العدد 1700 - الأربعاء 02 مايو 2007م الموافق 14 ربيع الثاني 1428هـ

باديس تبحث عن نظرية عربية خاصة

في الملتقى الثقافي الأهلي

في أمسية عقدت بالملتقى الثقافي وكانت محل تقدير من المختصين والأكاديميين، وقطيعة سوء فهم من المتلقي الذي لا يحمل عِدة أكاديمية تخصصية، قدم الشاعر البحريني علي خليفة، أستاذة اللسانيات بالجامعة التونسية نرجس باديس في محاضرة تحت عنوان «المشيرات المقامية بين النحو والتداولية».

خليفة بدأ مستعرضا طرح الإشكال الذي بادرت باديس بفرضه بشأن الموضوع محل النقاش، إذ اعتبرته تخصصيا وأكاديميا، يمكن أن يكون بعيدا عن المتلقي العادي. باديس، الحاصلة على الأستاذية والدكتوراة في اللغة العربية، هي أيضا باحثة في مجال اللسانيات، وعضو في فريق البحث اللساني في الجامعة التونسية، لها من البحوث «المشيرات المقامية في اللغة العربية»، و»الإحالة المقامية مقاربة إشكالية».

إعادة قراءة التراث، هي العبارة التي بدأت بها باديس محاضرتها، إذ تعتقد أن في كتب القدامى تراث معرفي لم يستغل كل الاستغلال. وحرصت في بحثها على مساوقة أمرين، الانكباب على دراسة التراث من جانب، ومسايرة النظريات اللسانية الحديثة من جانب آخر، وذلك كي لا تنقطع عن مجال البحث الحديث. وهي تعتقد انه يمكن من خلال النظريات الحديثة قراءة التراث النحوي بشكل أعمق، ومن تبين الخلفيات النظرية التي تسيّر هذا الوصف النحوي، وهي محاولة لاستكمال ملامح هذه النظرية، التي بقيت منقوصة مع النحاة بحسب تعبير باديس، لتتمكن بذلك من تحقيق الإضافة في هذا المجال. ذلك، كما تشير، يمكن أن يكون نظريتنا العربية الخاصة، فلا يقتصر دورنا على اللهاث وراء النظريات اللسانية الحديثة، ولا تقف مهمتنا عند استيعاب هذه النظريات، بل تمكننا المقارنة بين النظرية العربية القديمة والنظريات الحديثة من أن ننقد هذه النظريات ونضيف لها.

تأتي المحاضرة لتناقش جزءا من قضايا قديمة جديدة، تم التركيز عليها في المبحث اللغوي، تتعلق بعلاقة اللفظ بالمعنى، وعلاقة المعنى النحوي بالمعنى المجازي، والبحث في إشكال كان له الفضل في تطوير الدراسات اللسانية. وتقترح باديس إمكان فهم هذه القضية من خلال عدد من الأسئلة المطروحة، هي: كيف يتوصل المخاطب إلى إدراك المعنى المقصود «المعنى الضمني بالذات»، الذي لم يشمله التصريح به، المعنى النحوي في الجملة، أو دلالة الجملة الواضحة الظاهرة؟، وهل للبنية النحوية دور في خلق الدلالة المجازية؟، أم أنها بنية غير قادرة على تمثيل المقام؟، وهل أن تأثير المقام في تحديد الدلالة يهمش الخصائص النحوية؟ ويستوجب وصفا للغة لا يقوم على وصف البنية والنظام؟ باعتبار أن من أهم سمتي النظامية الانغلاق والاستقرار، ومن أهم سمتي المقام الانفتاح والتغير.

وتضيف باديس أن السنوات الأخيرة كانت سنوات التداولية والعرفانية، إذ نزعت الدراسات اللغوية الحديثة إلى العزوف عن الدراسات البنيوية، المعتنية بدراسة النظام اللغوي والبنية النحوية، وانكبت على دراسة اللغة المستعملة «أي الكلام». وهو وجه من وجوه اللغة قد ناله الإهمال كما تصف باديس، بعد أن أقر «فرناد» تمييزه بين اللسان والكلام، وتأكيده ضرورة عناية اللسانيات بالجانب النظامي النظري المشترك القابل لأن يوصف وصفا علميا، ويكون بذلك بعيدا عن مظاهر الذاتية والآنية، التي تمثل خصائص الكلام المنجز، والذي يصعب أو يستحيل حصرها.

فظهر الاتجاه التداولي ثورة على المدارس البنيوية، شعاره أن اللغة وسيلة تخاطب، وأن على الوصف اللغوي أن يوجه العناية إلى الانجاز والاستعمال، ويهتم بأسس التخاطب ومقوماته، وبتقصي المراحل التي يقطعها ذهن المخاطب ليبلغ المعنى المقصود، فظهرت نظريات في التلفظ وفي التخاطب تبرز دور المقام في تحديد المعنى المقصود، ودور العوامل الاجتماعية والنفسية وغيرها من المؤثرات خارج اللغوي، وذهب الكثير من التداوليين إلى التأكيد على عجز النحو، باعتباره دراسة بنيوية، عن تحديد المعنى المقامي والدلالة المقامية، إذ كثيرا ما فصلت الدراسات التداولية بين النظام اللغوي والمنجز من الكلام، واعتبرت أنها تفردت بتحليل الخطاب، تحليلا يقوم أساسا على العناية بأطرافه وبأطره الزمنية والمكانية، وبالمعاني الدلالية الحافة، التي بحسب أطروحتها تتجاوز البنية النحوية والتركيبية، وتتجاوز العلاقات الوظائفية إلى بنى استدلالية، وعلاقات إقتضائية واستلزامية، وأبعاد دلالية مقامية، تخرج عن حدود النحو الضيقة، إلى حدود أوسع وأرحب، هي طبعا حدود التداولية كما تقول باديس، وبذلك انتهى الأمر إلى التمييز في مجال الدراسات اللغوية بين النحوي والتداولي.

بعد المحاضرة انفتحت شهية الجمهور للنقاش، إذ كان غالبيتهم من الاكاديميين والمهتمين، اختلفوا إلى فرق شتى، منهم من ذهب في مسألة عدم الفهم للمحاضرة، والبعض منهم اعتبر مداخلات الجمهور ما هي إلا ضروب من سوء الفهم. في الوقت ذاته لم يخف هؤلاء نزوعهم لرأي انتقال مركزية الدراسات اللسانية من سورية ومصر إلى المغرب الكبير، إذ في حين وقف الشرق العربي على آراء الغزالي، كان ابن رشد وعقلانيته هي المرجع للفكر في الغرب العربي. بعض الحضور أعلن عن تخوفه بسبب نوعية الأسئلة المتوجسة من النظريات الغربية التي تحاول باديس تطبيقها على اللغة العربية، ومن جانب آخر اعتبرت باديس أن النظريات علمية، يمكنها أن تطبق على جميع اللغات على جهة أنها علمية.

العدد 1700 - الأربعاء 02 مايو 2007م الموافق 14 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:16 ص

      هراء

      ما كنت أخال باحثي البحرين وعلمائها على هذه الدرجة من السذاجة والفهاهة، حتى يقوقموا بدعوة نرجس باديس وهي ليست شيئا ولن تككونه، فضلا عن انصراف طلاّبها عنها.

اقرأ ايضاً