العدد 1646 - الجمعة 09 مارس 2007م الموافق 19 صفر 1428هـ

عرض «سيف الشهادة» يستدعي «وحشي» لكربلاء

مسرحية تاريخية تمازج الحاضر بالماضي

«لقد تطايرت شظايا القلوبِ حُزنا، وزهقت النفوس جزعا، وأصبح الناسُ سكارى وما هم بسكارى! ولكن مكرُ الهوى ومكر الشيطان»، فتجيبه زينب وهي واضعة يديها على وجهها للمصاب «يا زين العابدين... لقد أقرحت جفوننا، وأذبت قلوبنا، أخبرني أين كنت إن كلامكَ يا نور عيني أقرح قلوبنا؟».

فيما بدا ممثل دور «وحشي» وسط المسرح يهيل التراب على رأسه ويتحرك شيئا فشيئا، وبتحركٍ بطيء «يظن القاتل جهلا إنه هزم المقتول، ما درى أن قتيل الحق باقٍ لا يزول، إن القتل ناقوس النهاية، والذبح إنشودة الرواية، وبالدم تبدأ الحكاية» بهذا الحوار بين زينب وزين العابدين بدأت مسرحية «سيف الشهادة» للمؤلف والمخرج جابر حسن وأداء فرقة العروج للتمثيل المسرحي عروضها على صالة نادي الأهلي في 1 - 5 مارس/ آذار الجاري، وبرعاية من جمعية التوعية الإسلامية ومركز السنابس الثقافي وإنتاج إسلاميديا للإنتاج والإعلام.

في دور معاكس لما يألفه المشاهد من تسلسل تأريخي لحادثة كربلاء، دخل وحشي بقوة ليسرد أنشودة القتل وأنه بقتله عم الرسول حمزة لم يوقف مد الإسلام والرسالة المحمدية، ولذلك بقي طوال المشاهد ومن وراء ستار يحاكي الجنود التي تخرج للحرب إنها بالقتل ستبدأ النهاية، ولكنَّ الذبح سيظل يدوي كأنشودة يرددها المظلومون لنيل العدل والحرية.

بدا المسرح وكأنه تجسيد لعنوان المسرحية «سيف الشهادة»، إذ حمل الجانب الأيمن من المسرح سيوفا كبيرة وبالقرب منها كانت غرفة مضيئة تخرج منها الأصوات الخيالية مثل دور وحشي ودور شاب قدم لنصرة العدل ونيل الحرية، اما الجانب الأيسر فحمل صخورا كبيرة وتلالا رملية مرتفعة، وما يصل الجانبين الأيمن والأيسر ستار أسود طالما غطاه الممثلون بحركاتهم التي كانت وسطه أو على جانبيه، أما الإضاءة فكانت تعطي عنفوانا لحيوية المشاهد التي توزعت بين مشاهد حزن وتشرد ومواجهة بين الجنود ومواجهة أخرى بين النفس وضف فيها إضاءات تحرك المشهد ليتفاعل معه المتلقي ويعطيه إنشدادا أكبر، وما صاحب الإضاءة وكمل المشاهد هي تلك الرثائيات التي قدمت من خلال الآهات والموسيقى الخاصة بكل مشهد ودور.

وحشي يعلن بدء المسرحية

بدأت الحكاية التي أعلن عن بدئها وحشي مع صوت قرع طبول الحرب، ووحشي ومن وسط المسرح يطلق نداءاته إلى الجنود وهو يهيل التراب على رأسه في إشارة إلى الندم والخطأ الذي أرتكبه بقتله الحمزة، ويعلل ذلك ما قاله على لسانه «قتلت من يحمل الموت ولم أخف، فقتلني الندم» وبعد حوارٍ أخر بين شاب ورجل عجوز لا يزال وحشي يواصل إشاراته إلى أن القاتل ليس دائما هو المنتصر فيقول : «أنا عار يفر الكل منه ويلعنونه، أنا رجسٌ، ندمٌ فليتكم تدفنونه».

فتدخل امرأة وتقف على تلة من التلال تبين من الحوار أنها تؤدي دور السيدة زينب بالصوت ذلك الصوت الذي مثل البراءة والعفة والنصرة الذي نصرت بنداءاته العدل والحرية والخير، فقالت للجنود : «لا يقتل الخير بينكم» فتقرع الطبول في إشارة إلى عظم ما يرتكبه الجنود من إقدامهم لقتل الخير والحرية، ومرة أخرى «ادركوه وانصروا الحرية، ارجعوا إلى رشدكم ولا يقتل الخير بينكم.

انقسم المسرح إلى نصفين مع نداءات صوت زينب إذ دخل جنود مثلوا جيش بني أمية وجنود مثلوا أنصار الحسين، ووسط المسرح وخلف وحشي الذي لم يبرح مكانه وقف رجل عجوز وفي أمام المسرح من جهة التلال وقف شاب كان يقول : «اقتلوا الخوف وقوموا لتأدية واجبكم وأحيوا ضمائركم وأنقذوا إسلامكم ودينكم» فيما العجوز يقول : «هذا ابن الكتاب المبين يدعوكم لنصرته، فلقد رفع راية العدل والحرية»، ويضيف «حاربوا الظلم والجور يا نبلاء»، وصوت أخر من جنود بني أمية «أحفظوا أنفسكم وخافوا جيش الشام»، أما وحشي فما زال يهيل التراب على رأسه ويقول : «سلبت مني لذة الحياة، واشتريت بنقودك الذهبية الخبيثة يا هند».

ولفت الجمهور دور «الإمام الحسين» بدخوله من الجانب الأيسر الذي مازجة المخرج بإضاءة وموسيقى فيها من حركة الهدوء التي تضفي على أداء الممثل وحركاته من الوقار والهيبة، توقف من على تلة من التلال بالقرب من السيدة زينب وقدم خلالها نداءاته التي توضح فيها أهداف إعلانه لثورته، وبالقرب منه كان يقف الشاب من بداية المشهد الذي اتضح ومن خلال الحوار أنه شاب من واقع اليوم يسمع بنداءات الحسين فيحاول نصرته وهذا ما عمل المخرج على إيصاله في مجمل توظيفات المخرج على النص المسرحي.

ثلاثة في دور واحد

اشترك الشاب والعجوز ووحشي في دور واحد، ذلك بعد أن قدم كل واحد منهم نصائحة لجنود جيش بني أمية، وليتحول بعد ذلك دور الناصح إلى دور المقيد والمقتول، فبعد أن مل الجنود سماع نصائحهم أخذوهم واحدا بعد واحد في تتابع مع أحداث المسرحية ،فالمرة الأولى عندما أخذ الجنود الرجل العجوز وكبلوه ووسموه بالفسق يدخل الشاب لنصرته إلا انه لم يتمكن من أخذه منهم إلا بعد أن أزعجهم ما يثيره وحشي من كلامه، إنه بخروجهم لقتال الحسين سيرتكبون خطأ عظيما، فيتركون الرجل العجوز ليتلقاه الشاب بيديه، ويقوم الجنود بتقييد وحشي ومن ثم إبعاده، ووحشي بدوره قدم رثائية الحزين على من يطلب الحرية.

عناصر «الأكشن» في المسرحية

قدم المخرج أداورا عدة وظفت ما حمله عنوان المسرحية «سيف الشهادة» فبعد أن حوّل فنيو الديكور المسرح إلى واقع الحدث التأريخي مما حملته خلفية المسرح كلوحة فنية من الديكور والإضاءة، إذ وضعت سيوف كبيرة وأحجار وتلال غطت مساحة المسرح، في ألوان وفنيات وأقمشة برزت فيها إبداعات اللجان الفنية ومنها لجنة الديكور التي نفذها الاخوان علي وفاضل الصباغ وعلي النجاس وحسين عبدعلي وفكرة وتلوين الفنان محمود آل حيدر، هذا بالإضافة إلى دور الفنيين في المكياج والصوتيات والتصوير الذين شكلوا فريقا يفوق 57 فنيا شاركوا في صناعة «الأكشن».

ومن أدوار الأكشن مواجهة الجيشين بالسيوف والرماح في أداور «أكشن» إذ حارب الجيشان بمبارزة السيوف ورمي الرماح والسهام، ما يستدعى تدريبا مكثفا على حمل السيف والمبارزة به، وهذا ما أظهره الممثلون من الجانبين، وهذا ما جعل من المسرحية تأتي بشيء من غير المألوف إلا في المسلسلات أو الأفلام التاريخية، وصاحب هذه المشاهد الإضاءة والموسيقى وأصوات الطبول التي تثريها بإثارة لكل دور على حدة.

بين الماضي والحاضر

شملت عناصر المسرحية أدوارا تستدعى بالضرورة لحوادث تاريخية كحادثة كربلاء، فقد أستدعى المؤلف شخصيات جيش بني أمية وأنصار الإمام الحسين، واستدعى شخصيات مثل السيدة زينب والإمام علي بن الحسين وبنت الحسين ويتامى اثنين ممن صاحبوا الحسين، وكذلك استدعى الإمام الحسين (ع)، وبدور جديد وهو دور الرجل العجوز ربط المؤلف بين الماضي والحاضر إذ جعل حوار دور الشاب مع الرجل العجوز بشكل مباشر وحوار الرجل العجوز جعله كالمتلقي من شخصيات الحادثة التاريخية، والشاب كان ممن يستمع لكل الحوارات إلى أن يلامسه بشخصيات الحادثة بشكل مباشر ولكن ليس قبل أن يلاقي الإمام الحسين ولكي لا يضيع أمله بنصرة العدل والحرية جنبا إلى جنب مع أنصار الإمام الحسين، بهذه الكيفية وظف المؤلف والمخرج دور الشاب مع تسلسل الحوادث التي لم يسردها المؤلف بالسرد القاتل بل وظفها توظيفا مغايرا لما هو المعتاد في التسلسل الذي يجعل منها سردا محظا.

العمل أعطى العروج تجربة جديدة

ما بين نهاية المسرحية وتفرق الجمهور توقفنا مع مؤلف ومخرج المسرحية الفنان البحريني جابر حسن لنسأله عن واقع عمل مسرحية سيف الشهادة وما تمثله لهم فقال: «إن فرقة العروج للتمثيل المسرحي للمرأة الأولى تتعاون من عدة من الجهات في تقديم عرض بهذا المستوى وبطاقات خاصة من الفرقة وضيوف من فرق أخرى لعرض مسرحية «سيف الشهادة» فإنا ومع هذا التعاون مع جمعية التوعية الإسلامية ومركز السنابس الثقافي وإنتاج من «إسلاميديا» للإنتاج والإعلام وتصوير مشهد للمسرحية من الامازون للإنتاج الفني كنا نقصد أن لا تتشتت الجهود في تقديم الكثير من العروض في وقت واحد، فجاء هذا التعاون وبهذا المستوى وبعرضه على صالة نادي الأهلي»، منوها « إلى أن طاقم العمل من ممثلين وضيوف وإدارة فنية للديكور والصوتيات والتصوير والطاقم الإعلامي بلغ 57 فردا، يجعلنا أمام تجربة وتحد جديد يحتم علينا التخطيط والتفكير جديا قبل الإقدام على أي تعاون أو تنسيق».

وأضاف حسن «إننا في هذه التجربة تلقينا الكثير من الضيوف والزوار الذين حضروا العروض وقدموا لنا الكثير من المقترحات والإشادات بالعرض وتميزه على رغم الإمكانات التي نمتلكها والتي وفرت لنا بشكل محدود وبسيط، ولكننا بما لدينا من طاقات في فرقة العروج استطعنا أن نتجاوز كل العوائق والصعوبات وأن نقدم العمل في وقته وبهذه الصورة التي ارتضاها الجمهور ونالت إعجابه ».

ومن خلف ستار المسرح استدعينا «مريم عبدالله» التي أدت بصوتها دور السيدة زينب (ع) لنتعرف منها على طبيعة مشاركتها ولوحدها بين أفراد فرقة العروج في مسرحية «سيف الشهادة» فتقول: «لطالما قدمت أعمالا على المسرح النسائي، ولكنها المرة الأولى لي التي أشارك فيها مع الأخوة في فرقة العروج، وأني سعيدة لنقطتين الأولى أني أمثل دورا عظيما، والنقطة الثانية أني أحببت ومن خلال التمثيل مع الأخوة وعلى خشبة المسرح أن أوصل رسالة مفادها انه باستطاعتي التمثيل بالحجاب والعباءة وهي رسالة أقدمها لكل من تتعذر»، مضيفة «إن دوري في المسرحية هو أداء صوت السيدة زينب من دون صعودي على المسرح، فيما يقوم ممثل يرتدي العباءة بأداء الدور على المسرح».

يذكر أن فرقة العروج للتمثيل المسرحي يحتضنها مركز السنابس الثقافي منذ أن تم إشهارها في العام 2000، ويدير الفرقة المخرج جابر حسن، والتي تضم 30 فردا من ممثلين وفنيين في الديكور والمكياج والصوتيات والإدارة، وبحسب جابر حسن فإن الفرقة بدأت نشاطها في ممارسة العروض المسرحية والتمثيل منذ العام 1989 فيما قدمت عرض أعمالها المسرحية خارج نطاق منطقة السنابس منذ العام 1993.

العدد 1646 - الجمعة 09 مارس 2007م الموافق 19 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً