العدد 2256 - السبت 08 نوفمبر 2008م الموافق 09 ذي القعدة 1429هـ

الرجل الذي تجرأ

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

كان هناك ثمانية منهم في ثمانينات القرن الماضي. ثمانية من الأطفال المعجزات أخذوا على عاتقهم مستقبل حزب العمل، وهم الأشخاص المناسبون لاتخاذ زمام القيادة بعد إسحق رابين وشمعون بيريز: يوسي بيلين، عامير بيريتز وحاييم رامون وهاغاي ميروم وأفراهام بيرغ ونواف مصالحة ونسيم زفيلي ويائيل ديان. قاموا ولسنوات عدة بفرض الأمور داخل حزب العمل بحسب آرائهم الشخصية.

إلا أنه لم يبقَ سوى اثنين من الثمانية، بعد أن أعلن بيلين تنحيه عن السياسة، هما رامون وبيريز. بحسب التقديرات، سوف يغادر رامون قريبا، الأمر الذي سيترك بيريز، وهو الذي أضاع فرصته، وحده كرمز لمستقبل حزب العمل، الذي ولّى وذهب.

كان هؤلاء الثمانية يجتمعون في غرفة صغيرة في فندق بتل أبيب مرة بالأسبوع. كانوا يتحدثون طوال الليل ويضعون أجندة ويخترقون الطريق. كانوا يفكرون ويحلمون ويؤمنون بأن التغيير ممكن. كانوا أول من يتكلم من حزب العمل عن دولة فلسطينية، ويتكلمون مع الفلسطينيين. كانوا أول من يحلم بفصل السياسة عن اتحاد عمال الهستدروت، وأول من يرفع لواء فصل الدين عن الدولة.

كان بيلين قد برز وقتها: سياسيّا ماكرا ذكيّا أتم دراسة الدكتوراه أثناء رحلات لا نهاية لها مع بيريز بين فروع حزب العمل المدَمَّر الذي فقد ثقته الذاتية بعد هزيمتين على أيدي مناحيم بيغن من الليكود.

نشأ بيلين إلى جانب شخصيات عظيمة، إلا أنه عندما كان يُعطى الفرصة لم يكن يضيعها. أطلق جناحيه وانطلق في طريق مستقل ومسار جديد من الشجاعة النادرة والصدق الفكري.

أثناء سنواته الطويلة في السياسة أحب الناس أن يكرهوه أكثر مما أحبوه. كان بيلين رجل الدولة يعرف كيف يضايق ويؤذي ويسبح ضد التيار. ضغط باتجاه الحوار مع الفلسطينيين وعمل على تحقيق اتفاقيات أوسلو، ونادى بانسحاب من طرف واحد من لبنان ولم يستسلم تجاه حلم السلام ولا للحظة واحدة.

عندما تم إخراجه من الكنيست استمر في جهوده لوضع الخطوط العريضة لاتفاقية الوضع النهائي مع الفلسطينيين وتغيير شخصية الدولة.

وهكذا ولدت مبادرة جنيف، كما حصل لعشرات الأفكار المتعلقة بمستقبل الدولة والشعب اليهودي.

أشار إليه إيهود باراك، الذي عينه وزيرا للعدل في حكومته في أكثر من مناسبة بأنه حالم. إلا أن بيلين لم يهتم. استمر في عمل ما يريد.

تعلُم المزيد من الحيل من بيريز

إلا أن يوسي بيلين كان كذلك سياسيّا تعلم بشكل متواصل وأصبح على معرفة ودراية بسياسة حزب العمل الدقيقة وقام بتطبيقها. علّمته سنواته الكثيرة إلى جانب بيريز أمرا أو اثنين حول الحيل والدسائس. عندما تنافس على زعامة ميرتس أحضر الحيل والمكائد من بيته السياسي السابق إلى الحزب اليساري الصغير وقام بتطبيق الكثير منها. لم يستسغ أعضاء ميرتس ذلك ولكنهم انتخبوه.

فشل بيلين. خسر ميرتس مقاعد في الكنيست تحت زعامته وضل طريقه. بتعابير سياسية أصبح الحزب غير ذي علاقة، كيانا فشل في الفوز بالشهرة والتميز أثناء فترة سياسية عاصفة. قام بدعم خطة فك الارتباط من مقاعد المعارضة، إلا أنه لم يحصل على أية نقاط من الجمهور بسبب ذلك، والأهم من ذلك أنه لم يفز بأية أصوات في الاستطلاعات.

واجه بيلين صعوبة في تشكيل صورة حزبه الصغير، كما واجه مشاكل في إعادة تعريفه في أعقاب الانفجار السياسي الكبير الذي أبرز حزب كاديما وسحب الوسط إليه. كما وجد صعوبة في استعادة أمجاد ميرتس تحت زعامة شالوميت ألوني، عندما وجد عشرات الآلاف من الشباب شيئا جديدا وشجاعا فيه. خلد ميرتس إلى النوم تحت زعامته وغرق في انحطاط وجودي.

على رغم ذلك كله لن يتذكر أحد بيلين على أنه سياسي صغير القيمة، أو كزعيم فاشل للحزب. ترك أثره السياسي من حيث الفكر السياسي في «إسرائيل». لقد تجرأ بيلين أكثر من أي سياسي إسرائيلي آخر. تجرأ على التفكير، وعندما سنحت له الفرصة تجرأ على العمل.

والآن، وقد تقاعد من السياسة، فقد نذكره سياسيّا فقد فرصته. ولكن أحدا لا يستطيع أخذه بعيدا عن حقيقة أن حتى إيهود أولمرت وتزيفي ليفني يتكلمون لغة بيلين اليوم. ويجب على هؤلاء الذين يعتقدون أن يوسي بيلين سوف يفقد الأمل بكفاحه الطويل من أجل السلام أن يفكروا مرة أخرى.

قد يكون بيلين يترك السياسة حقا، لكنه موجود هنا حتى يستمر في التأثير على مستقبل «إسرائيل».

* مراسلة ومحللة سياسية رئيسية في Ynet News، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2256 - السبت 08 نوفمبر 2008م الموافق 09 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً