العدد 2247 - الخميس 30 أكتوبر 2008م الموافق 29 شوال 1429هـ

العالم والمستقبل والعرب واجترار التاريخ

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في المتحف الوطني في دمشق افتتح قبل أيام معرض «العصر الذهبي للعلوم عند العرب». المعرض ينظم في إطار احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008، بحضور رسمي رفيع فى مقدمته قرينة الرئيس السوري أسماء الأسد ومدير معهد العالم العربي في باريس دومنيك بوديس، ووزراء ودبلوماسيون. مدير معهد العالم العربي في باريس، في إطار إشادته بالمعرض قال إنه «يبين القدرات العظيمة للعصر الذهبي للعلوم العربية». ويمتد المعرض على مساحة 600 متر مربع، ويتضمن شروحات وخلاصات تمثل استعراضا لما وصلته العلوم عند العرب المسلمين، في مختلف مجالات الرياضيات والفلك والطب والكيمياء والصيدلة والتنجيم والميكانيك وصولا إلى الموسيقى وربطها بالعلم.

وتنتشر فى كل قسم شاشة فيديو صغيرة تعرض مقابلات مع علماء وأساتذة فى الجامعات الفرنسية وتقدم توضيحات وشروحات عن بعض الآلات القديمة وعملها، ومنها الاسطرلاب وطبيعة الإنجازات العربية المهمة في بعض العلوم كالرياضيات والطب والفلك.

جميل جدا أن تسترجع الأمم تاريخها، كي تستلهم منه حاضرها، وتبني عليهما مستقبلها، لكن عندما يتحول استذكار الماضي إلى نوع من إجترار القديم تغطية لفشل حاضر، وتحاشيا لأخطار المستقبل، تتطور العملية إلى ما يشبه الحالة المرضية، كالتي نعيشها نحن العرب اليوم، ويصبح الأمر حينها بحاجة إلى وقفة جادة وعلاج حقيقي.

لا أحد ينكر على العرب تاريخهم المجيد، وليس بوسع أحد أن ينفي إسهامهم في الحضارة العالمية، لكن كل ذلك لايعدو - وبمنطق اليوم - كونه تاريخا من الخطأ الإستمرار في اجتراره والعيش على أمجاده، إلا لمن لايريد ان يخرج من قمقم التاريخ الآسن.

ومن أجل المقارنة، ولكي نلمس الربط الإيجابي بين ما كان تاريخا وما يحمله المستقبل، لربما بات من المفيد الإطلالة على تجربة أمة مثل الأمة الهندية، والتي تتشابه ظروفها كثيرا مع أوضاعنا العربية. فهي أمة لها تاريخ مجيد، وتمتلك إسهامات إيجابية عملاقة في تاريخ التطور الحضاري الإنساني، وهي أيضا ابتليت، في تاريخها الحديث، بالإستعمار الأوروبي الذي نهب خيراتها ومزقها أشلاء، وزرع فوق أرضها الأم دولا مثل باكستان وبنغلادش، ووضع أمامها أزمات تاريخية مستعصية مثل مشكلة كشمير، والتي هي شبيهة إلى حد بعيد بزرعه الكيان الصهيوني فوق الأرض العربية.

لكن الفرق بيننا نحن العرب وبين الهند، أنه بينما واصلنا نحن نحيبنا على مآسينا، ولم نكف عن العويل على ما أصابنا، ولم نتوقف عن توجيه الهم لآخرين محملين إياهم مسئولية تخلفنا، مستمتعين بالعيش في التاريخ، نجد، بالمقابل، أن الهند لعقت جراحها وحملت أثقالها، ونظرت نحو المستقبل، فشمَّرت عن ساعديها، وبدأت تضع لبنات مستقبلها مرسخة أقدامها على طريق مليئة بالمتنافسين من أمثال الصين واليابان، بل وحتى دول صغيرة مثل تايوان وكوريا، ومكتظة بالحساد والجشعين، ومن بينهم قوى استعمارية قديمة مثل الدول الأوروبية، وأخرى جديدة مثل الولايات المتحدة.

لذا، وبينما لايملك العرب اليوم من شيء سوى التاريخ والنفط الذين يلجون بهما حلبة التنافس الدولي، نجد أن بين يدي الهند الكثير من الأوراق التي بوسعها أن تضعها على مائدة العلاقات الدولية.

فعلى المستوى الوطني العام، نجد أن الهند في العام 1968 استوردت 9 ملايين طن من الحبوب تهيئة لبرنامج وطني للإكتفاء الذاتي دشنته في العام 1971، وتوجته اليوم؛ إذ بات لديها فائض من الحبوب يبلغ 60 مليون طن. ليس هذا فحسب بل تساعد الهند 11 دولة نامية لتسديد قروضها البالغة 300 مليون دولار لصندوق النقد الدولي، كما سددت الهند 3 مليارات دولار أخرى كانت قد اقترضتها هي من بنك آسيا للتنمية.

هذا على المستوى الاقتصادي، أما على مستوى التقدم العلمي، ففي الهند اليوم أكثر من 250 جامعة، تعمل سوية مع 1500 معهد للبحوث، وحوالى 10428 معهدا للدراسات العليا، يتخرج منها جميعا وفي كل عام 200 ألف مهندس، إلى جانب 300 ألف متدرب فني.

وبينما تكتفي الدول العربية بتصدير النفط وحده، إلى الولايات المتحدة التي تستورد السيارات من اليابان، وأجهزة التلفاز من كوريا الجنوبية، والمشروبات الروحية من سكوتلندا، نجدها، أي الولايات المتحدة، مضطرة إلى إستيراد الموارد البشرية من الهند التي باتت تزودها، مباشرة، أو من خلال مراكز العهدة (Outsorcing) المنتشرة في ربوع الهند بما تحتاجه السوق الأميركية، والصناعة الأميركية أيضا من خدمات متطورة أو موارد بشرية ماهرة.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2247 - الخميس 30 أكتوبر 2008م الموافق 29 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً