العدد 1734 - الثلثاء 05 يونيو 2007م الموافق 19 جمادى الأولى 1428هـ

فشوت البحرين... المسئولية البيئية الوطنية والاختبار الصعب

خولة المهندي comments [at] alwasatnews.com

رئيسة جمعية اصدقاء البيئة

تحظى البيئة البحرية بمملكة البحرين بتنوع جميل في موائلها الطبيعية وبالتالي في كائناتها الحية الحيوانية والنباتية وتضاريسها البحرية. تميزت مملكة البحرين بجزرها الكثيرة والتي تراوحت بين الجزر الكبيرة والصغيرة وبين الجزر المأهولة بالبشر والمأهولة بالطيور والثدييات البرية. أكبر الجزر المأهولة بالبشر جزيرة البحرين الأم أو (المنامة) ثم المحرق ثم سترة تليها النبيه صالح (وإن لم يعد واقعها يؤهلها لاسم جزيرة).

أجمل جزر البحرين هي جزر حوار بثرائها الفطري بحرا وبرا وبحارها التي تضج بالحياة مذكرة بالحال الماضي لجميع جزر البحرين، وجزرها البديعة التي تأوي أنواعا من الطيور المقيمة والمهاجرة التي تعشش فيها وتنطلق منها حياة أجيال من الطيور المهمة عالميا.

تتراوح مساحات جزر البحرين بين أكبرها بطول 20 ميلا وعرض 10 أميال إلى أصغرها التي تغطي المياه أجزاء منها في أوقات كثيرة، وأثبتت البحرين علميا أمام محكمة العدل الدولية أنها «جزيرة: قطعة جرادة» ومثلها عدد من الجزر الصغيرة كجزيرة جنان البديعة من جزر حوار.

كثير من هذه الجزر (التي هي في الأصل ليست 44 جزيرة «مثل كائن أم 44 البديع» كما علمونا بالمدارس بل أكثر من ذلك بكثير) من الممكن استثمارها اقتصاديا وفق مبادئ التنمية المستدامة في مشروعات للسياحة البيئية المستدامة مدروسة ومحسوبة وآخذة في الحسبان الاعتبارات والأعراف الدولية والاشتراطات والمحاذير والتوصيات البيئية. مما ذكره نائب رئيس جمعية أصدقاء البيئة الإعلامي البحريني الأشهر حسن كمال أنه كان يذهب للصيد في أي جزيرة من جزر البحرين يصل لها قاربه ويبدأ حفرة كبيرة على الساحل ويبدأ في رمي سنارته (ميداره) إلى البحر من الساحل لتمتلئ الحفرة في وقت قصير بالصيد الوفير من الأسماك الكبيرة التي تعلق في السنارة سريعا لكثرتها. أما الصيد في الفشوت، فقد كانت أصابع حسن كمال (وأصدقاؤه من ذلك الرعيل المحب للبحر الحريص على التواصل معه) تتقطع وهو يسحب «السبيطية» واحدا تلو الآخر بمجرد أن تصل سنارته إلى البحر المحيط بالفشت.ومن يعرف عن الغوص يعلم أن الفشوت كانت ملاذ سفن الغوص أيام العواصف الهوجاء حين يقرر حتى أكثر النواخذة «خبرة ومراسا» أن على الرحلة أن تتوقف قليلا وتستظل بالفشت، ويتزود البحارة بالماء العذب من «الكواكب»، والفشوت هي المكان الوحيد الذي حين ترسو عندها سفن الغوص يعلم «السيب» و»الغيص» أنهم سيتناولون وجبة غداء لأول مرة من بداية موسم الغوص وربما لآخر مرة؛ فحياة الغوص ليس بها سوى فطور من التمر وعشاء عندما يأمر النوخذة «بالنشاب» مؤذنا بنهاية يوم طويل من الكدح وراء اللؤلؤ... وحده الفشت عند العواصف ما يذكر بالغداء... تميزت مملكة البحرين بفشوتها الكثيرة والمهمة والتي تنوعت في حجمها ونسبة المرجان المنتعش بها وموقعها وتياراتها وأسماء موائلها المختلفة واستخدامات الصيادين لها كموقع للصيد أو كرافد للبحر بكائناته. ومن أشهر فشوت البحرين «فشت العظم» الذي تشكل لحمايته أول اتحاد بيئي في البحرين للدفاع عن موئل مهدد، بإدارة بيئية قوية منظمة ومتقدمة من جمعية أصدقاء البيئة ومبادرة نوعية وانفتاح يحسب لنقابة الصيادين وتحرك سريع ومميز على الساحة للجمعية البحرينية للهوايات البحرية وتأييد من صف طويل من الهيئات والأفراد والإعلاميين والسياسيين والتفات إقليمي نجحت «أصدقاء البيئة» بانتشارها واتصالاتها ومشاركاتها في المؤتمرات والندوات في تحقيقه. ذلك العمل الأهلي المنظم الذي شهدته البحرين لأول مرة جعل اسم فشت العظم معروفا لدى السياسيين والإعلاميين والمخططين والمنفذين وطلاب المدارس والجامعات والمجالس الاجتماعية والدينية والرياضية في البحرين، وكل ذلك أسهم في حماية فشت العظم من مشروعات وتهديدات كبيرة في الماضي.

فشت الجارم أكبر فشوت البحرين على الإطلاق تم التطرق مرات عدة له من خلال عمل التكتل على الأخص خلال «الحملة الوطنية لحماية السلاحف البحرية» التي أطلقها التكتل في سبتمبر/ أيلول 2005 تفاعلا مع «سلحلفاة قلالي» التي عثر عليها أصدقاء البيئة في وضع مؤسف جدا وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة ببلاغ من أحد المواطنين المهتمين.

كانت معظم الرحلات الاستطلاعية للتكتل في قوارب الصيادين والهوايات البحرية والإدارة العامة لحماية الثروة البحرية موجهة باتجاه فشت الجارم حيث مصائد الروبيان المشهورة وحيث يكثر وجود السلاحف البحرية.

تفاعلا مع الحوادث الأخيرة والأحاديث المتناقضة بشأن فشت الجارم (الذي ربما بيع جزء منه أو كله أو لاشيء منه)، فقد كان موقف التكتل محددا من خلال بيانه وخطابه الموجه إلى رئيس مجلس النواب في طلب للمجلس الوطني بسحب الأسئلة التي تقدم بها بعض النواب، وبدلا من ذلك تشكيل لجنة تحقيق برلمانية بتبني مقترح بصورة مستعجلة بتشكيل لجنة تحقيق خاصة لبحث أوضاع جميع الفشوت في المياه الإقليمية لمملكة البحرين، على أن تتبنى لجنة التحقيق طلب جميع المعلومات والمستندات الخاصة بهذه الفشوت من جميع الوزارات والجهات الرسمية المعنية، وتتولى كذلك الاتصال بكل مقدمي المشروعات لاستثمار الفشوت لمعرفة خلفية المشروعات التي قدمت وما جرى بشأنها. وتتولى كذلك الاتصال بمؤسسات المجتمع المدني وتحديدا المعنية بالقضايا البيئية وعلى رأسها «التكتل البيئي» لاستطلاع رأيها والاستعانة بها للتحقيق والمقارنة للمعلومات التي ستتوافر للجنة التحقيق، ووضع تصور مستقبلي لكيفية الحفاظ على الفشوت وتنميتها بيئيا وفق مبادئ التنمية المستدامة. كما تتولى اللجنة إعداد قائمة بالمؤسسات والأفراد المسئولين عن تغيير شكل وملامح وحدود هذه الفشوت بما يؤثر على ثرائها الطبيعي وتنوعها الحيوي وتحويل المسئولين للنيابة والقضاء لتحديد المسئولية القانونية.

والمطلب الآخر كان للسادة النواب بتبني قانون إعلان فشت العظم وفشت الجارم وساحل امهزة وخور فشت.

كمحمية طبيعية والذي تم إعداده في الدورة السابقة ورفعه للحكومة التي أقرته وأعادته في صورة مشروع قانون، وكان لمجموعة «الراصدون» التي وزعت بيان التكتل ورسالته للمجلس الوطني وأعلنت تبنيها للاثنين ومراقبتها لما يجري بشأنه الدور الفاعل في ذلك.

مجموعة «الراصدون» التي أعلنت باسم مجموعة من المواطنين، ممن يشغلهم الشأن العام من منظور وطني تقدمي، يرتكز على تبني مفهوم الدولة المدنية، ذات النظام الدستوري؛ المؤكدة لأسس المواطنة الكاملة، الداعية لدولة المؤسسات وسيادة القانون؛ الداعمة لصون الحقوق والحريات الدستورية العامة منها والشخصية الساعية إلى نشر ثقافة ديمقراطية معاصرة، بما تتضمنه من مبادئ حق الاختلاف والمغايرة من دون وجل وخوف أو مجاملة؛ من قوى التسلط والهيمنة من أُحاديي النظرة المكبلة لإعمال العقل والتفكير المنفتح على الأفكار الإنسانية من دون شروط أو قيود مسبقة لمصادر المعرفة؛ ومن دعاة الأصولية والموقف في العمل السياسي والدعوة الدينية والنشاط الخيري.

الأنظار، جميع الأنظار إذا معلقة على المجلس الوطني وإن كان سينجح في هذا الاختبار الصعب. كلنا نتمنى له النجاح لأن نجاحه ليس فقط نجاح إرادتنا الشعبية ولكنه نجاح للعمل البيئي في البحرين، فمن المهم أن ينظم المجلس الوطني عمله ويركز جهوده باتجاه إنقاذ ما يمكن إنقاذه (بيئيا) للقيام بمسئوليته الكبرى تجاه إرث الأجيال.

إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"

العدد 1734 - الثلثاء 05 يونيو 2007م الموافق 19 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً