العدد 1735 - الأربعاء 06 يونيو 2007م الموافق 20 جمادى الأولى 1428هـ

الدكتاتورية المُستنيرة

لم تظهر الدكتاتورية المستنيرة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر على يد الألمان إلا لتكون صورة من صور الارتباط الفاسد بين «المثقف» و «الدولة». ويصف الفرنسي جان توشار في كتابه «تاريخ الأفكار السياسية» وظيفةَ المثقف المشتغل في تبرير هذا النوع من الدكتاتورية بذلك الذي يسعى إلى أن يجعل فعل/ ظلم/ هراء/ غطرسة الدولة ونظامها الدكتاتوري من صميم «العقلانية المطلقة».

بحرينيا، رصدت الحال الثقافية الكثير من النماذج الحية لمثقفين كانوا ولايزالون أفضل من يدفع في اتجاه تبرير شتى خيارات «الدولة» والدفاع عنها والخوض في غمرات مقامرات خطابية لا تحمل في مضامينها إلا توظيف المزيد من «الأفكار» المحمّلة والمشبعة بالدفاع عن الخطيئة والخطاب «الأبوي» و «الرعوي» والانسياق في ركب «الدولة» أينما حلت شواطئه.

لابد أن نقر بأن ثمة تزاحما بين بعض الأسماء البحرينية على اللحاق بصفة «مثقف السلطة» ومُنظِّرها. هذا التسابق أفضى فيما أفضى هراؤه إلى كسر «الثقة» بين الإنسان البحريني وطبقة المثقفين. فلم يعد من الغريب أن يُتَّهَم «المثقفون» و «الكتّاب» بالتزلف للسلطة حتى حين تكون مقارباتهم متصفة بالنَفَس المعارض. ولابد في هذا السياق لهذه النخبة «المشكوك» فيها أن تحاول إعادة اعتبارها أمام هذا التشكيك «المبرر».

الأكاديمي البحريني إبراهيم غلوم أوضح في مناسبات عدة تحفظه عن الكثير من النماذج والتجارب الثقافية التي رست سفائنها في داخل أمراض المجتمع، فنتج لدينا المثقف «الطائفي» ونقيضه المثقف «المسكون» بالتهمة، الذي صيّر اشتغاله بتوجيه «مكشوف» بات يحميه من أن يمارس دوره مثقفا في معزل عما يفرضه «الاجتماعي» عليه.

سلسلة الأمراض التي تعصف بجسد الثقافة في البحرين لم تعد مجرد حال مؤقتة ترتهن بمجريات ما يحمله «السياسي» لنا كل يوم، بل هو أشبه ما يكون بالمرض المؤسساتي، سواءٌ على صعيد المؤسسة «الفرد» المنتج أو على صعيد المؤسسة بصفتها كياناتٍ ثقافية تحتاج فيما تحتاج إلى تخريب قاسٍ لا رحمة فيه ولا شفقة.

العدد 1735 - الأربعاء 06 يونيو 2007م الموافق 20 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً