العدد 1678 - الثلثاء 10 أبريل 2007م الموافق 22 ربيع الاول 1428هـ

حديث المبادرات وخلط المعادلات!

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

بعد خمس سنوات من إقرر القمة العربية في بيروت العام 2002، لمبادرة السلام العربية، تحرك العرب، في ضوء قرارات قمة الرياض، نحو إعادة تسويق، أو إعادة طرح مبادرتهم... أحسوا أن خمس سنوات ضاعت في كلام الهواء.

وبعد نحو سبع سنوات من خطة كلينتون(الرئيس الأميركي السابق) لحل القضية الفلسطينية، باقتراح شبه محدد، تنبه الرئيس الأميركي الحالي بوش وإدارته، الى أنهم قضوا 80 في المئة من الفترة الرئاسية، الأولى والثانية، دون البناء على خطة كلينتون، وفي الوقت نفسه دون التقدم بخطة بديلة، أو إستراتيجية جديدة محددة المعالم... وها هو الوقت المتاح أمامهم أصبح حرجا وضيقا للغاية...

ونذكر أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس جاءت الى أسوان اخيرا، واجتمعت بالرباعية العربية، لتعيد اجترار ما قالته إدارتها، طوال السنوات الست الأخيرة، بشأن خطة بوش لإقامة دولتين، إسرائيلية وفلسطينية، لكنها لم تتحرك خطوة عملية واحدة للأمام... ظل طحن الكلام وعجنه هو السائد، ضعفا أو مناورة!.

في حين، تغير الوضع الإسرائيلي، الطرف الرئيسي في المعادلة، نحو الأسوأ والأضعف، فقد أخذت الغيبوبة العميقة، رجل «إسرائيل» الشرس، ايريل شارون، فورثه أضعف خلفائه، ايهود أولمرت، الذي جرب قوته وشعبيته في الصيف الماضي، من خلال الحرب العدوانية على لبنان، فأجابه الفشل، ومن ثم تدنت شعبيته الى أدنى درجة، ولم يعد أمامه هو الآخر سوى إعادة طحن الكلام وعجنه...

وأظن أن إعادة طرح وتسويق المبادرة العربية، ليس إلا مناورة عربية، ربما بتشجيع أميركي، لإحراج رئيس وزراء «إسرائيل» وهو في أضعف حالاته، ربما يلين موقفه بحكم شعوره بالضعف، لكنه كما نعلم رد بمناورة مضادة، مزج فيها بين القبول النسبي والرفض المطلق، طمعا في تطبيع علاقاته ببعض الدول العربية، مثل السعودية والإمارات، ليكسر جدارا لايزال قائما، على رغم ما أصابه من هشاشة، وعلى رغم الاختراق الإسرائيلي الواضح له عبر السنوات...

وفي ظل أزمات أكثر التهابا وسخونة، مثل الحرب ضد العراق، وأزمة دارفور السودانية، وأزمة لبنان العسيرة، وحرب الصومال الطاحنة، تراجع الصراع العربي الإسرائيلي، وفي قلبه القضية الفلسطينية الى خلفية المسرح، وباتت الأزمة الإيرانية، مثلا أهم من العقدة الفلسطينية، كما تروج أميركا، وأصبح الخطر الأول على العرب، قادما من طهران، وليس من «إسرائيل»، كما يقول بعض الغرب، وبعض العرب...

اختلطت المعادلات والأوراق والمبادرات وضاعت ملامح الطريق بعد أن سرقوا البوصلة الرئيسية الحاكمة في المنطقة، وأخفوها وسط ضباب الأزمات الأخرى...

ويبدو أن تعبير إعادة طرح وتسويق المبادرة العربية، وفق ما صدر عن قمة الرياض الأخيرة، يخفي هو الآخر، خلطا حقيقيا للمعادلات والأوراق، فقد كان المطلوب أميركيا وإسرائيليا تعديل المبادرة لإسقاط مبدأين منها وهما حق عودة اللاجئين الفسطينيين، وجلاء «إسرائيل» من الأراضي التي احتلها في عدوان 1967.

لكن العرب رفضوا هذه الصيغة التعديلية السافرة، باعتبارها تنازلا جديدا، فوق سلسلة من التنازلات القديمة، التي لم يأخذوا ثمنا لها حتى لو كان بخسا... ملوك الكلام وأساتذة الصياغة، خرجوا بتعبير إعادة تسويق المبادرة، وفتحوا نوافذ جديدة للوصول الى الهدف بطرق أخرى غير سافرة، وغير مستفزة لأمثالنا...

هكذا بدأ طرح صيغة 4+4+2، وتعني إطلاق أيدي الرباعية الدولية التي تضم كلا من أميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، مع الرباعية العربية التي تضم مصر والسعودية والأردن والإمارات، أما الاثنان فهما «إسرائيل» وفلسطين، لكي تعالج الأزمة، وتبحث المبادرات والأوراق المختلفة، بما في ذلك المبادرة العربية، تبحث وتبحث ثم تبحث!. وفي حين وجدت أميركا، التي قد تكون صاحبة هذه الصيغة العشرية، أنها فرصتها الأخيرة لكي تدعي أن إدارة الرئيس بوش الذي دخل شهوره الأخيرة، قد حاولت بقدر الإمكان، فإن «إسرائيل» وجدت أن هذه الصيغة تتيح لها الجلوس رسميا ومباشرة لأول مرة في مواجهة دول عربية مهمة مثل السعودية والإمارات، اختراقا للمقاطعة السياسية، وفوزا بالتطبيع بلا دفع ثمن مقابل...

ولعل دروس التاريخ القريب، ودوافع الحذر الدائم، تجعلنا ندعي أن هذه الصيغة لن تنجح كآلية جديدة لتسوية الصراع المزمن، ولن تحقق شيئا أو تقدما حقيقيا، لأنها بنيت على عناصر المناورة السياسية المتعددة الأطراف، فكل من هذه الأطراف العشرة المشاركة، تعلن شيئا وتضمر اشياء، لكن الضغط الأميركي القوي، هو فقط الذي يريد للصيغة المناورة، أن تمضي قدما، ليس في حل الصراع حقا، ولكن في طحن الكلام ونثره في الهواء لحظة بعد لحظة...

وإذا حددنا الأطراف الرئيسية في اربعة أطراف محددة، هي العرب عموما، وفلسطين خصوصا، ثم أميركا وأخيرا «إسرائيل»، فإنهم جميعا يشتركون في عامل موضوعي موحد لهم، محدد لحركتهم وقدرتهم على الفعل والانجاز، وهو الضعف الذي لايخفى على عين...

العرب عموما تفرقت بهم السبل، ولم يعد بينهم ذلك «العامل القومي الجامع» كما كان الحال في الماضي البعيد أو القريب، وإرادتهم السياسية مرهونة واستقلالهم وسيادتهم الوطنية والقومية مستباحة، بعد أن عادت جيوش الاستعمار الجديد تهيمن وتسيطر وتملي إرادتها على إراداتهم!. وفلسطين أصبحت ممزقة، ليس فقط جغرافيا، ما بين غزة والضفة وأرض 1948، تحت كنتونات منعزلة تحوطها «إسرائيل» بمستوطناتها وترسانتها المسلحة، بل أصبحت ممزقة بشريا وسياسيا، في ظل صراع فتح وحماس، الذي لم يفلح اتفاق مكة في إنهائه تماما، وإن كان نجح في تهدئته ظاهريا...

و»إسرائيل»، كما أسلفنا، تخضع لحكومة ورئيس لها، هو الأضعف في تاريخ الحكومات منذ إنشاء هذا الكيان، لقد تخلى الشارع الإسرائيلي، المعروف بشراسته وعدوانيته، عن أولمرت وأدان ضعفه، وخصوصا بعد فشله في الحرب ضد لبنان الصيف الماضي، ولم يعد له حليف وسند حقيقي يبقيه في السلطة، إلا التحالف الأميركي الصهيوني وعصابة المحافظين الجدد في واشنطن...

أما أميركا، فإن إدارة الرئيس بوش تخطو خطواتها الأخيرة في السلطة، ولم يعد أمامها عمليا إلا باقي شهور هذا العام 2007، لتدخل العام 2008، كالبطة العرجاء وفق التعبير الشائع، غير قادرة على اتخاذ إجراءات سياسية حاسمة...

وما تريده إدارة بوش بالتحالف الاستراتيجي المعروف مع «إسرائيل»، هو استغلال حالة الوهن والضعف العام، السائد في كل اتجه، لكي تنجو من المقتلة العراقية، ململمة جراحها الدامية، خصوصا في ظل الأزمة السياسية الداخلية، التي يجيد الحزب الديموقراطي، صاحب الأغلبية في الكونجرس، اللعب بها، وممارسة أكبر ضغط سياسي ومالي على الرئيس المترنح، لكي تقضي على فرصة حزبه الجمهوري في الفوز بالمنصب مرة أخرى في الانتخابات القادمة...

ولقد تصور بعض دهاقنة السياسة العرب، أن الفشل السياسي العسكري لإدارة بوش في العراق، والفشل المقابل لحكومة «إسرائيل» في حرب لبنان، يمنح الطرف العربي فرصة الضغط على أميركا و»إسرائيل» معا، استغلالا لحالة الوهن والضعف، حتى يمكن أن يحصل العرب على تسوية عادلة للصراع العربي الإسرائيلي... إلا أن الطرف الأميركي الإسرائيلي، رد بابتزاز مضاد، يقوم على معادلة معلنة، تقول إنه لكي تنخرط أميركا و»إسرائيل»، في تسوية حقيقية للصراع المزمن، يجب أولا وأساسا أن ينخرط العرب، وخصوصا ما يسمى محور المعتدلين، الحلفاء والأصدقاء، في المساعدة في مواجهة الخطر الأكبر والأكثر عنفا، خطر الإرهاب المسلح، الممتد من العراق الى فلسطين إلى دارفود وخطر الإرهاب السياسي الذي يغذيه الراديكاليون العرب في سورية ولبنان، ثم أساسا الخطر الإيراني .

إذا ماذا عن إعادة طرح وتسويق المبادرة العربية، التي يكثر الحديث عن تفعيلها منذ القمة العربية، ماذا عن آلية 4+4+2، ولماذا الآن؟

أشك من ناحيتي في الأمر كله، فالهدف هو استهلاك الوقت، أو قل إضاعته، حتى تتمكن أميركا و»إسرائيل» من لملمة الجراح النازفة، وتجاوز مرحلة الوهن والضعف، وتحقيق إنجاز ما في العراق، وضد الراديكاليين «المقاومة والممانعة» في أكثر من ساحة عربية، ثم عرقلة البرنامج النووي الإيراني، وكبح جماح قادة طهران...

فإن نجحوا في تحقيق ذلك، كله أو بعضه، سيكون الوقت قد جرى وتسربت أيامه من بين أصابعنا، ليعلن الرئيس بوش، أنه ينهي ولايته، ويستعد لتسليم المسئولية لرئيس قادم، ويفاجئ أولمرت الجميع بإجراء انتخابات جديدة، تعيد تشكيل الحالة السياسية في «إسرائيل»... ثم نبدأ من جديد مع القادمين الجدد، وتدور الدوامة منطلقة من نقطة الصفر!.

فلماذا نرقص جميعا على هذا النغم النشاز!

خير الكلام: يقول الشاعر:

وربما فات قوما جل أمرهم

من التأني وكان الحزم لو عجلوا

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1678 - الثلثاء 10 أبريل 2007م الموافق 22 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً