العدد 1686 - الأربعاء 18 أبريل 2007م الموافق 30 ربيع الاول 1428هـ

صحافية تلاحق جريمة والحقيقة تطاردها

شريط «Perfect Stranger» في الدانة

فيلم «PERFECT STRANGER» الذي يعرض حاليا في سينما الدانة غريب من نوعه. فالشريط يتألف من مقاطع. وكل مقطع يأخذ المشاهد إلى مكان ويبدأ بالتفكير والتحليل والاستنتاج، ليكتشف أخيرا أن كل ما ورد في مخيلته ليس صحيحا. وينتهي الفيلم إلى مفاجأة غريبة.

المقطع الأول يتحدث عن صحافية وزميلها يطاردان عضو في الكونغرس متهم بالفساد والتزوير. الصحافية تذهب إلى مكتب السناتور لإجراء مقابلة معه وتنتهي بفضيحة بالصوت والصورة. وتذهب إلى مركز الصحيفة بهذه الضربة التي اشتغلت عليها ستة أشهر. ويعجب رئيس التحرير بهذا العمل المميز ويقرر نشره على الصفحة الأولى.

إلا ان رئيس التحرير يتعرض للضغط وتبدأ مراكز القوى صاحبة النفوذ بالتدخل لإخفاء الفضيحة السياسية. ويضطر رئيس التحرير إلى وقف نشر التحقيق وينتهي أمر الصحافية بالاستقالة احتجاجا على عدم احترام عملها والتزامها الشريف بالمهنة.

يعتقد المشاهد استنادا إلى المقطع الأول أن الفيلم يتحدث عن السياسة والإعلام ودور السلطة في منع نشر التحقيقات التي تكشف الفساد والسرقة وأكاذيب رجال الكونغرس واحتيالهم على القانون.

المقطع الثاني يتحدث عن أزمة تلك الصحافية النزيهة والشريفة والملتزمة بآداب المهنة وشروطها. ويبدأ بملاحقة غضبها بعد خروجها من مكتبها. الصحافية تلاحقها فتاة وصولا إلى محطة القطار. وعند القطار تطلب الفتاة من الصحافية مساعدتها في ملاحقة رجل متزوج و مشهور يعمل في قطاع الأزياء أقام معها علاقة ثم قاطعها واقفل خطوط الاتصال بها.

بعد أسبوع تقتل الفتاة في حادث غامض وغريب من نوعه. وتبدأ الصحافية بمساعدة زميلها بملاحقة عناصر الجريمة لمعرفة الجهة التي خططت أو افتعلت حادث القتل. وهنا أيضا ينخدع المشاهد إذ يظن أن من ارتكب الجريمة يتمتع بموقع مهم في المجتمع وبالتالي فإن جهود الصحافية ستذهب هباء حين تكتشف المجرم الذي توصلت إلى تحديده بناء على معلومات تلك الفتاة التي انتشلت جثتها من النهر. ويتبين في المقطع الثاني أن الصحافية كانت جارة تلك الفتاة وأن عائلتها كانت على معرفة بعائلتها. وهذا يعني أن الصحافية المستقيلة ستبذل جهدها لكشف الحقيقة وفضح ذاك الرجل المشهور الذي يتربع على رأس مؤسسة كبيرة في قطاع النساء.

المقطع الثالث يبدأ من خلال نجاح الصحافية المستقيلة في الحصول على وظيفة في مؤسسة الرجل المشهور (المفترض أنه القاتل) وتأخذ بالتجسس عليه والتقرب منه لإيقاعه حتى تسحب منه المعلومات التي تساعدها على كتابة تقرير يسقط عنه القناع. مشاهد المقطع الثالث متداخلة بين العمل الصحافي والتجسس من خلال رصد المكالمات واختراق الكمبيوتر وشبكة الانترنت بمساعدة صديق الصحافية. وهكذا تبدأ المعلومات بالتجمع ويخال المشاهد أن هذا الرجل المشهور هو القاتل. وبالتالي فإن التحقيق لن يرى النور بسبب نفوذه وامتلاكه وسائل ضغط على الصحف تمنع عنها نشر الفضائح.

إلا أن المقطع الرابع يلغي كل هذه الاحتمالات الظنية. فالصحافية توقع بالرجل المشهور بعد أن اكتشف أنها كانت تتجسس عليه وتأخذ المعلومات وتنقلها إلى طرف ثالث. وفي المقطع الرابع تظهر أيضا على الشاشة لقطات تقلب كل التحليلات والتوقعات. فالصحافي الذي يساعدها يتبين أنه شخص منحرف وغير سوي ويريد ابتزز صديقته الصحافية. ويتبين أيضا أن تلك الصحافية الشريفة والنزيهة والملتزمة بشروط المهنة وآدابها تعاني من مأساة تطاردها مند طفولتها. فهذه الصحافية كانت تتعرض للاعتداء من والدها وأن والدتها حين اكتشفت الأمر حاولت حمايتها وتحولت المسألة إلى مواجهة أقدمت الأم على قتل الأب أمام الابنة.

الابنة إذا تنتمي إلى أسرة ممزقة وأب منحرف وأم قاتلة وطفلة شهدت منظر القتل وعمدت إلى مساعدة أمها على دفن والدها في حديقة المنزل. وخلال عملية الحفر والدفن تطل من النافذة تلك الفتاة التي قتلت في حادث غامض في النهر.

المقطع الخامس يقلب كل التوقعات والتحليلات ويعيد تركيب المشاهد بأسلوب معكوس يخالف كل تلك الاحكام. فالفتاة التي لاحقت الصحافية إلى محطة القطار كانت تبتزها على عادتها منذ الصغر لأنها هي التي شهدت منظر دفن والدها المقتول ولذلك قررت الصحافية قتلها لوقف الملاحقة المتواصلة والابتزاز. والرجل المشهور لا علاقة له بالجريمة ولا بالفتاة وإنما الصحافية قامت بتركيب القصة و لصقها به بعد أن نجحت بترتيب معلومات وأدلة ضده. اما مساعد الصحافية فتبين أيضا أنه كان على علم بالأمر وهو يساعدها على تلفيق التهمة بالرجل المشهور حتى يبتزها بدوره كما ابتزتها جارتها الفتاة نحو عشرين سنة.

وتحت انفضاح أمر الصحافية وبسبب وطأة الغضب تقدم على قتل زميلها وتتصل بالشرطة مدعية أنه اقتحم شقتها بقصد السرقة أو الاغتصاب. ولكن مشهد القتل الأخير الذي ترتكبه الصحافية يراه شاهد عيان آخر من نافذة المبنى المجاور. وينتهي الفيلم هنا.

فيلم «بارفتك سترينجر» غريب فعلا. فهو يزرع الأوهام عند المشاهد منذ البداية ويغدر به في النهاية. المتابع يظن أن الشريط من الصنف السياسي الذي يتحدث عن صراع الصحافة مع السلطة ومصير المهنة حين تتعرض لضغوط أصحاب النفوذ. ولكن اللقطات التي تعبرعنها المقاطع الخمسة تذهب باتجاه آخر لا علاقة له بالسياسة وحين يكتشف أن الصحافية التي تقوم بملاحقة الفضائح هي القاتلة والمجرمة والمنحرفة بينما المنحرف الذي يستغل موقعه ونفوذه ليس قاتلا.

الرابط لكل هذه السلسلة من اللقطات المتداعية والمتنقلة من زاوية إلى أخرى... كانت العين. عين الإنسان تكشف وتراقب وتلاحظ وتنتبه. فالعين هي التي تشاهد ثم يأتي دور الشخص واستعداده لفضح السر وكشفه أم استخدام السر للابتزاز.

صورة العين تتكرر في الفيلم من المشهد الأول إلى الأخير. فهي الشاهد على الحدث وهي تلاحق تلك الصحافية القاتلة التي شهدت في طفولتها حادث قتل والدها على يد والدتها. القصة غريبة إلى درجة الاكتمال. الباحث عن الحقيقة هو المجرم والمتهم بالجريمة يتبين أخيرا أنه بريء.

العدد 1686 - الأربعاء 18 أبريل 2007م الموافق 30 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً