العدد 2535 - الجمعة 14 أغسطس 2009م الموافق 22 شعبان 1430هـ

معادلة غربية: الجريمة تبادر والعدالة لا تسيطر

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أغلق الإيرانيون معتقل كهريزك (بأمر من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية) بعد أيّام من الشِكاية على أوضاعه. ثم أعلنت مديرية قوى الأمن الداخلي طرد ومعاقبة عدد من مسئولي السجن ممن قاموا بممارسة تعذيب جسدي ضد المعتقلين في المعتقل المذكور.

ثم أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي أن «جميع المسئولين عن معتقل كهريزك الذين ارتكبوا مخالفات قد تمت إقالتهم وسيحالون إلى القضاء». وألحِقَ البيان بتوضيحات تفصيلية حول عدد المعتقلين وظروف اعتقالهم. لقد أقرّ الإيرانيون بخطئهم.

قبل ذلك كان رئيس السلطة القضائية آية الله محمود الشاهرودي قد أمر بإجراء لقاءات مع كل المعتقلين وإعداد تقرير عن وضعيتهم ومسار التحقيقات، وتشكيل فروع في عدليات محافظة طهران وفي عدليات المحافظات الأخرى للنظر في شكاوى الأفراد الذين تعرضوا للضرب أو تخريب ممتلكاتهم أو لأضرار جسمية أو مالية».

قد تكون هذه الخطوات من جانب الحكومة الإيرانية غير مُرحّب بها لا من قِبَل الولايات المتحدة ولا أوروبا، لكن ذلك قد لا يعني الكثير إذا ما تبيّن أن الأمور لا تخرج عن توظيفات سياسية كما هي العادة من دول كثيرة منها روسيا والصين وإيران وبعض دول أميركا اللاتينية المغضوب عليها.

يستعمل الغرب هذا الملف منذ زمن بعيد ضد خصومه، متخطيا بانتقائية فجّة أحوال أنظمته القضائية في مجال الحقوق العامة للسجناء، ليس أقلّها ما جرى ويجري في معتقلات غوانتنامو وبوكا وباغرام.

في خليج غوانتنامو يقع Guantanamo Bay detention camp . بدأت واشنطن في استخدام هذا المعتقل (الذي لا تسري عليه القوانين الحقوقية) ضد من تتهمهم بالإرهاب منذ العام 2002 وأكمنتهم فيه حتى السّاعة.

التقطت السّي آي ايه ضحاياها الخمسمئة من أربعين بلدا حول العالم، وجلبتهم إلى هناك على طريقة الاختطاف. بعضهم تمّ خطفه وهو في الطريق، وآخرون في مستشفيات ومراكز إغاثة، وبعضهم من غُرَف نومهم.

وسائل التعذيب لم تكن أقلّ من أيِّ سجن في دولة شموليّة. إهانة معتقدات السجناء وتعريتهم، وتعريضهم لوسائل تعذيب كالإيهام بالغرق، ولِعَضّ الكلاب، وتضميخهم بدم الحيض الشهري للمُجنّدات الأميركيات!

أمضى السجناء أكثر من ستة أعوام دون أن يحقّ لهم الطعن في قضية اعتقالهم أمام المحاكم الفيدراليّة الأميركية رغم أن القرار صادر عن المحكمة العليا منذ يونيو/ حزيران 2004. ما أقوله ليس تجنّيا على النظام العدلي للولايات المتحدة، وإنما هو حقيقة قاله قبلي أناس عديدون. استمعوا لما تقوله تينا فوستر ومعها محامون كُثُر.

في سجن باغرام الأميركي يقبع أكثر من ستمئة معتقل. القاضي الأميركي جون بيتس كتب يقول «معتقلو سجن باغرام الذين ليسوا مواطنين أفغان ولم يُعتقلوا في أفغانستان وسُجنوا لفترة أطول مما ينبغي (أكثر من ست سنوات) بدون حقّ المثُول أمام محكمة يمكنهم الطعن في قرار اعتقالهم».

هذه سخريّة حقا. مَنْ سُجِنَ أكثر مما ينبغي (ست سنوات) هو من يحقّ له الطعن. هل من المعقول أن ما يجري هو شِرْعة الغرب في مجال حقوق الإنسان؟ هل هذه ثقافة قانونية منسوبة لعهد الملك جون كنترا قبل سبعمئة وأربعة وتسعين عاما؟!

عندما لاحت الأوباميّة في الولايات المتحدة، قطعت وعدا بإغلاق المعتقل في غضون عام. لكن حادثة إطلاق الشيخ المؤيّد بيّنت أن الأمر ليس بهذه السهولة. فالمؤيّد أطلِق سراحه بتعهّد أن يُقاضي أحدا من سجّانيه.

هنا ترتفع العتبة الحقوقيّة إلى الأعلى قليلا. ما هو مصير من صفّدوا نزلاء المعتقل وأذاقوهم ويلا؟ فموضوع الإغلاق لا يساوي قيمة في العدالة. هو يُصحح خطأ قد جرى ارتكابه فقط، أما المحاسبة فهي إنصاف لمن ضاع حقّه تحت حوافر الجريمة.

هذا فيما خصّ الأميركيين. في أحوال الأوروبيين حديث آخر. في إيطاليا مثلا ثبّت تقرير البنك الدولي للعام 2008 بأن إيطاليا حلّت في المرتبة الـ 156 من بين 181 بلدا في مجال فعالية نظام العدالة! بمعنى أنها أدنى من العراق وفوق أفغانستان بالضبط.

تقول فالنتينا باسكالي في دراستها تحت عنوان «حكم الغوغاء»: إن «السياسيين الإيطاليين يسنّون تشريعات تُضعف من النظام القضائي مثل قانون بواتا». البرلمان الإيطالي أقرّ قانون العام 2000 لتحييد القضاء في مجال تقادم الجرائم.

بعد إقرار ذلك القانون (بحسب إفادة الدراسة ذاتها) قُصِّرَت مدة التقادم فيما يتعلّق بالجرائم إلى خمس أو سبع سنوات فقط، وهو ما أدّى إلى سقوط 95 في المئة من الجرائم قبل أن تستوفي إجراءاتها العقابية وقبل أن تأخذ العدالة مجراها.

رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني بُرِّأت ساحته ثماني مرات بسبب ذلك في أغلب الأحيان. ومئة من نوّاب البرلمان (من أصل 945) المُدانين في قضايا مختلفة سينجون بفضل ذلك القانون قبل أن تُعاقبهم العدالة الإيطالية. (راجع ما كتبه كل من فالنتينا باسكالي، وبيتر غوميز وماركو ترافاغيلو في ذلك الملف).

فيما قلت لا أنتهي إلى نفي راديكالي ثوري لما هو متوافر لدى الدول الغربية من أنظمة وقوانين حقوقية. لكن ما أذهب إليه هو أن لا تُستهجن إجراءات الدول الأخرى في المجالات الحقوقية ما دامت تلك الإجراءات تحاكي ما ينبغي فعله حقا.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2535 - الجمعة 14 أغسطس 2009م الموافق 22 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:46 م

      أشكر لك كتاباتك الواقعية

      في الواقع أنا من متابعي مقالات الأخ محمد وأجد أنها مقالات موضوعية وواقعية وأرجو له دوام الموفقية.
      طبعاً لابد من وجود تخصص، فأنا لا أجد مشكلة في أن يتخصص الكاتب في الكتابة حول جمهورية إيران الإسلامية، ما المشكلة يا زائر (2)؟
      هل تريد كاتب زلابيا؟

    • زائر 3 | 9:46 ص

      ما هو المعنى

      صاحب التعليق الثاني هل مجرد الكتابة عن ايران تعتبر طائفية؟؟!! الربط غريب جدا . نستطيع أن نقول كل من يكتب عن اثنين وعشرين دولة عربية بانه تناول طائفي

    • زائر 2 | 5:37 ص

      إنت ماعندك سالفه !!!!!

      إنت ماعندك سالفه إلا إيران ؟؟؟ خاطري مره وحده تكتب عن البحرين و أن عن شيء غير طائفي.

    • زائر 1 | 2:03 ص

      نعم

      بارك الله فيك
      حقيقة الغرب تختفي وراء شعاراته

اقرأ ايضاً