العدد 1644 - الأربعاء 07 مارس 2007م الموافق 17 صفر 1428هـ

قراءة في حركة اللباس العاشورائية وتجاذباتها المعاصرة (3-3)

عاشوراء اللون والتكوين

تشكل المواسم الدينية كغيرها من المواسم في الكثير من المجتمعات البشرية «ساحة» تتفاعل فيها الكثير من العوامل الاجتماعية، التي تقتضي «حركة» مالية نتيجة وجود تلك المواسم، إذ إن خصوصيتها تفرض نمطا معينا من «الاستهلاك»، وبطبيعة الحال تمثل دراسة تلك الخصوصية أهمية لتوظيف تلك الحركة المالية لتصل إلى مرحلة «الإنتاج»، وبالتالي تتكون الاستفادة الذاتية من المواسم الدينية.

في هذه الحلقة نستعرض الجانب «التجاري» من «سواد عاشوراء».

للأسود دراهم معدودات

ترتفع مبيعات الألبسة السوداء في الأسواق قبل شهري محرم وصفر، ليكون اللباس المنشود هو ذو اللون الأسود بالمطلق بغض النظر عن المحتوى المكتوب أو المرسوم على القميص أو «T-Shirt»، وهو ربط ناقص إن اعتمد على اللون فقط.

وينطلق هذا الاهتمام والملاحظة من خلال المكانة التي يحتلها «السواد» بصريا في الموسم الحسيني (محرم وصفر)، وبالتالي يكون «لفت النظر» و «التعليق» و «الملاحظة» رد فعل طبيعي بل ومطلوب ليكون الجو العام لهذا الموسم متناسقا ومتوالفا مع النمط العام لما هو مقدم كمؤشر له، وذلك من خلال السواد في هذه الحال لبسا وإظهارا في الشوارع والمآتم والبيوت.

الأسود مرفرفا على الصدور والجدران

ويتحول اللباس إلى رمز لفكر أو عقيدة مع تطور الزمن وارتباطه الزماني والمكاني، وما الملابس الفلكورية إلا مثال لاحتفاظ الأمم بتراثها وفكرها وثقافتها، حتى تحولت إلى صيغة «قانونية» و «معرفية» يتم الحفاظ عليها والدفاع عنها، كما هو مصنف ضمن «الملكية الفكرية» إذ إن إحداها هي «الفلكور» بما يتضمنه من ملابس وأغانٍ وموسيقى، والحفاظ على تلك الروحية الخاصة بالموسم الحسيني تتمثل في الملاحظة والبحث وتقديم ما يُثبت تلك «الروحية اللباسية» - إن صح التعبير -؛ لتتشكل على إثرها فلكورا دينيا خاصا ينتقل لأجيال عبر أجيال من دون «تشويه» لتلك الثقافة والروح من خلال تقلبات «لباسية» تضيف وتُنقص من تلك الصورة العامة لعنوان اللباس الحسيني المرتبط بشهري محرم وصفر. إن حركة السواد على الجسد (اللباس) والحجر (البيوت والمآتم) تمثل ثقافة دينية تحيا بحياة الرمز المجسد لها أو القالب الذي يقدمها «اللون الأسود»، وبالتالي تكون عملية «إنعاش» الرمز مهمة وتتخذ من الوسائل الحديثة طريقا لبقائها عوضا أن تكون سببا في تشويهها، إن تحول اللباس العاشورائي إلى موضة (fashion) هي إحدى الطرق التي بالإمكان تجاوز إمساك العصا من المنتصف، لنصل إلى مرحلة توجيه الكثير لما نريد من خلال تلك العصا. وتكون من ضمن التحديات التي «تنخر» في اللباس العاشورائي هو بقاء «الصفاء الأسود» فيها، بمعنى عدم تغير القيم العاشورائية في اللباس، ويمكن القيام بذلك من خلال تقديم «الموضوعات العاشورائية» للباس والتي تتضمن الرسائل ذات العلاقة الدينية بصورة عصرية ومبتكرة، إذ إن ذلك سيساهم في حفظ «الروح الموسمية» لعاشوراء من جهة، وتضمن وجود «جاذبية» من قبل الجيل الجديد والأجيال المقبلة له، إذ إن العملية قائمة على تثبيت القيم اللباسية وتغيير النمط بصورة عصرية، إذ نضمن بذلك استمرارية الفكر اللباسي العاشورائي، وكمثال على ذلك مع الفارق هما أنموذجي الهند والصين، إذ تغلبتا على الغزو اللباسي - نوعا ما - إذ بقيتا على اللباس التقليدي وبصورة حديثة، وساعدهما على ذلك السينما والتلفزيون، إذ بقي «الساري» ومازال في الأفلام وبعض «ثيمات» (Bollywood) وجزء لا يمكن الاستغناء عنه في الثقافة والتراث الهندي، والأمر بالمثل للباس الرجال في الصين، إذ بقي هذا اللباس لحد الآن في الأسواق بل وتم تطويره وأصبح رمزا (Symbol) للفنون القتالية القديمة (Martial Arts).

وليبقى الأسود خفاقا شعارا ولباسا

ونؤمن بأن «كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء» تتعدى مساحة ومكانة الفهم المكاني والزماني لتشكل هذه المقولة عنوانا إنسانيا يضم بين جنبيه كل القيم الإنسانية النبيلة، ورسم لمجتمع حي فاعل ومؤثر، وعند الحديث عن خلق بيئة متفاعلة تلزمها الصورة التي تتحرك بها بما تحويه تلك الصور من التزام وتوجه متجدد ومبتكر للغاية الأولى والأخيرة (الإصلاح) بمفهومه الإسلامي الإنساني العام، ويشكل «اللباس» أحد مظاهر المجتمع الأصيلة التي لا يمكن التهوين بها لأنها «مظهر»، فهي معادلة تفاعلية منطقية أن يتم توصيف وملاحظة اللباس كعنوان حركي للمجتمع الذي يريد أن يرسم ويخط طريقه من خلال الكثير من أدوات التشييد والتعبيد ومنها اللباس. فهل تكون النظرة للباس الأسود «الديني» ذات أبعاد عصرية ومبتكرة تحاكي حجم التحديات التي تفرضها الكثير من المتغيرات أم تظل تلك النظرة متأرجحة ومتقلبة ترفع شعار الحسين لونا وتغيّره عنوانا وسلوكا و «لباسا»؟

* باحث اجتماعي ومتخصص في الملكية الفكرية

العدد 1644 - الأربعاء 07 مارس 2007م الموافق 17 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً