العدد 2260 - الأربعاء 12 نوفمبر 2008م الموافق 13 ذي القعدة 1429هـ

التاريخ يصحح نفسه: أوباما رئيسا للولايات المتحدة! (2)

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

إن كان وصول السيناتور باراك حسين أوباما إلى سدة الرئاسة الأميركية بعد سباق انتخابي حامي الوطيس وأسطوري في تجلياته التي توجت نهايته بأغلبية كاسحة، ظل بمثابة علامة تاريخية مضيئة في التاريخ الأميركي بأكمله لكونه قد قهر جدار العنصرية حينما تمكن أول مواطن أميركي من أصل إفريقي من الوصول إلى أعلى منصب إداري وتنفيذي أميركي، وربما إلى رئاسة العالم، إلا أن لتلك الأهمية والسبق التاريخي المذهل أبعادا أخرى متعددة قد تزيد من أهميتها على عقود عديدة قد مضت بما فيها حجم الملفات والقضايا والأزمات الكبرى التي من المؤمل أن يواجهها أوباما منذ يومه الرئاسي الأول في مكتبه البيضاوي بالبيت الأبيض.

ولعله من المناسب أن نشير استهلالا إلى ما كتبه أحد المترشحين إلى وزارة الخارجية، حتى ساعة كتابة هذا المقال، وهو بالمناسبة السفير الأميركي السابق في الأمم المتحدة ريتشارد هولبروك، وذلك في العدد الأخير من مجلة «فورين أفيرز» الأميركية قبل أن تظهر نتيجة الانتخابات الأميركية في حينها، ولفت نظري عنوان المقال وهو «الرئيس القادم: قيادة أجندة مثبطة» ومن ثم من تلك العبارة المرتعشة «سيرث الرئيس الأميركي القادم أصعب حزمة من التحديات الدولية التي لم يواجه مثلها قط أي رئيس أميركي منذ الحرب العالمية الثانية».

ويبدأ هولبروك مقاله بالإشارة إلى أن ما ينتظر من الرئيس الأميركي المقبل هو أن تكون لديه «رؤية متماسكة حول الدور الأميركي في العالم لا بد من أن تستند على مصالح قومية ثابتة، وعلى قيم وتقييم موضوعي لقدراتها وأولوياتها» كما أن هنالك حاجة لـ «تحديد مفهوم واسع للمصالح القومية للولايات المتحدة الأميركية، ففي حين تم التركيز في الحقبة البوشية على «الحرب العالمية ضد الإرهاب» وهو مفهوم أثبت ضيقه واتساعه الشديد في الوقت ذاته»، وبالتالي فإن الكاتب يرى أنه ومن أجل إعادة إحياء الدور الأميركي القيادي عالميا هناك نقطتا ضعف حاسمتين لا بد من أن تتم معالجتهما وهما «الاقتصاد الداخلي وسمعة الولايات المتحدة الأميركية في العالم»، ففي حين تقتضي معالجة أزمة الاقتصاد الأميركي «ما هو أكثر من مجرد دورة صعود اقتصادي إذا ما أريد للحل الاقتصادي أن يكون على المدى البعيد وهو ما يعزز من أهمية صياغة سياسة قومية جديدة للطاقة والتغير المناخي» كما أن تحسين سمعة الولايات المتحدة الأميركية وإعادة احترامها تتعزز أهميته في كونه محفزا على وجود قيادة شرعية وتأثير أطول على الساحة العالمية.

وفي سياق الدعوة إلى تحسين سمعة الولايات المتحدة الأميركية الملطخة عالميّا، فإن هولبروك يدعو الرئيس الأميركي القادم إلى حظر عمليات التعذيب وإغلاق معتقل غوانتنامو بشكل فوري ونهائي كخطوة أولى ورئيسية لا مناص من تجاوزها، واعتباره قرارا ولا رجعة عنه كأول الخطوات للنهوض بالسمعة الأميركية.

وبالنسبة إلى قضية التغير المناخي التي يعتبر التراجع عنها وإهمالها بمثابة حفلة انتحار جماعي للبشرية، فإن هولبروك يشير إلى كون إدارة بوش قد أفرطت في إهمال هذا الملف خلال السبع سنوات والنصف الفائتة، و يشير إلى ما يتمتع به أوباما في الوقت الحالي من خطة متكاملة وهدف طموح لتخفيض الانبعاثات الكربونية إلى جانب الاستثمار في التكنولوجيات البديلة وهو ما يتطلب قبل كل شيء خلق إجماع وطني عام ومكلف للوقوف أمام هذه الأزمة، كما هو يتطلب تعاونا وتنسيقا مستمرا ولعب دور رئيسي من قبل أكبر الملوثين «Polluters» في العالم وهما الصين والولايات المتحدة الأميركية عبر توقيع اتفاقات ثنائية بين البلدين لتوفير الطاقة واعتماد تكنولوجيات صديقة للتغير المناخي ولتخفيض الانبعاث الكربوني بين البلدين.

ويرى هولبروك أن ما يقدمه أوباما من سياسة مقترحات للتعامل مع مختلف القضايا والشئون الدولية إنما يتمحور حول أهمية تعزيز الحاجة إلى تكييف السياسات القديمة والثابتة مع معطيات الوضع الراهن ومستجداته، وهو يؤكد «أهمية الحاجة إلى الدبلوماسية كأفضل طريقة لتعزيز القوة الأميركية ولخلق التأثير».

ويؤكد هولبروك أنه وفي الوقت الذي اقترح فيه جون ماكين خلق»عصبة الديمقراطيات» (من بنات أفكار مفكر المحافظين الجدد روبرت كاغان) والتي قد تعتبر عاملا مهددا وبديلا أميركيّا لمنظمة الأمم المتحدة، فإن أوباما، وعلى العكس، سيكرس جهده لإصلاح الأمم المتحدة في ما يوافق المصلحة الأميركية عبر مطالبة الكونغرس الأميركي بدفع متأخراته على الأمم المتحدة والتي اجتازت المليار دولار أميركي في عهد بوش، وهو يدعو الرئيس الأميركي القادم للتركيز على الحيلولة دون تأسيس أي تكتل نفطي عالمي قد يتبنى أجندة ضد المصالح الأميركية وربما يضم روسيا وإيران وفنزويلا، وعلاوة على ذلك يذكر أن «فنزويلا مثلا تخصص مساعدات خارجية لباقي دول أميركا اللاتينية في ما يفوق بخمسة أضعاف ما تدفعه الولايات المتحدة الأميركية لها».

ويرى هولبروك أن أهم وأكبر أوجه الاختلاف بين ماكين وأوباما إنما كانت في ما يتعلق بملفي العراق وإيران، ففي حين رأى ماكين على غرار بوش وربما أكثر منه أن أميركا تنتصر في العراق وأنه يقدر بأن تبقى القوات الأميركية هناك لأطول فترة ممكنة، فإن أوباما على النقيض الجذري وهو الذي وقف ضد حرب العراق قبل شنها يرى أن الانتصار العسكري غير ممكن وهو يعتقد بعدم جدوى بقاء القوات الأميركية في حرب مفتوحة بالعراق لم يكن لها أن تكون أساسا، وبالتالي لابد من وضع آلية جادة للانسحاب الأميركي من العراق وبشكل حذر ومدروس، مع السعي لخلق ضغوطات على الساسة العراقيين للمساعدة في خلق الاستقرار مع إشراك دول الجوار في ذلك، وبالتالي فإن المعركة الرئيسية هي ضد «القاعدة» في أفغانستان وليست في العراق.

وفي حين يلتقي أوباما مع ماكين في ضرورة منع إيران من الحصول على سلاح نووي، فإن الأول يختلف مع الأخير حول ضرورة خلق حوار جاد ومباشر مع الإيرانيين بشأن هذه المسألة ومسائل أخرى تتعلق بدورها في أفغانستان والعراق ودعم «حزب الله « و «حماس»، وبالتالي يشدد هولبروك على أهمية الاتصال والحوار حتى مع مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي ودائرته الداخلية المحيطة به حول هذا الموضوع وعبر قنوات سرية جدا.

سنذكر في مقالات مقبلة في المستقبل، إن كان في العمر بقية، رؤى مراكز الأبحاث السياسية والإستراتيجية الأميركية المتعددة تجاه التحديات والأدوار المتوقعة من الرئيس أوباما.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2260 - الأربعاء 12 نوفمبر 2008م الموافق 13 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً