العدد 1768 - الإثنين 09 يوليو 2007م الموافق 23 جمادى الآخرة 1428هـ

الهنود في البحرين ... تبعات وتداعيات (1/2)

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

«يزداد الهنود يوما بعد يوم يتقاسمون معي هذه الجزيرة الصغيرة، فإذا كانت الهند كبيرة كما يقولون فلماذا لا أقاسمهم إياها؟». تلك مقولة كتبها شاب بحريني في أربعينات القرن الماضي على إحدى المجلات الحائطية المعلقة على جدران أحد الأندية الثقافية، ومع مطلع الألفية الجديدة أرسل شاب بحريني آخر رسالة إلكترونية إلى أحد المواقع يذكر فيها: «لقد زاد عدد الهنود زيادة كبيرة، وصاروا ينافسوننا في الصغيرة والكبيرة، فالحلاق هندي، والمزارع هندي، والبحار هندي، حتى الطباخ هندي، وأخاف أن أفتح قدري فأجده هنديا، نَمْ يا راجو قرير العين، فلست في مومباي بل أنت في البحرين». ومن الغريب أن يسمي بلغريف هذا التذمر ظاهرة «التظاهر ضد تشغيل الأجانب» وهو يشير إلى أنها ظاهرة غير صحية موجودة لدى البحرينيين. إلى أي مدى قول بلغريف صحيح؟

يرجع تاريخ عمل الهنود في البحرين إلى العام 1888، حين أعطى شيخ البحرين امتياز إدارة الجمارك للتجار الهنود - المعروفين في الخليج باسم «البانيان» - على أن يقوموا بتحصيل الضرائب والرسوم الجمركية شريطة الالتزام بدفع مبلغ معين للحاكم، واستمر تطبيق نظام الالتزام قرابة 35 سنة، ومع مطلع القرن العشرين قَدِم الهنود إلى البحرين؛ للانخراط في سلك الشرطة، إذ قام المستشار البريطاني بلغريف باستقدام الجنود البنجابيين المُسَرَّحِين من الخدمة العسكرية في الهند؛ ليتم توظيفهم في سلك الشرطة بالبحرين. أما التجّار الهنود فقد قَدِموا إلى البحرين خلال العقديين الأولين من القرن الماضي من العراق وإيران في ظل غياب قانون الجنسية البحرينية الذي لم يصدر إلا في العام 1937، إذ أصبح الذهاب والإياب من البحرين وإليها أمرا مفتوحا من دون قيود.

يعد الهنود المعروفون بالبانيان من أكبر تجار اللؤلؤ في الخليج، إذ كوّن غالبيتهم ثرواتٍ طائلة إلى درجة أن شيوخ الخليج غالبا ما كانوا يلجأون إليهم للاقتراض عند حاجتهم الماسة إلى مبالغَ ماليةٍ كبيرةٍ، وأصبح لهؤلاء التجار موقع الصدارة في التجارة البحرينية، إذ يُشار إلى أن الاجتماع الأول لمجلس التجار في البحرين المنعقد في 26 ديسمبر/ كانون الأول 1910 والذي ترأسه المعتمد السياسي البريطاني في البحرين الميجر ستيوارت جورج نوكس، قد حضره ممثل عن التجار الهنود في البحرين، وعلى رغم تعرض التجّار الهنود في البحرين لهزة اقتصادية ناتجة من تدهور تجارة اللؤلؤ من جانب، والأزمة الاقتصادية العالمية من جانب آخر، فإنهم سرعان ما عادوا مرة أخرى إلى عهدهم السابق؛ بسبب ظهور النفط وما رافقه من انتعاش اقتصادي في البحرين.

جلب التجّار الهنود معهم العمالة الهندية إلى البحرين، مكونين بذلك جالية هندية فقيرة تعيش على تقديم الخدمات والبيع لبني قومها. وقد أقامت في أحياء متهالكة في المنامة، إذ تبيع وتسكن في آن واحد؛ لذلك يخيّل لزائرها أنه في مدينة بومبي من حيث شكل المكان وطبيعة البضاعة المعروضة. وقد تمتع الهنود وخصوصا الهندوس منهم بالحرية الدينية، إذ مارسوا طقوسهم في معبدهم «زالديوس» الواقع في عمارة البانيان بالمنامة، كما احتفلوا بعيدهم المقدس «ديوالي» في مهرجان خاص يقيمونه سنويا، إذ يطوفون شوارع المنامة، في طريقهم إلى المعبد، ويتقدمهم زعيمهم المهراج، وهم يدقون الطبول وينشدون الأناشيد الدينية وثيابهم البيضاء ملطخة بالكثير من الألوان. كما سمحت لهم الحكومة بإحراق موتاهم في محرقة خاصة، فيشير تقي البحارنة حينما يتحدّث عن طفولته إلى أن التاجر منصور العريّض كان يمنع الأطفال من متابعة جنائز الهنود المتوجهة إلى المحرقة، بل كان يوبخهم حين يصرخون خلف الجنازة بعبارة «رام رام مركيا».

السياسة الاستعمارية البريطانية في البحرين لعبت دورا كبيرا في هجرة الهنود إلى البحرين، إذ اعتبرتهم من رعاياها في المنطقة، وبالتالي قامت بإجراء تسهيلات لهم في التجارة أو الانخراط في سلك الشرطة، بل إنها سعت إلى حمايتهم بتشريع قوانين خاصة، وتشكيل محاكم منفردة عن بقية القاطنين، وما يؤكد ذلك، الرسالة التي بعثها المقيم السياسي في الخليج إلى المعتمد البريطاني في البحرين في العام 1938، يخبره قلق الحكومة البريطانية في الهند من تحجيم مصالح رعاياها من الهنود في البحرين، فطمأنه المعتمد إلى أن دار الاعتماد تقوم بالتسهيلات اللازمة لدخول الهنود وتوظيفهم في البحرين، بل إنها بدأت تفكر مليا في أن تقوم بافتتاح مدرسة لأطفال الهنود، بعد ما تكاثرت أعدادهم.

هذه الهجرات لها تداعيات كثيرة على المجتمع البحريني الذي تعددت أجناسه، فقلّ التماسك الاجتماعي؛ بدخول عادات ومفاهيم جديدة؛ وانخراط أعراق مغايرة وصراعات اجتماعية، بالإضافة إلى انتشار مفردات أجنبية جديدة تداخلت مع اللهجة المحلية، كما فرض هذا الخليط السكاني على الحكومة حساباتٍ جديدة، إذ عملت الأخيرة على إرضاء جميع الأطراف؛ في محاولة منها لإشراكهم في السلطة، وهذا يتضح جليا في تشكيل المجلس البلدي آنذاك، ففي العام 1920، أجبر المعتمد البريطاني الميجر ديكسون الحكومة على تعيين 5 أعضاء محليين و5 أعضاء من الأجانب في المجلس، اثنان منهم من الهنود، ولما تقلصت مقاعد الهنود في المجلس إلى مقعد واحد، ويكون عادة من نصيب الهندوس الأكثر عددا في البحرين، تقدم الهنود المسلمون وهم من رعايا بريطانيا في البحرين إلى المستشار بلغريف بطلب دخول عضوية المجلس البلدي بالتعيين، وقد ألح الهنود المسلمون على هذا المطلب حين انتدبوا تجارهم للحكومة للتباحث بشأن هذا الموضوع إذ يشير بلغريف في هذا الخصوص بقوله: «زارني أشرف رئيس التجّار الهنود المسلمين وكان الموضوع بخصوص عضوية البلدية».

بظهور النفط، كان للهنود قصة أخرى في البحرين، هذا ما سنعرضه في الحلقة القادمة.

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 1768 - الإثنين 09 يوليو 2007م الموافق 23 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً