الشيخ أحمد الوائلي - رحمه الله - شخصية لها مكانتها المرموقة في مجال الفكر والأدب والخطابة حتى لقب بأمير المنبر الحسيني أو عميد الخطباء على الاطلاق، وقد كتب الكثيرون عن هذه الشخصية الفذة، من دون أن يستطيعوا إيفاءها حقها اللائق.
ومن جملة الكتب التي صدرت، والتي ملأت فراغا في المكتبة العربية والاسلامية كتاب «أمير المنبر الحسيني... الدكتور الشيخ أحمد الوائلي» لمؤلفه محمد سعيد الطريحي.
وقد قسم الكتاب إلى عدة أبواب أهمها: السيرة الذاتية، وتحدث المؤلف فيه عن نسب الشيخ الوائلي وولادته حيث قال: هو الشيخ أحمد بن الشيخ حسون بن الشيخ سعيد بن الشيخ حمود الليثي الوائلي النجفي. ولد في النجف الأشرف يوم الجمعة 17 ربيع الأول سنة 1347هـ، وبها تربى ونشأ مع شقائق النعمان تطل على ذلك الوادي الأفيح، كما تحدث عن أسرته وعن أبيه وأمه. أما نشأته ودراسته فقد قال عنها المؤلف: نشأ في النجف الأشرف على أبيه نشأة فاضلة كان فيها عزيز الجانب موفور الكرامة شديد الاعتداد بشخصيته، قوي الأمل بمستقبله متفوقا على أقرانه مع نباهة وذكاء حادين، كما تناول المؤلف كذلك دراسة المرحوم الوائلي الحوزوية، ذاكرا جملة من أساتذته الذين تتلمذ على أيديهم، وأشار إلى عصر الوائلي فقال: من العوامل المؤثرة في صياغة شخصية الوائلي هو عامل المجتمع الذي عاصره الوائلي ابن النجف الأشرف، نشأ في محيطه تربية وتعليما، والنجف من أعرق البيئات الثقافية الاسلامية قدما، والنجف مدينة العلم الديني المنقطع النظير ثم الأدب والشعراء كما يقول علي جواد الطاهر. وفيها نادرة من النوادر وأعجوبة من الأعاجيب. وفي باب «رئاسته لمنتدى النشر» تحدث المؤلف الطريحي قائلا: عمل الوائلي في المنتدى منذ تأسيسه، وعايشه تلميذا واستاذا وأصبح سكرتيرا له العام 1970، وفي العام 1976 انتخب رئيسا لهذه المؤسسة الفكرية العريقة التي وضع لبناتها الأولى وشاد صرحها العظيم العلامة الراحل الشيخ محمد رضا المظفر بالتعاون مع جماعة من العلماء والأدباء المعروفين في النجف. وتحت عنوان «شاعرية الوائلي» يحدثنا المؤلف الطريحي فيقول: إلى جانب ما كان للوائلي من أثر في الخطابة الحسينية عالج قرض الشعر على طراز وأسلوب شعراء النجف الأقوياء، وإليك نبذ من شعر الشيخ الوائلي رحمه الله:
رب رحماك ذوبتنا الرزايا
واللظى قد يذوب من الحديد
كف نعمى الحكام عنا فإنا
نحو هذي النعماء فينا جحود
ويقول:
بغداد لا مرت عليك بشرها
دهماء تعتد في سماك سحابا
سطرت عليك شراذما ممسوخة
حشد على أرواحنا للأوصابا
وغريبة عن فكرنا ودمائنا
فيما اتته وتدعي الانسابا
درست على أمين الغاب تأخذ دوره
حتى تخيلت الحياة الغابا
وإليك مقطع من قصيدة ألقاها الشيخ الوائلي في مؤتمر الأدباء العرب الخامس العام 1965 في بغداد:
بغداد يومك لا يزال كأمسه
صور على طرفي نقيض تجمع
يطغى النعيم بجانب وبجانب
يطغى الشقاء فمرفه ومضيع
في القصد أغنية على شفة الهوى
والكوخ دمع في المحاجر يلدع
ويد تكبل وهي مما يفتدى
ويد تقبل وهي مما يقطع
وقد خصص المؤلف بابا ضمنه مختارات من أشعار الوائلي غير المنشورة نقتبس منها ما يأتي:
نبي السلام، بمناسبة ولادة السيد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام:
كتب الكون عنه في تقريره
انه الكون كله في صغيره
وهو للعالمين طرا عطاء
فعلام الاصرار في تنصيره
مولد للفداء جسد روحا
انه روح اله في تصويره
ومن القصائد غير المنشورة للمرحوم الوائلي: رسالة إلى صغاري، سناء محيدلي، الذبابة المسافرة والتي يقول فيها:
وذبابة طارت معي من أرضها
طوعا ولم يعصف بها تهجير
صعدت معي طيارة في رحلة
كتفاي كرسي لها وسرير
لم تلق أي موانع في دربها
بل حيث تشتاق المسير تسير
لم يطلبوا منها الجواز ولم يصل
لمزاجها من دجلة تعكير
فتنقلت عبر الحدود خليقة
في حيث لا منع ولا تحجير
وتصرفت مختارة في فعلها
إذ لا رقيب حولها وخفير
عبير من دم - عاشق الظلام - كواذب الأحلام - مصرع كباية أو كلاس - دمعة - عبدالمحمد - أيها الأسعد في رحاب الرسول الكريم - دموع قلب.
وفيما يأتي بقية الأبواب التي اشتمل عليها الكتاب:
الوائلي أمير المنبر الحسيني، الوائلي في شعراء الغري، دواوين الوائلي المطبوعة ومنها: هوية التشيع، أحكام السجون بين الشريعة والقانون، من فقه الجنس، استغلال الأجير، تجاربي مع المنبر، الاتجاه العربي والاسلامي، في فلسطينيات الوائلي، فلسطين في شعر الوائلي، معاناة الشعب الفلسطيني، سهام الشاعر، خطاب الشاعر لأبناء الأمة، كيف خاطب شاعرنا أبناء الأمة، رسالة للحسين، ايحاءات نهج البلاغة، إلى أبي تراب، أسلوب الوائلي في فن الخطابة، أجزاء الخطبة.
وتحت عنوان «الخلاصة» يحدثنا المؤلف قائلا: لئن تعارف الناس في العراق على تقييم الخطيب بأنه من يتوفر على أوليات العلوم الاسلامية ويلم بأدب الطف، إضافة إلى الصوت الشجي فإن الوائلي بفعل ما امتلك من مواهب وطاقات أصبح عالما خطيبا وصاحب مدرسة في خطابة المنبر الحسيني.
إن اسلوبه الفذ أصبح بحق مثلا أعلى للخطباء لأنه رسم الصورة السليمة لتغذية المستحقين بالفكر النيّر، ولهذا قياس مستوى تألق الخطيب وهبوطه بقدر ما يتقن الخصائص التي وضعها الوائلي في خطابة المنبر الحسيني.
أما مؤلفاته المخطوطة فمنها: الأوليات في حياة الإمام علي (ع)، جمعيات حماية الحيوان في الشريعة الاسلامية، الخلفية الحضارية لموقف النجف قبل الاسلام، منتجع الغيث في الصحابة والأعلام من بني ليث.
وأما بقية أبواب الكتاب فقد اندرجت تحت العناوين الآتية:
بحوث العلامة الشيخ الوائلي، الاطلاع والمعاصرة في خطاب الشيخ الوائلي، الشيخ الوائلي ومعالم مدرسته الخطابية، رحم الله شيخنا الوائلي، الشيخ الوائلي عميد المنبر الحسيني، كيف نطور المنبر الحسيني، في وداع الدكتور أحمد الوائلي، عذرا يا فارس الكلمة، رحيل الشيخ أحمد الوائلي، الوائلي نجم في حياتي، حق علينا رثاك، صور عاشت بذاكرتي، سأورع المرثاة أكثر، رائد الفكر، سفير الحسين استاذ المنابر، والعناوين الأخيرة في قصائد ومراث قيلت في ثناء الشيخ أحمد الوائلي في أكثر من مكان.
رحم الله شيخنا الدكتور الوائلي، وعوضنا بمثله كي يواصل المسيرة الحسينية ويعيد للمنبر الحسيني تألقه وصعوده إلى آفاق بديعة رائعة... اللهم آمين.
العدد 1603 - الخميس 25 يناير 2007م الموافق 06 محرم 1428هـ