العدد 1821 - الجمعة 31 أغسطس 2007م الموافق 17 شعبان 1428هـ

وعادت الحياة إلى المالكية مجددا

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

كنت في الجمعة الماضي في رحلة إلى ساحل المالكية مع العائلة وقررت حينها أن استغل المناسبة لأقوم بمهمة صحافية فالصحافي لا يمكن له أن يخلع قبعته وإن كان في رحلة استجمام، رتبت للرحلة واخترت مكانها وموعدها لغاية في نفسي، فقد وجدت أن من المناسب جدا أن نشاطر أهالي المالكية فرحتهم، بتطبيق القانون وإزالة الحظور، فقد عادت الفرحة والبسمة إلى وجوه أهالي المالكية كما عمّت الفرحة القرية، ودبت الحياة من جديد. شاطرنهم الفرحة من بعيد ووجدت أن من المناسب أن نكون قريبين منهم ولاسيما أن أهالي المالكية وأخلاقهم الكريمة تمثل صورة مصغرة وصادقة عن طبيعة البحريني الكريم المتسامح الخلوق المتواضع الاجتماعي.

أحد الباعة الجائلين الموجودين في القرية أخذنا إلى الشاطئ بعد أن سألناه عن الشاطئ تحديدا الذي أزيلت منه الحظور وتم تناول الخبر في الصحافة. ذكرنا له أننا من خارج القرية وجئنا لنشاطر المالكية فرحتها بإزالة الحظور، أخذنا إلى هناك.

كان يقول البائع: من زمن بعيد لم نستطع أن نمارس نشاطنا وحياتنا العادية بل لم نبع والآن بعد أن طبق القانون وأزيلت الحظور وعادت الحياة من جديد نمارس حياتنا من جديد، الصياد يترزق الله من البحر ونحن أيضا بدورنا نستفيد من زوار البحر.

يومها كان الجو جميلا جدا، والبحر كان أجملَ، فقد كان شفافا نظيفا. خطر ببالي تعليق فقد قلت في نفسي: هذا ما جعله ضمن أطماع الطامعين وبالتالي استهدافه. قوارب الصيادين أيضا احتفلت مع الأطفال بالمناسبة، فقد أخذناهم في جولة بحرية إلى أعماق البحر مع نسمة الهواء العليل، الطيارات الورقية الملونة لم تبرح سماء المالكية، والخيول العربية الأصلية أيضا كانت موجودة.

لعب الأطفال على الأرجوحات البالية المهملة وجلسنا على الكراسي المقابلة للبحر تأملنا جيدا فيه البحر ولم نجد أي أثر لوجود الحظور ووجدنا أثرا لبعض حظور الأهالي من بعيد، على حين انشغل الأطفال باللعب بالرمل على شاطئ البحر فقد استطاعوا أن يبنوا لهم قصورا من رمال البحر، وحفروا في الرمل حفرا عميقة بكل بهجة.

كان بحق يوما جميلا رائعا شعرنا بأننا خارج البحرين، بعد أن تحسر أطفالنا على البحر ورؤيته والسباحة فيه. تعمدت أن آخذهم إلى هناك إلى بحر المالكية الذين وجدوه سابقا في إحدى الجولات مطوقا مأسورا خلف سور المالكية العظيم، والآن قد تحرر بفعل الإرادة الشعبية التي لا يمكن الرهان عليها وبعد أن رسخ لدى الجميع أن لا أحد فوق القانون.

تذكرت حينها طفولتي التي لم تكن يوما تفارق البحر فأمن الدولة وقتها لم يشمل البحر بل كنا - رواد البحر وأصدقاؤه - نقضي فيه أيامنا الحلوة، كان جارنا الأول بلا مبالغة البحر فهو يقابل مجلس بيتنا وكلما كان المد عاليا دخل ماؤه وسط منزلنا ليرد علينا الزيارة، وببراءة الأطفال نفرح كفرحتنا عندما يكون لدينا ضيوف، فكيف لا والبحر الذي نكن له كل الحب، جارنا الحميم الذي نقضي فيه أجمل الأوقات وأروعها.

بالأمس كنت أنظر إلى الأطفال بشفقة وأقدر حسرتهم ولهفتهم للبحر فلم يستطيعوا تمالك أنفسهم وفي لحظة من اللحظات قرروا أن يرموا أنفسهم فيها بملابسهم، فلم يكونوا على استعداد للسباحة فيه، ولم تكن ملابس السباحة معهم، ومع ذلك سمحت لجميع أطفال العائلة بلا استثناء بالدخول والسباحة فيه.

الأمر المضحك أنه كلما تذكر الأطفال أنهم على موعد مع المدرسة التي فارقوها شهرين سيكون بعد أسبوع رفضوا الخروج من البحر مودعينه؛ لأنهم لن يلتقوه ربما إلا بعد عام في العطلة الصيفية القادمة، فكان خروجهم من البحر صعبا جدا بعكس دخولهم الذي تم في الدقيقة الأولى وهذا يعكس بدوره شوقا وحبا وولها للبحر غير عادي ولا يمكن فصل حبهم له عن قلبهم كما لا يمكن تفسيره سوى الحب الفطري.

إنه من المحزن حقا أن تكون البحرين الجزيرة المزروعة في وسط البحر ووسط الخليج العربي، على حين يكون أطفالها يفتقدون البحر، ويتعاملون معه كالغرباء، هل من المعقول أن يكون البحر ملكا خاصا؟ في الوقت الذي لا يمكن أن نحصر امتداده؟ وهل لنا أن نودعه ونظل نتذكره ونتخيله من دون أن نلامسه أو نمارس نشاطاتنا فيه؟

أفكار كثيرة تخطر على البال والخاطر ولا نجد لها أي مبرر أو جوابا شافا، وفي النتيجة النهائية نجد أنفسنا نصطدم بالواقع المر وعلينا تقبل الأمر. إن من الظلم حقا ألا نملك حتى التعبير عن خوالجنا وتظل دائما في السر، سئمنا التجوال في المجمعات التجارية، فقد ضحك علينا عندما انتقلنا إلى رحاب المدنية وودعنا حينها كل شيء طبيعي وكل ذكريات الطفولة وبقينا بين أربعة جدران صماء غير ناطقة ولا أظن أنها البديل الأنسب ولن تكون فالحياة لا تستمر مع الجمادات وأهل البحرين لا يقبلون التفريط بقطرة ماء من بحرهم.

إلا البحر لا يمكن التفريط فيه فمرة دفناه بغرض المشروعات الإسكانية والمشروعات العمرانية ومرات نجده يغيب عنا من دون عذر واضح؛ لأنه ببساطة شديدة البحر هو الحياة، ولا يمكن للحياة أن تستمر مع التفريط فيه، وبحر المالكية درس مفيد من المفيد جدا الوقوف عليه.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1821 - الجمعة 31 أغسطس 2007م الموافق 17 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً