العدد 2260 - الأربعاء 12 نوفمبر 2008م الموافق 13 ذي القعدة 1429هـ

أُوْبَامَا المِسْكِيْن

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مسكين باراك أوباما. هو اليوم أشبه بمن يرثُ عن أبيه دَيْنا ثقيلا والكل يُطالبه بالسّداد. الأفغان طالبوه بوقف قتل المدنيين. الفلسطينيون دعوه لوقف الانحياز إلى جانب الكيان الصهيوني. بينما الروس اختاروا رسالتهم بطريقتهم عبر نشر صورايخ مضادة للدرع الصاروخي. وقبل ذلك كلّه أمّل عليه الأميركيون للوصول إلى منجى من هذا الخراب المالي.

مسئول الملف الشرق أوسطي في عهد الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون السفير المُتصيهن مارتن أنديك، نصح أوباما بالآتي: «لديك فتح صفحة جديدة مع العالم العربي والشرق الأوسط تعيد ترسيخ التفاهم وتعطينا فرصة كنا خسرناها مع بوش».

وفي الداخل الأميركي يتكرّر عليه السؤال ذاته: متى سيزول العجز الهائل في الموازنة؟. ومتى سيحصل عشرة ملايين ونصف المليون أميركي على وظائف؟ ثلاثة ملايين منهم فقدوا وظائفهم في بحر عام فقط. ومليون ورابع فقدوها في أقلّ من ثلاثة أشهر.

أوباما قد يكون متفائلا أكثر من اللازم. هو قال لأنصاره في حديقة غرانت بارك الضخمة بشيكاغو بُعيد فوزه في الانتخابات: «إذا كان هناك من لايزال يشكك في أن كل شيء ممكن في أميركا، أو يتساءل إذا كان حلم آبائنا المؤسسين مازال حيا أو يشكك في قوة ديمقراطيتنا، فهذا المساء جاءت الإجابة». ربما كان ذلك الاندفاع نابعا من وهج الانتصار.

المشهد الأميركي يبدو في علاقة ارتباطية عكسية. فالفوز الذي حقّقه أوباما كرجل أسود (أو خلاسي) لا يتناسب مع الظروف التي سيعمل بداخلها. إنها تجربة ديمقراطية جديدة يريد لها الجميع أن تُعمّد الديمقراطية الأميركية. لكن عروش واشنطن التي هدّها جورج بوش الابن بسياساته اليمينية تحتاج إلى معجزة لكي تنهض أو تُستنهض من جديد.

اليوم باراك أوباما يواجه تحديا فولاذيا. عليه أن يجتاز التحدي الحزبي للديمقراطيين الذين يعودون إلى السلطة التنفيذية بعد غياب دام ثمانية أعوام، ليُثبتوا أنهم أفضل من الجمهوريين. وعليه أن يجتاز التحدي اللوني للسود ليُثبت لهم أنهم لم يتمثّلوا بأسوأ من فيهم، بل بأفضلهم. وعليه أن يُثبت للأميركيين جميعهم أن خيارهم الانتخابي كان صحيحا، وأنه بيدق شطرنجي مُوفّق.

اليوم وبعد أن أنفق أوباما على حملته الانتخابية 454 مليون دولار، وشاركت في معركته الرئاسية أكبر شريحة من الأميركيين لم تشهدها الولايات المتحدة منذ العام 1908 وفيها أحرز نصره التاريخي المُؤزّر، عليه أن يخطو بعكس الاتجاه الذي سار عليه سلفه الجمهوري سواء في الداخل أو الخارج.

عليه أن يُدرك أن شعوبا ودولا في الشرق والغرب، وعلى رغم الإيلام الذي أوقعه الرئيس الثالث والأربعون للولايات المتحدة بهم لم يمنعهم من العض على الجراح ليبتهجوا بانتصاره وليس على فوزه فقط، ويُرسلوا له التحية من جنوب غرب القارة العجوز وحتى تخوم إفريقيا.

إن هذه الشعوب لا تريد أكثر من رئيس أميركي يحترم خياراتها ولا يتمشيخ عليها باسم نشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب. إنها شعوب لا تريد إلاّ مزيدا من الإنصاف في التسويات السياسية والمنظمات الدولية والكف عن استخدام البارود وإشعال الحرائق.

إن هذه الشعوب لم تسخر منه كما سخر من نحافة ساقيه وكتفيه منافسه الجمهوري جون ماكين، أو السخرية من لونه الأسمر كما تفوّه بذلك رئيس الوزراء الإيطالي سيليفيو برلسكوني بطريقة ضيّعت الذوق الإنساني.

بالتأكيد لن يكون أوباما غير رئيس للولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي لا يمكن وبأي حال من الأحوال مطالبته بأكثر من كونه رئيسا أميركيا. لكن ذلك لا يمنع من مطالبته بأن يكون أكثر إدراكا وتفهما للقضايا الدولية من سابقه المعتوه.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2260 - الأربعاء 12 نوفمبر 2008م الموافق 13 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً