العدد 2246 - الأربعاء 29 أكتوبر 2008م الموافق 28 شوال 1429هـ

بوسعد وفراق الرماد إلى النقيضين

تجربة متميزة، تجاوز بها الفنان البحريني إبراهيم بوسعد كافة ما قدمه خلال سنوات من التراكمات الفنية والثقافية في مسيرته الممتدة لـ 36 عاما الماضية، افتتحها بصالة البارح غاليري ضمن معرضه الجديد الذي عمل عنوان «ترانيم»، وكان لوقع الترانيم الحاني الأثر كله على الأعمال التي لم تكن لتتجاوز في حجمها 10×10 سنتيمتر، وكان نقشها بالأبيض والأسود.

بوسعد في مقدمة حديثه حبذ أن تذكر على لسانه العبارات التي صاغها على غلاف كتيب المعرض، والتي يقول فيها عن سبب تسمية المعرض بترانيم أن «كلمة (ترانيم) في اللغة تعني الأنشودة أو الطرب الخفيف، لذلك جاءت الأعمال المقدمة في المعرض بهذا المفهوم من حيث المقاس والخامة، فقد نفذت جميع اللوحات بالأسود والأبيض وتدرجاته على ورق بمقاس 10×10 سم، وذلك لتعطي قوة في التعبير والمعنى بتقنية الاختزال والتبسيط في الخطوط إلى جانب درجة اللون الأسود لتعطي انطباعا مباشرا للمعنى».

ويضيف في مقدمته أن «المعنى هنا هو حصيلة تراكمات بصرية مصدرها الواقع المعاش والذاكرة، ولو قيست بالزمن فيمكن احتسابها بالثواني لتشكل حالة بصرية مختلفة قوامها المشهد المرئي، ويتغير هذا المشهد باستمرارية الزمن ليعطي حالات بصرية مختلفة هي العمل الفني».

من هذه المقدمة انطلقنا في حوار مع هذا الفنان الجميل، الذي وجد أن كلمة ترانيم لا تعكس حالة الطرب العارمة، وإنما هي «في اللغة الأنشودة أو الطرب الخفيف، فلذلك جائت هذه الأعمال متجانسة ومنسجمة مع مفهوم التسمية، جائت الأعمال خفيفة في المقاس والخامة، فإذا في النهاية هناك تجانس بين التسمية والخامة»، وذلك رغما عن كون الطرب يأتي متناسقا مع الألوان الكثيرة، إلا أن بوسعد كانت له نظرته الخاصة في استغلال اللونين الأسود والأبيض كمعبرين عن هذه الحالة.

صغر حجم الأعمال كان السمة الأكثر بروزا في «ترانيم» وقد عزى بوسعد مثل هذا المقاس لعدة أسباب، جاءت في رده أنه «في تجربتي التي استمرت على مدى 36 سنة، كان كل تجربة تمثل نوعا من التحدي للذات على كل المستويات، منها المستوى الفكري والتقني في العمل الفني، فلو قارنا عملا من تجربة «ترانيم» بعمل من تجربة «وجوه» للاحظنا الفرق من حيث الرؤية والخامة والمقاس، فترانيم نفذت الأعمال بـ 10× 10 سم، ووجوه مقاس الأعمال 20 ×2 متر، أيضا لو قسنا أعمال ترانيم بموسيقى الوله 2 لرأينا الاختلاف الشاسع في الخامات ومن ناحية اللون»، ليضيف «لذلك دائما أضع نفسي في موقع التحدي على مدى 36 سنة من التجارب الفنية التي قدمتها، وأتساءل فيما لو كنت قادرا على إنجاز أعمال معقدة من حيث التقنية والمقاس والفكر أو لا أستطيع، وحينها يكون الجواب بشكل عملي، وهو ما خلق الاختلاف في جميع التجارب التي قدمتها».

ويأتي التميز كما أسلفنا إلى المقاس، فتبادر السؤال لبوسعد حول مصدرها، إذ قال «هذه المقاسات موجودة، رغم أني لم أرى في البحرين أي معرض يشمل 60 عملا بهذا المقاس والخامة والدقة، لكنه موجود في أوروبا وتقام مسابقات كثيرة له».

أما مواد بوسعد فذكر أنه يستخدم «الورق والحبر الصيني بدرجاته، إذ عادتا ما يعتبر الكثيرون الأبيض والأسود مادة لونية سهلة، لكنها مادة خطرة وفيها من الإمكانيات ما يضاهي باقي الألوان، فالأسود والأبيض يعطيان شحنات تعبيرية في توصيل أفكارك كفنان، خاصة إذا كنت متمكن من درجاتها وحساسياتها».

يضيف بالقول «ترى في الفحم حساسيه تختلف عن الحبر الأسود الذي يختلف بدوره عن الإكريليك وعن قلم الرصاص، فالأسود بدرجاته يعتبر خامة غنية جدا، وقد كان لي في السابق تجربة قناديل عام 2002، وكانت بالأبيض والأسود أيضا، لكن هذه التجربة تميزت بالحجم الصغير للأعمال، وكان لي تجربة موسيقى الوله 1 أيضا بنفس الخامة اللونية، فأنا مؤمن وأردد دوما عبارة هي أن لا قيمة للأبيض بدون الأسود ولا قيمة للأسود بدون الأبيض، فهل للرماد ضرورة»؟

التساؤلات قادتنا مجددا إلى مسألة التضارب بين مسمى «ترانيم» الفرائحي والأسود والأبيض الحازمين القاطعين الصارمين والجادين، فأجاب بوسعد «عادتا الاسم قد يكون قريبا من التجربة بنسب مختلفة، لكن المقصود به دوما هو توثيق التجربة، فحينما نقول تجربة قناديل تأتي أعمال معينة في حالة وتجربة معينة، وكذلك الحال حينما نقول ترانيم، فالتسمية قد تكون مرتبطة 100 أو حتى 1 في المئة والمقصود هو ربط التجربة، وبرأيي أن الأعمال والمسمى عندي متطابقين 100% مع الأنشودة والطرب الخفيف لأن الطرب على نوعين الخفيف والمعقد وأنا اخترت الخفيف الذي يتماشى مع التجربة».

في ذكريات من الطفولة برزت بضع لحظات من بين الأطر، علق عليها بوسعد قائلا «الإنسان في بعض الحالات يستخرج من الذاكرة بعض الصور التي تعود إلى الماضي، ولقطات من حياة الماضي كشجرة الياسمين واللوز، وذكريات القط السيء الذي يقتل الحمام، فعلى الفنان اقتناص اللقطة إلى جانب الواقع المعاش في إخراج العمل الذي تتشكل منه المجموعة».

العدد 2246 - الأربعاء 29 أكتوبر 2008م الموافق 28 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:00 م

      فنان مبدع

      هذا الفنان الاستاذ اثرانا بتجاربه الغنية فكريا و تقنيا..
      يعطيك الف عافية يا بوسعد و ننتظر المزيد
      تحياتي

اقرأ ايضاً