ما مقومات الخطاب النسوي الإسلامي وما بنيته المعرفية الأساسية؟ ما مدى معاصرته واستيعابه للمستجدات والمتغيرات العصرية؟ أين يقف من الثوابت والمتغيرات؟ كيف تنظر النخب المثقفة إلى العنصر النسوي وإلى خطابها الإسلامي؟ هل يرقى إلى الطموح ويبعث على التطوير نهجا ومضمونا وتعبيرا؟ أم أن تركة الماضي وثقل الذهنية القديمة ما برحت تفرض نفسها على الواجهة؟ ألم يحن الوقت بعد للتطوير من آليات التعبير وعدم الرتابة في الأسلوب والتكرار الممل في الطرح؟ هل الرهان على التغيير من الداخل أضحى في خبر كان، وما عليه آباؤنا هو الباقي لآخر الزمان، وما يجري من سجالاتٍ بهذا الشأن لا يعدو كونه زوبعة في فنجان؟ ألا يجدر بالمثقفات والمتنورات بالوعي الإسلامي الأصيل أن يبدأن بالتنظير لهذا المشروع الحضاري ويشتغلن بالتغيير من الداخل ويضعن لبنات البناء المحكم ويتركن عن أياديهن معاول الهدم والانتقاد؟
أسئلة وإشكالات تراوح بين مدٍ وجزرٍ على المسرح الفكري لدى الأمة في مشهدٍ متخم بالقضايا والإشكالات الشائكة بلحاظ أنها تتداخل مع الإرث العقيدي والتراثي، الأيام ستكون فيصلا أوحدا في حل هذه الإشكالات والإجابة عن تلك الأسئلة.
تتعدد المرتكزات التي يتقوّم بها الخطاب النسوي بتعدد المرجعيات الإسلامية وبثراء الساحة من التوجهات الأيديولوجية والاجتهادات الإنسانية المختلفة التي تصب في مصب واحد، وتلتقي مع شتى الأطياف والمشارب في نهر المجتمع الكبير، ترسيخا لمبدأ الحوار والالتقاء تحت سقف الشراكة والمسئولية تجاه المجتمع، وتتقوم على إثر ذلك مقومات تهيكل الخطاب النسوي وترسم ملامحه الخارجية عبر عدة أبعاد ومرتكزات تكمن في البعد الروحي، البعد النفسي، البعد القيمي، البعد الاجتماعي، والبعد السياسي.
وترتكز هذه المقومات على أسس بنيوية رصينة وأرضية صلبة قويمة تستمد عنفوان وجودها وزخم فاعليتها من ينابيع الإسلام ومضامينه السامقة الشامخة، التي تمده بأصالة التوجه وأصالة الهوية الحضارية، وتغرس بين رحابه قيم الخير والإرادة، وتجعل منه ذا سمة صلبة ومرونة فريدة وتجانس أعجب مع التقدم المعرفي والتكنولوجي، مهما خطت وتناهت في جديد تقدمها وتطورها التقني الهائل.
ألا يجدر أن نطرح سؤالا على عقلنا ونجيب عليه بكامل الشجاعة والوعي، هل هناك خطاب نسوي نستشعر وجوده ونلمس ثقله الاجتماعي بيننا؟ أليس هو من الضحالة والتغييب بحيث لا نلمس له وجودا فاعلا وأساسا غائرا في الجسد الاجتماعي؟ ثم لماذا نطالب بأن يكون الخطاب النسوي على مستوى من الرقي والارتقاء وله فاعليته الحقيقية على الأرض، وفي جانب آخر نضع أمام حركة المرأة عراقيل ومطبات سحيقة ثم نلومها على إخفاقها الكثير وإهدارها الفادح الكبير؟ أليس ذلك من المفارقات الواضحات في تعاطينا المجحف والانتقائي مع نصف أفراد الأمة والمدرسة العظيمة للأجيال؟!
مع كل تحفظنا على بعض أبجديات الخطاب النسوي أو تقاطعنا حتى في عصر نحن فيه دون أي عصر آخر، كي نقف سدا منيعا كلٌ بحذاء الآخر في خندق التوعية والتثقيف وبناء الكيان المجتمعي الإسلامي، على دراية وفهم موضوعي دقيق نظرا إلى استحقاقات الواقع الميداني وما يخيم على أرجائه من تجاذبات تظهر إرهاصتها شيئا بعد شيء على السطح من قبل أيديولوجيات راديكالية (جدلية)، مع كل ذلك نرى أن للمرأة أن تطور من مضامين خطابها تساوقا مع دينامكية التطور الحضاري الذي يعني فيما يعنيه الحياة والفاعلية التي يضج بها الجسد الاجتماعي، والأخير سنة كونية وحتمية تاريخية لا يختلف عليها عاقلان من البشر، وهو يقع في نطاق المتغيرات وليس الثوابت، فندعو المرأة بما تحمله من ذخيرة ثقافية وعتاد معرفي فكري ضخم إلى أن تكرس هذا المخزون الهائل فيما ينفع ويفيد أمتها ويرفع من درجات وعيها الإنساني، عبر ضخ الدماء الجديدة في نهر المجتمع الإسلامي، والعمل على خلق الأرضية الصالحة للتأصيل من المفاهيم الصحيحة في الكادر النسوي من لدن مثقفاتنا الرساليات اللائي يحملن هذا الهم العظيم ويجتهدن في الإصلاح والتغيير.
نحترم كل مسعى مخلص لتحديث وتفعيل الخطاب النسوي في أروقة المآتم النسوية عبر تطوير أساليب التعبير وجعلها متفاعلة مع هم الإنسان، ملامسة لنبض الشارع، متحسِّسة همومه وشجونه من خلال تجسيد مبادئ كربلاء ونشر تعاليمها الرفيعة على الجماهير، سواء كان في محاضرة توعوية أو ندوة فكرية تلهج بعنفوان الحياة، وتزخر بالروح المتحركة مع حركة الجسد، كأظهر المصاديق على التناغم والتماثل العظيم بين الأطراف، الذي يؤشر على مدى الحراك الثقافي والإنساني الذي يعتمل بين حنايا الأمة ويرصد واقعها الحضاري.
نحن لا نطالب بالتغيير الغوغائي الذي يربك حركتنا التغيرية. نحن نطالب بالتغيير المدروس الذي يتسق مع حركة الوعي والعقلائية. نطالب بالتطوير المعقلن والمقنن المعبر عن عمق معاصرتنا لهموم وهواجس الشارع. نعم، لنطور من أساليب تعبيرنا في مواسمنا الدينية من خلال المحاضرة، الندوة، المسرحية، العمل الدرامي والسينمائي أو أي تعبير لا يخرج عن معايير هذا المضمون ويعزز منه كفكر إنساني رفيع، ويخدم حركة الفن والإبداع نحو فضاء أوسع، وجمالية فن على مستوى من الرقي والتقدم.
من المفارقة الكبيرة أن الذين لا رابط لهم بكربلاء ولا بالحسين غير الرابط الإنساني يفعلون ويقتدون بحسيننا وزينبنا في قضاياهم المصيرية ويحذون حذوهم في استرداد حقوقهم وعزة أمتهم ويجعلون شخوص كربلاء شاخصة أمام أبصارهم، ومثالا يحتدي في تحرير أوطانهم من نير الاستبداد على مستوياته وأشكاله كافة مثل (غاندي) و(هوشي منه) وغيرهما الكثير، ونحن في المقابل وبفارق شاسع نفعُّل حسيننا وزينبنا في نطاق ضيق، بل نذهب أبعد من ذلك ونحكرهما في أمور جزئية لا تمت لأهداف الثورة المباركة بأية صلة (النذور)، ونستغرق استغراق أهل الكهف في كهفهم في أمور هامشية وقضايا جانبية تبعدنا في أحايين ليست بالقليلة عن روح الحسين وروح زينب، ونغفل قاصدين أو ساهين عن الهامش الكبير الذي خلقته ثورة كربلاء وسطرته هاتيك الدماء التي كتبت بأنامل الجراحات وأصداء الهتافات ملحمة لكل العصور وكل الأجيال، تستنهض فينا الهمم، وتزرع بين جنبات قلوبنا معنى القيم، فهلا قرأنا خطابنا من جديد وارتقينا به في فضاءٍ أوسع وأشمل من دون أن نحكره في إطار أو زاوية تستنفد منا القدرات وتهدر فينا الطاقات؟!
ميثم علي مسعود
العدد 1708 - الخميس 10 مايو 2007م الموافق 22 ربيع الثاني 1428هـ