلامية ويحلل تطور مفهوم الحكم في الفكر الإسلامي منذ عهد الرسول (ص) وخلفائه الراشدين، ويرفض مقولة الحكم الديني أو الحكم الإلهي على أساس أن السلطة في الإسلام هي سلطة سياسية مدنية وأن انتخاب أبي بكر في اجتماع السقيفة كان عملا ديمقراطيا تشاوريا رائدا، لم يستطع الفكر والممارسة الإسلامية بعد ذلك الاقتداء به. ويحلل مساهمة الحضارة الإسلامية في الحضارة العالمية ومن ثم دحض مقولة سيادة الغرب وحضارته، وينظر إلى الحضارة المعاصرة بأنها حضارة إنسانية كان للعرب والمسلمين مساهماتهم القيمة في تطورها.

دون الثقافة والدين في التنمية

بعنوان «دون الثقافة والدين في التنمية الوطنية» ويحلل هذا الفصل مفاهيم ثلاثة هي: «الثقافة والدين والتنمية». وبعد أن يعرض لمفهوم الثقافة عموما، يتناول وضع الثقافة في الدول العربية والإسلامية وما تعانيه من اضمحلال وتدهور في القيم والسلوكات وفي الفكر والمنطق، وبالنسبة إلى مفهوم الدين يقدم تحليلا مقارنا للأديان والسمات المشتركة بينها حتى الأديان السماوية لأنها تركز جميعا على القيم والمثل وهذه واحدة من جميع الشعوب ثم يتناول نظرة الإسلام لمفهوم الدين وهي وحدة الدين مع اختلاف الشعائر والطقوس وهذا كله يدعو للتعاون وليس للتشاحن.

ويتخذ الفصل الثامن «الإسلام وأعمال الإرهاب» من حوادث الإرهاب العام 2004 منطلقا رئيسيا مثل حوادث لندن ومدريد وشرم الشيخ وحوادث الإرهاب في إندونيسيا وحوادث العنف في الهند والفلبين وتايلند وحوادث القمع الإسرائيلي في فلسطين ليبرز أن الإرهاب والعنف ليسا قاصرين على منطقة واحدة أو حضارة أو دين وإنما هما نتيجة لفكر منحرف وسلوك خاطئ ومعاناة شعوب أو أفراد أو جماعات، فأسباب الإرهاب متنوعة ويجب مواجهته بأساليب متنوعة ويبرز مجددا رفض الإسلام للإرهاب والعنف ويركز على أهمية التناسق بين الأهداف النبيلة والغايات الطيبة وبين الوسائل السليمة وأن هذا كان سلوك المسلمين الأوائل على رغم الظلم والاضطهاد الذي تعرضوا له.

ويحلل الفصل التاسع والأخير بعنوان «سوء الفهم الثقافي والحاجة لتنمية التوافق في العلاقات الدولية» مفهوم الثقافة ولكن من زاوية دورها وأهميتها في بناء التفاهم الدولي ويرفض المقولات التقليدية الاستعمارية بنشر الحضارة الأوروبية وحضارة الرجل الأبيض وفكرة التبشير المسيحية التي ارتبطت بالتوسع الاستعماري. ويعرض للتحديات الدولية المعاصرة في المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية ويؤكد المبادئ الدولية الجديدة التي برزت في الربع الأخير من القرن العشرين وهي مبدأ التوافق والتصالح على مستوى الشعوب والدول وبين الشعوب والدول بعضها بعضا ويحلل دوافع بروز هذا المبدأ. كما يعرض للمبدأ الثاني وهو مبدأ الاعتماد المتبادل أو التساند الدولي ويقدمه كبديل لمبدأ الصراع بين الحضارات والثقافات. ويتناول دوافع هذا المبدأ من بروز الشركات متعددة الجنسيات، والمنظمات غير الحكومية على المستوى الدولي وقضايا اللاجئين وحقوق الإنسان والمخدرات وسباق التسلح وأخيرا تصاعد ظاهرة الإرهاب الدولي بصورها المتعددة.

العدد 1595 - الأربعاء 17 يناير 2007م الموافق 27 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً