العدد 1612 - السبت 03 فبراير 2007م الموافق 15 محرم 1428هـ

الاصطفاف الطائفي بين «البيضة» و«الدجاجة»!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

روى لي أحد الأصدقاء الأعزاء عن دأب الراحل الكبير المناضل الوطني الشيخ عبدالأمير الجمري (رحمه الله) في سياق المبادرة إلى طرح مشاريع التقريب بين المذاهب الإسلامية، وتجسير الفجوات والهوات التاريخية بين أفراد المجتمع البحريني العربي المسلم في التطرق إلى الحادثة التاريخية المشهورة، والتي وردت في كتاب «البداية والنهاية» لابن كثير، وذلك حينما أرسل معاوية بن أبي سفيان (رض) خطابا إلى ملك الروم يحذره من التفكير بالتوسع وغزو بلاد المسلمين مستغلا في غزوه عوامل الخلاف التاريخي بين معاوية وعلي، وهذا نصه «والله! لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين، لأصطلحن أنا وابن عمي عليك، ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت»!

ومثلما يبدو موقف معاوية (رض) مشرفا وحكيما تجاه تربصات ملك الروم ببلاد العرب والمسلمين، وناحية حال الانقسام السياسي الحاصل على السلطة في تلك المرحلة التاريخية، فإن مغزى تلك الحادثة يظل واضحا وحاضرا بقوة في كل المراحل التاريخية التي يواجه فيها بلد بكل ما هو حاصل في محيطه من انقسامات سياسية واشتراكات ومتحدات حضارية وثقافية وقيمية، وذلك من قبل عدو خارجي يتربص به سوءا، ويأمل أن يحالفه الحظ في التلاعب بأوتار الانقسامات السياسية الحاصلة في أركان هذا البلد، عسى أن يتمكن من تطويعها لصالحه، وتطبيق المقولة السياسية الخبيثة «فرق تسد»، وبالتالي لا غنى عن أي فرد مهما تكن سمة محيطه وزمانه من أن يتعظ ويتأمل هذا الموقف التاريخي البليغ.

وإن كانت الغاية النبيلة التي تقف وراء الاستشهاد بهذه الحادثة التاريخية هي الدفع نحو المزيد من التقارب والتعالي عن الاختلافات والعصبيات السياسية المتراخية تاريخيا وغيرها من ولاءات وانتماءات ثانوية وفرعية، والتي ومهما تراكمت وتورمت فإنها لن تعلو أبدا على المصلحة العامة للوطن ولن تخفت إلحاح ضروريات عصرية وظرفيات راهنة.

كما أنها تحث على حسن تقدير الظروف والمواقف ومراعاة ترتيب الأولويات والتعامل مع طوارئ المستجدات، والتي قد يؤدي سوء التقدير لعواقبها وتدني فاعلية إدراك حجمها الحقيقي ومدى أهميتها إلى كوارث ومآسٍ متوالدة لا تحمد عقباها ولم يسلم من أذاها الذي اندلع في جسد واحد مترامي الأطراف أي كريم شريف ،ولا نذل خسيس، فالتاريخ المنظور وغيره خير شاهد على ما نقول!

كما أن مثل هذا الاستشهاد بهذه الحادثة حمَالة القيم والعِبَر لكفيل بطرد الأشكال المعتادة كافة لمحاججات دبقة ومساجلات فارغة وجدل عقيم، وأبخرة الهواجس الطائفية السوداء المضمرة، كما من شأنه على الأقل أن يحجب كحل الأحقاد في الأحداق المنتثرة في طليعة اصطفافات طائفية بغيضة في ميادين شتى بين أولوية «البيضة» أو «الدجاجة» وأيهما أتى قبل الآخر؟! ومن التابع ومن المتبوع؟!

«من البادئ ليكون الأظلم؟!»

من الذي استهل تكفير الآخر؟!

من هو صاحب أول خيانة وأكبر غدرة؟!

من البائع ومن المشتري؟!

من هو صاحب أكبر سجل من المظلوميات التاريخية؟!

من هم الأغلبية، ومن هم الأقلية؟!

وبأي مقدار؟!

من الأصل ومن الفرع؟!

من الأصل الفرعي ومن الفرع الأصلي؟!

ومن هو الأرحم قلبا على أخيه؟!

من هو الأكثر حقدا وندما؟!

أيهما المنشق عن الآخر؟!

من منهم وقف أجداده مع صف علي وآل البيت، ومن منهم تحالف أجداده مع معاوية؟!

من الذي بدأ بالتسنين ومن الذي مهد الدرب للتشييع؟!

من الذي يتربص دوما بالآخر!

من الأكثر ولاء ووفاء وحبا لآل البيت الأطهار؟!

من الأكثر احتضانا للعروبة والإسلام من الآخر؟!

من المحرف ومن المؤصل ومن المؤول؟!

هكذا وهلم جرا لأسئلة فضفاضة ومدوخة، تنوس أطرافها الحادة، وتتذبذب بين طرف مرسل وآخر متلقٍ بغض النظر عن حكم الهوية ورسم الانتماء بينهما، وعاملي المكان والزمان اللذين لا يقلان أهمية عن غيرهما من عوامل ذات خلفيات اقتصادية وسوسيو - ثقافية مدمجة، إلا أن حجم الاختلاف في طرح تلك الأسئلة التاريخية الكبرى، والتي ورغم حساسيتها الحافلة بالتناقضات إلا أنه يظل طرحها الجدلي مجرد ملهاة تاريخية ليست لها بداية ولانهاية، ولا يعدو عن كونه متاجرات ومقايضات تبادلية بين أطراف متعددة لرؤى وتصورات وأحكام ومفاهيم مسبقة (pre-concepts) عن الأنا والآخر، يكون استحضارها معدوم الجدوى، وأشبه ما يكون إعادة نبش قبور عتيقة على أمل الحصول على أدنى عظمة لو ظلت مجهولة التاريخ والهوية!

وبالتالي يكون حال الباحث عن جواب لتلك الأسئلة المستعصاة على الجمع والحصر والتحديد، كما هو حال الباحث عن تبر وسط أكوام الغبار والتراب المنهال من كل الجهات دون أن تضنيه حمى الذهب، أو لربما هو أشبه بدابة (أعزكم الله) تطارد ذيلها عسى أن تطبق عليه فما دون أن تنال منه، فهو دوران في حلقة مفرغة، وهو اختلاف وائتلاف دونما بوصلة أو وجهة حقيقية؟!

وما أكثر تلك المفاهيم والترسيمات والقوالب والمحددات والمعينات المتوارثة أبا عن جد، والتي استحالت عموميات عصبية باتت تطلق في كل مناسبة سواء بقصد أم من دونه، وعلى الرغم من انقضاء المناسبة التاريخية التي شهدت فيها مخاضها، وباتت أشبه ما تكون بالعرف اللغوي الثقافي الملقى وسط تموجات الخطاب الطائفي بهدف الترميز أو التطهر، ونذكر منها مصطلحات «الفئة الباغية التي قتلت عمار بن ياسر»، والتي ربما جاز لبعض الغلاة أن يشير بها إلى عموم أهل السنة والجماعة باعتبارهم ضمن تلك الفئة التي انقضت بانقضاء فترتها التاريخية!

كما أصبح يحلو لبعض الغلاة من الطرف الآخر تحميل جميع شيعة العالم إلى يومنا هذا مسئولية قتل الحسين (رض) الذي ذهب ضحية الغدر والخيانة، ناهيك عن تألق مصطلحات أشبه ما تكون بالشرر المتباعث في فضاء الاختناقات الطائفية كـ «الروافض» ورديفه «النواصب»، أو مصطلحات «الصفويين» و«الأمويين».

ولربما ظهر بين ظهرانينا من يفرق بين الطائفة الشيعية وأهل السنة والجماعة بناء على التبعية للحسين وآل البيت الأطهار أم ليزيد والشمر بن ذي الجوشن وغيره، وهي من كبريات الإرث التاريخي الرث، والتي تحتم أولا التعرف على المدلول والكنه التاريخي الكامن في تلك المصطلحات قبل إدراك مصداقية إطلاقها مشروعية تعميمها في كل حديث وحادثة!

وإذا ما دلفنا صوب المعنى الأكثر جوهرانية في ذكر تلك الحادثة التاريخية بين «معاوية» و»علي» و»ملك الروم» فإننا نقف قبالة رسالة واضحة تشير إلى مدلول أدنى وهو «إذا لم نحب بعضنا بعضا، فإننا في حاجة إلى بعضنا بعضا»، إذا أن حاجة السني إلى أخيه الشيعي أو العكس ينبغي أن لا ترتبط بمجاملة أو العثور باجتهادات فقهية ضرورية في زحمة تراكمات تاريخية على خيوط للتقريب المذهبي على أمل النجاة الوطنية، بل هي حاجة أساسية تكاملية ذات منطلقات واقعية معاشة لا يتم أمر الحياة من دون أن يظل فيها الأخ سندا لأخيه تجاه عدوان خارجي همجي يحمل بذور الهلاك الوطني، والتدمير العمراني، والإفناء الحضاري، والإفقار السياسي والاقتصادي!

وبما أننا في صدد الإشادة بالشعار الجميل الذي تبناه الإخوة الأفاضل في المجلس العلمائي لهذا العام كعنوان لإحياء الشعائر العاشورائية لهذا العام، والذي يتمحور حول أمل الوحدة الوطنية الإسلامية الجامعة، فإننا نرجو أن تتم المبادرة بإحياء الدعوة التاريخية التي أطلقها الراحل الكبير الوجيه المناضل عبدالله علي جاسم فخرو (رحمه الله) بشأن أن تكون فعاليات عاشوراء السنوية مناسبة لإحياء الحراك المطلبي الوطني نحو القضايا الأساسية والضرورات الوطنية التي تعني المواطنين سنة وشيعة ومن كل طائفة وقومية وعرق، عسى أن يساهم ذلك في إماتة بذور الشقاق وإزاحة رواسب الاختلاف، ويساهم في اكتناه واستحضار القيمة الحضارية الرفيعة لهذه المناسبة التاريخية ذات الرسالة السامية المتجددة.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1612 - السبت 03 فبراير 2007م الموافق 15 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً