العدد 1811 - الثلثاء 21 أغسطس 2007م الموافق 07 شعبان 1428هـ

المالكية بعد عامين

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عصر أمس (الثلثاء)، كنا في زيارة إلى ساحل المالكية، فليس من سمع كمن رأى.

وأول ما تراه عند الدوار الذي يفصل القرية عن جارتها كرزكان، آثار إطارات محترقة، وبعد بضع مئات من الأمتار، تجد نفسك أمام عدة ملاعب لكرة القدم، أحدها لدورة للأشبال، والثاني للرجال، وثالث للشباب. فالمالكيون مغرمون جدا بالكرة أكثر من غرامهم بالسياسة، ولكن السياسة في بلادنا قدرٌ محتوم، إن لم تذهب إليها أتت إليك!

على يدك اليسرى، هناك حديقةٌ عامةٌ لم تفتح بعد، وعلى جانبي الشارع محلات ودكاكين صغيرة وباعة أسماك وكبار سن يتجاذبون أطراف الحديث. تنعطف يمينا فتدخل أزقة ضيقة بالكاد تمرق منها السيارة حتى تصل إلى المقبرة فالشارع الذي يفضي بك إلى الساحل... ورجالٌ وأطفالٌ يقطعون الطريق مشيا على الأقدام. وإذا كانت آخر زيارتك للمنطقة قبل عامين مثلي، فسيفاجئك اختفاء جدار قديم على اليسار، كان يحيط ببقايا مزرعة جافة، وعلى يمينك جدارٌ أزيل نصفه لأنه كان مخالفا للقانون، وبقي النصف الشرعي إلى حد البحر، وبعده سور شبكي يحمي المزرعة ووراءه ست سيارات أمن.

قبل أن تصل، تتسلل إلى أذنيك أهازيج فرح يطلقها بعض الفتيان وهم يصفقون. ومن بعيدٍ يلوح خزانٌ صغيرٌ للماء، أقامه الأهالي على عجلٍ لريّ الشتلات التي بدأوا بزراعتها على الساحل بعد عودته إلى أحضانهم. أعدادٌ كبيرةٌ من السيارات، تذكّرك بالاحتفال الجماهيري قبل عامين حين وقف الخطباء، ساسة ونوابا وبلديين وناشطين وبيئيين، يطالبون كلهم بإزالة الجدار العازل.

في عرض البحر نحو سبعين قاربا صغيرا، تتهادى فوق موج هادئ. وعلى الساحل أطفالٌ يسبحون في الماء كالأسماك الصغيرة. على مقربةٍ منهم هناك حلقةٌ من الرجال المتجمهرين. اقتربت منهم فإذا برجل عجوز يتحلّق حوله البقية يستمعون إليه، وهناك مصورٌ محترفٌ يصوّره بالفيديو، ورجلٌ آخر يوجّه إليه أسئلة، ربما يكون مراسلا لوكالة أنباء. وسمعته يجيب بلهجته القروية البسيطة المحببة: «البحر هو كل شيء، ولا يمكن أن نحيا بدونه، فنحن نأكل ونطبخ منه ونعتمد عليه»، كأنما كان يتكلّم بلسان البحارة والصيادين في قرى الساحل الغربي من الجزيرة الأم (البحرين).

بعد حلقة الرجال... تمر بعددٍ من النسوة الملتفات بعباءاتهن السوداء، جلسن على عددٍ من المقاعد يدردشن وبعضهن افترش الأرض بينما يلعب بعض أطفالهن بالرمال، وبعضهم في الماء.

جلست على كرسي منعزل لأرى المنظر من بعيد. كان الساحل يمتد أمامي كالكتاب المفتوح. هنا ركبت قاربا صغيرا مع بدء تشييد الجدار العازل. وهنا قبل عامين شاهدت بعض الشباب الغاضب ينطلقون نحو الجدار المخالف للقانون ليحطّموه، ولم تساعدهم المطرقة الكبيرة في ذلك، وإنما حطّمه تطبيق القانون بعد خمسة وأربعين يوما من المماطلة وتحدّي هيبة الدولة.

اليوم، أعود إلى الساحل في ختام جولة تحدٍ أخرى ضد القانون، الناس هنا لا يخفون فرحهم. يا لله ويا للفرح المحرّم على هؤلاء.

فكّرت... لو كنت متنفذا استوليت على ساحل لأطلقت سراحه وأعدته إلى الناس. لو كنت برلمانيا لرفعت مقترحا عاجلا لإطلاق سراح كل السواحل والشواطئ وإعادة الأرض لأصحابها... فلا يجوز أن يعيش شعبٌ في أرخبيل ويُحرم من رؤية الأمواج وشم رائحة البحر.

كانت الشمس تغطس في الماء لتؤذن بالمغيب، اتجه الرجال لمسجد الأمير زيد حيث يرفرف فوق مئذنته علمٌ أخضر صغير، وبدأت النسوة يلملمن أطفالهن ويعدن إلى القرية، وتمنّيت ألاّ نعود بعد عامين لنسجّل مخالفة جديدة للقانون، لنكرّر بيت النابغة الذبياني:

يا دارَ ميّةَ بِالعلياءِ فالسَنَدِ ... أَقوت وطال عليها سالفُ الأَبد.

للمالكية السلام.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1811 - الثلثاء 21 أغسطس 2007م الموافق 07 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً