العدد 1780 - السبت 21 يوليو 2007م الموافق 06 رجب 1428هـ

رحلة إلى بغداد (8)

علي الشريفي Ali.Alsherify [at] alwasatnews.com

-

شيعة عمر وسنة علي

الشعار الذي رفعته الإدارة الأميركية خلال وبعد احتلال العراق هو «نشر الحرية»، وبسبب هذا الشعار المعلن جازفت أميركا بسمعتها على حرب كانت تهدف من ورائها - قبل أن تتغير الموازين ضدها - إلى أن يكون العراق القطعة الأولى في لعبة أحجار الدومينو التي ستطيح بكل القطع المجاورة لها.

هدف أميركا المعلن من غير الممكن تحقيقه إلا بوجود غالبية أو شبه غالبية من العراقيين القادرين على تحقيق هذا الهدف من أجل بلدهم على الأقل، وأن من يمثل هذه الغالبية هم الطبقة المثقفة لا الجاهلة، الطبقة المستعدة لسماع الرأي الآخر والتفاعل معه، لا طبقة المتعصبين المتشددين المستعدة لرفع السلاح على ابن الوطن عندما يفشل في إقناعه.

الهدف المعلن لأميركا «نشر الحرية» فشل بعد أول امتحان له تمثل في اختيار الحاكم المدني بول برايمر الذي أسس لقاعدة المحاصصة الطائفية والعرقية في تشكيل مجلس الحكم، فكان الذي كان من أعمال عنف طائفي وعنصري ضرب هيكل المجتمع العراقي المعروف بتداخله المذهبي والعرقي إن كان من خلال عشائره المتمازجة مذهبيا، أو المذاهب المتمازجة قوميا وعرقيا.

لقد فقد العراق معظم الذين كانوا يمثلون وجه التعايش الحقيقي داخل البلد، وهم أولئك الذين اضطروا إلى الهجرة إلى الخارج وعددهم يقدر بمليونين ونصف المليون، والمهجرون من مناطق سكناهم وعددهم مليونان تقريبا، وكانوا يمثلون أصل تجانس المجتمع العراقي، إلى مناطق الانغلاق المذهبي والعرقي. يضاف إلى المهاجرين والمهجرين نحو خمسة ملايين آخرين من سنة وشيعة وأكراد وتركمان مازالوا يعيشون في ظل ظروف متأزمة في مناطق تحاول أن تحافظ على بعض تنوعها المذهبي والعرقي وهي المناطق المنتشرة من مدينتي الموصل وكركوك وصولا إلى مدينتي البصرة والناصرية.

عجائب زمن الطائفية في بغداد كثيرة، لكن من أغربها هو ما تعيشه بعض مناطق العاصمة العراقية، إذ لا يكون الطائفيون المتشددون هم المستهدفون، بل الذين يمثلون الطبقة المتجانسة والمسالمة، فمثلا من غير المستبعد أن تضطر العوائل المشردة إلى مواجهة رفض المسلحين المتشددين الذين يسيطرون على بعض المناطق، حتى وإن كانوا من المذهب نفسه، بحجة أن هذه العوائل النازحة كانت متجانسة مع أفراد المذهب الآخر، ودليلهم على ذلك قدرتهم على العيش المشترك طيلة الفترة الماضية!

وهكذا صار البغداديون لا يفاجئون من حصول عمليات قتل داخل المذهب الواحد لكن طرفيها هذه المرة المتشددون والمنغلقون من جهة والمنفتحون والمتجانسون مع المذهب الآخر من جهة أخرى، بعد أن صار المتشددون يطلقون على السني المشرد من منطقة شيعية بـ «سنة علي»، وعلى الشيعي الهارب من منطقة سنية بـ «شيعة عمر»!

إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"

العدد 1780 - السبت 21 يوليو 2007م الموافق 06 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً