العدد 1700 - الأربعاء 02 مايو 2007م الموافق 14 ربيع الثاني 1428هـ

إنها لعبة كبيرة تصعب السيطرة عليها

«القناص» يطارد شبكة من العصابات الرسمية

«Shooter» (القناص) الذي يعرض في سينما السيف فيلم سياسي مشغول بأسلوب مطاردة. وهذا ما أعطاه حيوية مرغوبة ومطلوبة من شريحة واسعة من المشاهدين.

يتحدث الشريط السينمائي عن الفساد المستشري في الولايات المتحدة الذي بلغ مرتبة عالية ومتقدمة إلى درجة لم يعد بالإمكان استئصاله.

إنها اللعبة يقول السناتور للقناص عندما اكتشف الأخير تورطه في صفقات نفط تديرها شركات في إفريقيا وأميركا اللاتينية. فالسناتور يعتبر الرشوة والتحايل على القانون واستخدام السلطة لتمرير مصلحة شركات أميركية مهمات تتجاوز أفكار العدالة والمساواة والحق. ولكون المسألة يصعب استئصالها، لماذا إذا نبذل الجهد وننفق الوقت لمحاربتها؟

الفساد لا يمكن قتله. هذه هي فكرة السناتور التي أسس عليها شبكة علاقات تجمع رجال شرطة ومخابرات وأجهزة أمن إلى جانب رجال أعمال وشركات ومؤسسات مالية وخبراء ورجال قانون. ووظيفة هذه الشبكة جمع معلومات عن مصادر ثروات الشعوب وترتيب علاقات داخلية وربطها بشركات أميركية تملك صلاحيات وقوة تدخل وتتمتع بغطاء قانوني وشرعي. هذه الوظيفة الاقتصادية تحتاج حتى تنجح إلى خدمات تقدمها وإغراءات توزعها إضافة إلى حماية أمنية من شركات خاصة تدرب عصابات على القتل والاغتيال والإرهاب والتخويف وغيرها من وسائل تهديد لكسب العقود وتوقيع الاتفاقات وأحيانا ارتكاب مجازر ومذابح ضد قرى أو مدنيين إذا اقتضى الأمر.

يبدأ الفيلم من مشهد في إثيوبيا إذ كلف «القناص» المحترف وصديقه تأمين طريق لقافلة عسكرية من احتمال تعرضها لهجمات عصابات محلية مسلحة. المشهد عادي وليس الأول من نوعه. فالقناص قام بهذه المهمة مرات بداعي الدفاع عن الوطن والشرف ومعاقبة الأعداء والاقتصاص من المجرمين والفاسدين.

إلا أن المشهد الإثيوبي يفتح ذهن «القناص» على رؤية ويبدأ بالتفكير بطريقة جديدة من دون أن يغير نظرته الوطنية الثابتة ودفاعه وتفانيه عن أميركا ومصالحها. يكتشف القناص أنه بعد أن أنهى مهمته بنجاح قُطع خط الاتصال اللاسلكي به من القيادة وتُرك وصديقه يتعرضان للمواجهة بقصد الخلاص منهما. يُقتل الصديق وينجو «القناص» من الحادث المفتعل ويعود إلى بلاده بعد أن احتج على الخطأ الفني وقدم استقالته من عمله وذهب للسكن بعيدا في المرتفعات مع كلبه. وبعد ثلاث سنوات على حادث إثيوبيا تتوجه إليه مجموعة من المباحث تطلب منه العودة إلى العمل بمهمة وطنية وسرية وهي محاولات اغتيال رئيس الولايات المتحدة.

المجموعة تطلب منه تقديم دراسة تقيّم هذا الاحتمال في أمكنة يريد الرئيس زيارتها خلال الفترة المقبلة. وحددت له المجموعة الأمكنة بواشنطن وفلادلفيا وبالتيمور وعينت السلاح الذي سيغتال به الرئيس وهو بندقية قنص تطلق من مسافة ميل. آنذاك كان «القناص» قرر الاعتزال وعدم التعاون نهائيا مع أجهزة ينخرها الفساد. إلا أن خطورة القضية أملت عليه إعادة النظر باستقالته وقرر التعاون لمرة واحدة في هذه المهمة الوطنية. وهكذا ترك «القناص» معتزله الجبلي ونزل للعمل مجددا في حقل خطير تحيط به الألغاز والأسرار من كل الجهات.

حوادث الشريط السينمائي حددت الفترة بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وبالتالي فإن الرئيس المقصود قتله جورج بوش وذلك حين يأتي لتدشين احتفال لجمع التبرعات والمال لدعم إثيوبيا وذلك في حضور راعي الكنيسة في أديس أبابا.

دراما الفيلم ربطت بين ذاك الحادث الذي وقع قبل ثلاث سنوات في إثيوبيا والاحتفال الذي يقام الآن في أميركا. و «القناص» الذي عايش لحظات قاسية كادت أن تودي به لو لم يواجه الموقف بشجاعة خلال نصب الكمين في إثيوبيا سيكون هو «العراب» الفني الذي يضع الخطط والتصورات والتصاميم التي تمنع القناص الآخر من اغتيال الرئيس. فأصحاب المهنة يفهمون على بعضهم وبما أن المخابرات رجحت اغتيال الرئيس ببندقية قناص من بعيد فلابد من يمارس المهنة نفسها أن يعرف كيف؟ ومن أين؟ ومتى؟

لم يكن «القناص» حتى الآن يدرك أنه سيكون الضحية وسيتعرض لكمين ومؤامرة تريد التخلص منه وتحميله مسئولية قتل الرئيس. فهو على سجيته ولا يعرف أن الفساد وصل في أميركا إلى هذا الحد. كذلك لم يكن يدرك أن الأجهزة أصبحت قوية إلى مستوى أنها تستطيع قتل رئيس واتهام آخر بمثل هذه السهولة وترتيب كل المعلومات والأدلة التي تؤكد أن الضحية هو المجرم.

وهذا ما حصل بالضبط. إلا أن المصادفة تلعب من جديد لمصلحة «القناص» وينجح في الهروب من الكمين على رغم إصابته برصاصتين. النجاح في الهرب أوقع المجموعة في مأزق فهي إذا لم تقتل «القناص» سيكشف الفضيحة أمام الرئيس الذي ينجو من المحاولة لأن الرصاصة أصابت راعي الكنيسة الإثيوبية ومنعته من كشف معلومات خطيرة أمام الرئيس عن أساليب الشركات الأميركية في بلاده. هكذا تبدأ المطاردة بين «قناص» ماهر متدرب صاحب خبرة وتجربة ويعرف كل التقنيات والوسائل وأيضا مجروح واكتشف الخدعة ومؤامرة قتل الرئيس وقتله واتهامه بأنه هو من ارتكب الجريمة. السيناريو نفسه حصل أيام كيندي، فهناك من ارتكب الجريمة ولفق التهمة لأوزويلد ثم كلف شرطيا بقتله ثم يقتل الشرطي لإخفاء معالم الخطوط.

سيناريو كيندي نجح إلا أن تكرار المحاولة مع «القناص» فشلت لتبدأ الملاحقة المثيرة التي تفضح كل خيوط اللعبة. فاللعبة مخيفة إلى درجة أن «القناص» يدرك أن مصيره القتل وخصوصا أن الشبكة قدمت معلومات كاذبة وبندقية سرقتها من منزله الريفي وكل الصور والوثائق والإثباتات التي تؤكد أنه هو المجرم المطلوب من العدالة.

إلا أن مجموعة مصادفات تحصل، منها أن أحد رجال المباحث يشكك بصحة الرواية البوليسية المفبركة ويأخذ بالتعاون مع صديقته في قسم المعلومات بتجميع المصادر وتوثيق الصور عن الأمكنة والأسلحة التي يمكن أن تستخدم. ويكتشف رجل المباحث «السر» من خلال سؤال بسيط وهو كيف يمكن أن يرتكب هذا «الخطأ» أمهر قناص في أميركا فيقتل رئيس أساقفة إثيوبيا بدلا من رئيس الولايات المتحدة؟ سؤال الشك هذا يدفع رجل المباحث إلى معرفة الحقيقة. ومعرفة الحقيقة تعني خوض مواجهة كبرى تبدأ بالشرطة والأمن والأجهزة والمخابرات والشركات والمؤسسات وصولا إلى القضاء ورجال القانون والكونغرس.

المعركة طويلة وفاشلة ومن الصعب النجاح فيها وإلا سقطت الكثير من الأقنعة وانفضحت أمور تهدد سمعة أميركا وأمنها القومي ومصالحها الخارجية. إنها لعبة مستمرة وهناك صعوبة في تطويقها، وكل ما يحصل من قتل وحروب وإبادة ومجازر كتلك التي وقعت في إثيوبيا محسوب ومدروس وخططت له الأجهزة والحكومات ويحصل برعاية وغطاء. وحتى تستمر اللعبة لابد من قتل الشهود، كذلك لابد من تصفية الجهات التي استخدمت لتنفيذ اللعبة حتى لا يقع خطأ ما وتنفضح كل الخطوط والخيوط. من يعرف كثيرا لابد من التخلص منه بعد استخدامه والانتهاء من وظيفته. وهذا ما حصل مع «القناص» ورفيقه في إثيوبيا فهما أنجزا المهمة ونجحا في منع المسلحين المحليين من ملاحقة قافلة أميركية ارتكبت مجزرة في قرية إثيوبية لتخويف السكان وإجبارهم على النزوح من كل القرى وذلك بهدف تسهيل مهمة مد خط نفط يمر في تلك المنطقة المنكوبة.

القافلة إذا لم تكن في مهمة إنسانية. والقناص قتل أبرياء حاولوا مطاردة القتلة. وبما ان المهمة انتهت انقطع الاتصال وطلب من طوافة عسكرية القضاء على «القناص» ورفيقه لإخفاء الشهود وقطع الطريق على انفضاح القصة. وبما ان رئيس الأساقفة الإثيوبي جاء إلى أميركا لفضح المجزرة التي ذهب ضحيتها 400 قروي اغتيل أمام الرئيس الأميركي لمنعه من كشف الحقيقة.

إنها لعبة قال السيناتور للقناص خلال المواجهة. فالمسألة كبيرة وخرجت عن السيطرة ولا تستطيع إقناع الناس بوجود شبكات سرية ومؤمرات وفساد ورشوة. فالناس لا تصدق ولا يمكن أن تقتنع بوجود مثل هؤلاء المسئولين في الدولة. فالدولة تستطيع أن تفعل ما تريده وأن تقول ما تريده ولا أحد يملك القدرة على محاسبتها.

إنها لعبة كبيرة يصعب قتلها بالبندقية. إلا أن «القناص» يقرر القتل والقضاء على تلك الشبكة التي تحاول التخلص منه لإخفاء جريمة واحدة وفضيحة واحدة. ويفعل الأمر ويقتل الشرطي وشبكته وأخيرا السيناتور الذي كان يخطط لمجزرة جديدة لمصلحة شركة مهمة تريد تهجير الناس في منطقة ما في الاكوادور.

العدد 1700 - الأربعاء 02 مايو 2007م الموافق 14 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً