العدد 1710 - السبت 12 مايو 2007م الموافق 24 ربيع الثاني 1428هـ

ساركوزي... من سياسة فرنسا «العربية» إلى «الإسرائيلية»

ليس لكونه ينحدر من أصول يهودية فحسب، وإنما لقناعاته الفكرية، وتوجهاته السياسية، تتخوف الكثير من الدوائر السياسية العربية عموما، والفلسطينية خصوصا، ناهيك عن الفرنسيين من ذوي الأصول العربية، من صعود «نيوكولا ساركوزي» إلى سدة الحكم في فرنسا.

فساركوزى الذي تربى على تعاليم الدين اليهودي - قبل أن يعمد كاثوليكيا - والانتصار لليهود، خصوصا وقد عايشت والدته (أندريه ملاح ابنة طبيب يهودي من سالونيكيا اليونانية) ويلات الحرب العالمية الثانية، لا يخفي منذ فترة انحيازه لـ «إسرائيل» ومناصرته لها.

وظهر ذلك جليا في تصويت يهود فرنسا له، واحتفال رئيس وزراء «إسرائيل» «أولمرت» وزعيم حزب الليكود «نيتانياهو» بفوزه. ناهيك عن تأكيده في أحد خطاباته بأنه لن يتساهل مع كل ما يمس حق «إسرائيل» في الأمن، ما يعني أن «إسرائيل» بصعود «ساركوزى» كسبت صديقا جديدا لها، لن يتوانى في اتخاذ مواقفها نفسها، والدفاع عن وجهات النظر الإسرائيلية، على صعيد مختلف القضايا الإقليمية بالشرق الأوسط، وليس المشهد الفلسطيني/ الإسرائيلي وحده.

مشهدان وتوجهان متباينان

وإذا كانت التجربة أثبتت أن التصريحات التي يتم الإعلان عنها، وتداولها أثناء الحملة الانتخابية، لا تأخذ طريقها بالضرورة نحو التنفيذ، عندما يصبح المترشح للرئاسة رئيسا منتخبا، لأن الواقع والمصالح المتغيرة وتداعيات الموقف الدولي تلعب دورا رئيسيا في رسم السياسات الخارجية، إلا أن ما يهمنا في هذا السياق الإشارة إلى أن ما يمكن أن تنطوي عليه مواقف ساركوزي في الشرق الأوسط، وتحديدا الملف الفلسطيني/ الإسرائيلي، لم يعبر عنها الرجل فقط أثناء حملته الانتخابية، بل تم التعبير عنها طوال شغله لمناصب وزارية وقيادية في بلاده، ما يعني أنها لم تكن حاجة انتخابية، بقدر ما كانت تمثل جزءا من بنية الرجل العقائدية، وتوجهاته السياسية، واستمرت معه أثناء الحملة الانتخابية، ليس فقط لجلب المزيد من أصوات الناخبين اليهود والمؤيدين لـ «إسرائيل» (الذين صوتوا له فعلا) بقدر ما كانت تمثل نوعا من «الانتماء» الواقعي لوجهة نظر لا تختلف كثيرا عن تلك التي يتبناها عتاة القادة الإسرائيليين، وخصوصا من اليمين واليمين المتطرف.

والشاهد أن إصدار «إسرائيل» لطابع بريدي يحمل صورة ساركوزي، قبل فترة وجيزة من انتخابه رئيسا فعليا، ما هو إلا تعبير عن شكل العلاقة التي تريدها «إسرائيل» معه، ليس فقط باعتباره مساندا لمواقفها بل إنهم يريدونه وكأنه ينتمي إلى الدولة العبرية. ويعبر عن ذلك أصدقاء الرجل المقربون، الذين هم في الغالب من الإسرائيليين، وليس اليهود فقط.

ويمكن النظر إلى الدور الذي يضطلع به بعض هؤلاء مثل النائب في الجمعية الوطنية الفرنسية، ورئيس جمعية الصداقة مع «إسرائيل»، وعضو لجنة الشئون الخارجية، ورئيس مجموعة دراسات التسلح بالجمعية الوطنية الفرنسية، بيير ليلوش والذي يقوم حاليا بدور مهم بين وزارة الدفاع الفرنسية و «إسرائيل». كذلك «بارنو كلارسيفلد» الذي تربطه بساركوزى علاقة قوية، وهو يحمل الجنسية الإسرائيلية إلى جانب الجنسية الفرنسية، وكان قد خدم عاما كاملا في سلاح حرس الحدود الإسرائيلي، ويعد أحد أهم قادة «منظمة الدفاع اليهودية»، وهي المنظمة التي تعمل الآن بحرية مطلقة في فرنسا، على رغم حظرها في الولايات المتحدة، إذ لعب وزير الداخلية السابق - ساركوزى - دورا مهما في عدم حظر هذه المنظمة الإرهابية.

ومن هنا يجوز القول إن السياسة الفرنسية التي ظلت على مدار الثلاثين عاما الماضية عنصر توازن ضروري بين ضفتي الأطلسي، وقدمت نفسها كندٍ للولايات المتحدة، والحامي للهوية الأوروبية - وصفها وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد بـ «أوروبا القديمة» - لن تكون بالقوة ذاتها التي اتسمت بها في عهد الرئيس شيراك.

وثمة مشهدان يختصران ما يمكن قوله في هذا الإطار، عن مدى الاختلاف المتوقع بين سياستين ومنهجين، بل وبين انتماءين! المشهد الأول كان في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 1996، إذ صرخ الرئيسي الفرنسي جاك شيراك، في وجه رئيس الشرطة الإسرائيلي في مدينة القدس المحتلة، بالإنجليزية محتجا على التدابير والإجراءات التي اتخذتها الشرطة الإسرائيلية لإفشال زيارة الرئيس الفرنسي لمناطق السلطة الفلسطينية، قائلا: «ماذا تريد؟... أتريدني أن أعود إلى طائرتي؟ أن أعود إلى فرنسا؟». أما المشهد الثاني فكان في العام 2003، عندما قام ساركوزي؛ وزير الداخلية في ذلك الوقت بزيارة لـ «إسرائيل»، مفتخرا بأن فرنسا أكثر دولة تشهد محاكمات للساسة والمثقفين بتهمة العداء للسامية.

العرب ومصالح فرنسا

ويقول قائل، إن السياسة والمصالح العليا لدولة ديمقراطية عظمى بحجم فرنسا ومكانتها، تقررها وتصنعها مؤسسات، كذلك هناك دائما ضوابط ونواظم وعوامل موضوعية مرتبطة بتاريخ هذا البلد، تؤثر على سياسات القيادات... على رغم وجاهة هذا القول، إنه لا ينفي في الوقت ذاته حقيقة أن السياسة الخارجية لفرنسا، تتأثر حتما بهوية ساكن «الإليزيه»، خصوصا إذا كانت له شخصيته وطموحه، كالساكن الجديد الذي لاتزال لمواقفه أصداء تتردد في شوارع باريس بل وعواصم المنطقة برمتها، ناهيك عن أن السياسة الخارجية لفرنسا يرسمها تحديدا رئيس الجمهورية، بخلاف السياسة الداخلية التي تخضع لاجتهادات الوزراء، ورقابة ومحاسبة الجمعية الوطنية.

ما يمكن قوله إذا، إنه في عهد «شيراك» كان هناك ما يسمى بـ «سياسة فرنسا العربية» للتعبير عن مواقف الرئاسة الفرنسية، إزاء مجمل القضايا العربية، وفلسطين والعراق تحديدا. وعلى رغم أن هذه السياسة شهدت تراجعا في السنوات الأخيرة، فإن ذلك يعود بالأساس إلى تقارب رسمي عربي مع واشنطن، جعل سياسة فرنسا العربية تميل إلى الفتور. أما الآن فإن «سياسة فرنسا الإسرائيلية» تشهد متغيرا حقيقيا، يطال المنطقة العربية في الصميم.

العدد 1710 - السبت 12 مايو 2007م الموافق 24 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً