العدد 1623 - الأربعاء 14 فبراير 2007م الموافق 26 محرم 1428هـ

المثقف الإنسان... المدافع عما لا يُستملك

نادر كاظم في «طبائع الاستملاك»... يقاوم «كل ما للسيد حرام على العبد»

«وقد تبين لي بعد كتابة «تمثيلات الآخر» أن التنافس القائم بين الجماعات ليس إلا تنافسا مدفوعا بغاية «الاستملاك» أساسا، واستملاكا لما هو غير قابل للاستملاك على وجه التحديد».

نادر كاظم

يستكمل الأكاديمي نادر كاظم بعد منتجه «تمثيلات الآخر» نقده الثقافي في الدائرة التي يصفها بأنها الدائرة التي يستطيع أن يفهم تطوراتها المفاجئة وتحولاتها وتعقيداتها وجوانب الأصالة والضعف فيها بشكل «يكاد يكون غريزيا». هذه الدائرة هي وطنه «البحرين».

ويأتي كتاب «طبائع الاستملاك» قراءة في أمراض الحالة البحرينية في توقيت معقد لا يستطيع نفسه تجاوزه.

يمثل «طبائع الاستملاك» - على غير عادة الإصدارات المقالاتية - استكمالا لمشروع نادر كاظم الثقافي، لكن ما يجعله استثنائيا عما سبقه من منتج ثقافي هو أنه يصب في معايشة الحالة البحرينية بشكل مباشر، وفي هذا التوقيت خصوصا.

الجديد لدى نادر كاظم متعدد في هذا المنتج، لكن تبيئته للحالة الطائفية لما قبل حالة التشكل الحديث للدولة في البحرين إلى القرن السادس عشر تحديدا أفرز الكثير من الآراء المتضاربة في هذا السياق.

يؤكد كاظم أن الحالة الطائفية المستعرة في البحرين تمثل امتدادا للحالة العراقية إلا أنه يقرأ الحالة الطائفية نفسها لا بصفتها «مولودا من فراغ»، بل بوصفها «ذاكرة ممتدة وترجع إلى القرن السادس عشر الميلادي، وتحديدا إلى فترة الحكم البرتغالي في البحرين».

يعتقد نادر كاظم أن تعزيز المجتمع المدني بوصفه وسيطا بين الفرد والدولة ومجالا للتنظيمات والأنشطة والارتباطات الطوعية التي تقوم على تعاقد حر بين الأفراد هو ما تحتاجه الحالة البحرينية حتى تستطيع تجاوز تنشيط نسقها الطائفي، هذا النسق الذي تلعب القوى الخارجية عبر «تحريك الولاءات وأشكال الارتباطات القديمة القائمة على الدين والعرق والطائفة والقرية والعائلة».

الطائفية... مضمر الاستملاك

الطائفية التي تتمثل في ممارسات سلوكية تمييزية تقوم بها جماعة ضد أخرى هي ظواهر عامة يقف وراءها - بحسب الباحث - «نسق مضمر متعدد الوجوه والأشكال، وهو نسق ينشط في سياق المزاحمة من أجل تحقيق مآرب دفينة ومتجذرة، وهذه المآرب هي إنجاز الاستملاك الجماعي لما لا يمكن استملاكه». ويتركز اشتغال نادر كاظم على فضح طبائع الاستملاك هذه عبر ما يسميه الباحث «أمراض الحالة البحرينية».

الخطير لدى كاظم ليس «الاستملاك» الموجه لما هو مصنغ ضمن ما يمكن استملاكه أصلا. بل هو ذلك الاستملاك الذي يحاول أن يطال القيم والحقوق الإنسانية المشتركة والدولة والذكاء والإسلام والجنة والحق. وصولا إلى نتيجة يسميها كاظم بالبغيضة وهي عبارة حكايات ألف ليلة وليلة «كل ما للسيد حرام على العبد».

ويستدل نادر كاظم بخطابات العنصرية والخطاب الذكوري في فضح طبائع الاستملاك التي يحاول سبرها. ويوظف النص الماركسي في نقد طبقات الهيمنة لتبيئة رؤيته. ويعتقد بأن لا سبيل إلى تقويض خطابات السلطة والهيمنة إلا من خلال تقويض «طبائع الاستملاك» التي تتشكل كنسق يظهر تارة بصفة «الخطاب الرجولي» أو «العنصري» أو «الصراع الطائفي» كما هو الحال في الحالة البحرينية مثلا.

يلخص نادر كاظم ما هو غير قابل للاستملاك في أنه «الميدان الإنساني المشترك الذي يتسع للجميع ولا يقبل الاحتكار». وهو «ما ينبغي إنشاؤه وإعادة إنشائه، والدفاع عنه ضد التحيزات الضيقة، والمحالات المهووسة من أجل حيازته واحتكاره دون سائر البشر». أما أسباب المهمة التي يضطلع نادر في كتابه القيام بها فهي «الحفاظ على السلم الأهلي والعالمي, وعن القدر المشترك والثمين الذي نتقاسمه بيننا كبشر».

الحديث في الدولة بوصفها «المستهدفة»

يحدث أن تكون الدولة هي ما تسعى الجماعات إلى السيطرة عليه. ويعالج نادر كاظم هذه الصورة عبر بيان عجز الدولة - في بعض المشاهد - عن أن تقوم بدورها الرئيسي في تجاوز «حالة الطبيعة والفوضى وحرب الجميع ضد الجميع».

قد لا تتورط الدولة في هذه الحروب - التي لم تستطع الدولة إيقافها - لكنها بتعبير نادر «لن تكون بمنأى عنها»، إذ غالبا ما تكون الدولة «المقصودة بالاستملاك والاحتكار، فيدور الصراع العام حول حيازة ما تتمتع به الدولة من قوة وسلطة، وحول الاسئثار بما في حوزتها من ممتلكات ومنافع عامة». وبهذا نعود لما للحالة قبل الدولة فالصورة النهائية هي حرب الجميع ضد الجميع من أجل استملاك ميدان الدولة واحتكاره بالكامل.

ويرجع كاظم هذا الإخفاق في أداء الدولة لمهمتها الرئيسة إلى فكرة الدولة نفسها. فهي احتكرت العنف والسلطة برضا المجتمع، لكنها تجاوزت مهمتها في حماية السلم الأهلي وتوفير الأمن لـ «تنفتح شهيتها بغية احتكار كل شيء في المجتمع». نتيجة ذلك أن اصبحت الدولة الحديثة «أقوى وأغنى من جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين في المجتمع. وهو ما أغرى الجميع بالتفكير في الاستيلاء عليها».

لا يعتبر الأكاديمي البحريني نادر كاظم منتجه «كتابا في التاريخ البحريني» وهو ليس سردا لحوادث دراماتيكية في فترة معينة. ولا يقدمه الكاتب بوصفه «كتابا في السياسة»، بل «محاولة متعددة المداخل لتشخيص ما يمكن تسميته بأمراض الحالة البحرينية». وذلك عبر تفعيل طبائع الاستملاك في الجماعات البحرينية.

من الاستملاك الرمزي إلى المنجل المهيب

يقدم الكتاب ثمانية فصول منفصلة على الترتيب الآتي: «الطائفية والاستملاك الرمزي»، «الرمانة وذاكرة الطائفية»، «الطائفية والنسق»، «سيرة الوطنية»، «بناء الدولة وصنع البحريني المنضبط»، «الدولة والعلماء والصراع على احتكار الحقل الديني»، «حداثيون ويصلون»، وأخيرا «ذاكرة المرض وتوقيعات المنجل المهيب».

تعتمد هذه القراءات المتخصصة بعد المقدمة التأسيسية على قراءات معمقة لسلوكيات الفاعلين السياسيين وبعض الإطلالات الذكية على التاريخ البحريني. ويقدم الباحث من خلال هذه المعايشة المباشرة بين النظرية والحدث الاجتماعي التاريخي والآني خلاصات واستنتاجات قارة. ويشتغل معول نادر كاظم في سبرها والدخول في «ماورائياتها» وصولا إلى بيان ذلك النسق المضمر في الاستملاك لما لا يستكمل.

الإسقاطات التي يؤثثها نادر كاظم بأدواته لنظرية تسلط الضوء على ما بعد الحوادث في سياقات زمنية متباعدة. ويعمد نادر إلى جمعها وربطها تاريخيا بحوادث تاريخية محفورة في الذاكرة البحرينية. وهو ما يجعل من الكاتب قادرا على توظيف أدواته النقدية - عبر التقاطاته المباشرة - توظيفا فريدا من نوعه.

تشهد على ذلك الكثير من المتابعات والتعليقات والردود التي جاءت إما معقبة أو مكملة أو حتى معترضة على ما كان يتوصل إليه في قراءاته المعمقة من نتائج أو إطلاقات عامة.

العدد 1623 - الأربعاء 14 فبراير 2007م الموافق 26 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً