العدد 1832 - الثلثاء 11 سبتمبر 2007م الموافق 28 شعبان 1428هـ

تقرير بترايوس - كروكر: إخفاء الأسباب والتخويف من النتائج

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يستمر الكونغرس الأميركي في مناقشة التقرير الذي رفعه الثنائي قائد القوات في العراق الجنرال ديفيد بترايوس والسفير ريان كروكر. المناقشة لا يتوقع منها أنْ تغيّر من جوهر التقرير ولكنها يمكن أنْ تكشف تفصيلات تتعلق بتلك الأخطاء والثغرات والتجاوزات التي أوصلت بلاد الرافدين إلى حال يرثى لها.

هناك كارثة في العراق ولكن الاحتلال يرفض الاعتراف بوجودها وإذا اعترف يحمّل غيره مسئولية ما حصل. عدم الاعتراف والتهرّب من المسئولية واتهام قوى خارجية أو جوارية بأنها هي الطرف الذي أنتج المصيبة تعتبر مؤشرات على إنكار إدارة جورج بوش دورها في لعبة تدمير بلد وتفكيكه إلى مجموعات أهلية منزوية في مناطق متجانسة في هويتها المذهبية والطائفية. وعدم وجود رغبة لدى إدارة واشنطن بالتقدم نحو كشف ملفات الحقيقة تعطي إشارة سلبية للاحتمالات المتوقع حصولها في المستقبل.

التقرير الذي رفع أمس الأوّل إلى الكونغرس لم يقل الجديد من الأفكار. فهو ركّز على النجاح الجزئي للخطة الأمنية التي أطلقت في يناير/ كانون الثاني الماضي. وطالب بالاحتفاظ بزيادة القوات إلى أقصى فترة ممكنة على ألا تتجاوز الصيف المقبل. واتهم التقرير دول الجوار وتحديدا إيران بأنها تتحمّل مسئولية إثارة الفوضى وزعزعة الأمن.

الأفكار المطروحة كانت متوقعة حتى حين أشار التقرير إلى احتمال خفض القوات المحتلة 4 آلاف قبل نهاية السنة الميلادية الجارية. فالمعلومات هذه سربت سابقا إلى الصحف ووكالات الأنباء؛ لأنها استهدفت شراء سكوت المعارضة التي تطالب بضرورة الانسحاب الفوري أو الإعلان بوضوح عن خطة تدريجية للخروج من العراق.

التقرير يتجّه عموما إلى تأجيل فكرة الانسحاب بذريعة كسب الوقت وإعطاء فرصة للخطة الأمنية للنجاح. والواضح في التقرير أنّ الثنائي الأميركي أكد على خطورة تداعيات الكارثة في حال اتخذ قرار الانسحاب الفوري وغير المدروس والمبرمج. فالثنائي وصف الأمر بأنه سيعود بـ «نتائج كارثية» وستكون «إيران هي الرابحة». هذا الربط بين الانسحاب والكارثة وبين تداعيات الكارثة ومكاسب إيران يؤكد على أنّ إدارة واشنطن لاتزال تتبع أسلوب التخويف في التعامل مع أزمة مفتعلة ساهم تيار «المحافظين الجدد» في اختراعها.

الاحتيال على الأسباب التي دفعت إدارة واشنطن الجمهورية إلى تخليق كارثة في المنطقة يشكّل ذاك الامتداد لبرنامج أشرفت اللوبيات والمافيات على وضع آليات تنفيذه ميدانيا وبالضد من كل القوى الدولية التي تحفظت على الحرب. فالإدارة لاتزال تتبع أسلوب التغاضي عن ذكر الدوافع التي شجّعت واشنطن على الانفراد بالقرار. وبما أنها تتهرّب من شرح الأسباب وتفسيرها تلجأ واشنطن إلى اعتماد أسلوب التعمية لتغطية النتائج الكارثية واتهام غيرها بالمسئولية.

عملية الفصل بين الأسباب والنتائج التي اعتمدها التقرير في قراءة حال العراق بعد الاحتلال تشكّل تلك الثغرة المركزية في سياسة إدارة لا تريد الاعتراف بالخطأ وتتهرّب من المسئولية وتتردد في البوح بالحقيقة.

أسئلة الحرب

سؤال «مَنْ اتخذ قرار الحرب» يرسم صورة الهيئة المسئولة عنها. وسؤال «لماذا اتخذ قرار الحرب» يقدّم مادة دسمة لمعرفة الخفايا التي شجّعت إدارة بوش على اتخاذ تلك الخطوة. وسؤال «لماذا قوّضت دولة العراق» يعطي فكرة عن النتائج الكارثية التي وصلت إليها بلاد الرافدين بعد الاحتلال.

كلّ هذه الأسئلة لا يذكرها التقرير؛ لأنها تشكّل تلك المقدّمات الصحيحة التي تساعد على التوصّل إلى تحليل النتائج والخروج بأجوبة صحيحة وتوصيات واقعية. التقرير يقرأ النتائج بأسلوب معكوس وينطلق منها معتمدا نهج التخويف ليرسم صورة سلبية عن احتمالات وتداعيات محلية وإقليمية. وسياسة تغييب الأسباب والقفز على الأسئلة وبدء القراءة من النهايات لا المقدّمات تستهدف تغطية الفشل الذي وصل إليه الاحتلال بعد أربع سنوات من ترويع الأهالي وتمزيق علاقاتهم وتفكيك مصادر رزقهم.

الكارثة في العراق في مقدّماتها ونتائجها تتحمّل مسئوليتها واشنطن. فالإدارة الأميركية هي الطرف الذي اتخذ قرار الحرب. وإدارة الاحتلال هي الجهة التي تفردت في اتخاذ سلسلة قرارات وخطوات وتوصيات أسفرت في مجموعها عن توليد فراغات أمنية وشجّعت القوى المحلية والإقليمية على التنافس والاقتتال لاكتساب حصة في الغنيمة. والنتائج التي توصّل إليها العراق تقع مسئوليتها على جهة قررت من طرف واحد تعديل الخرائط السياسية وتعديل الموازين وتغيير مواقع الطوائف والمذاهب بهدف إعادة بناء دولة «نموذجية» في المحيط الجغرافي ودائرة «الشرق الأوسط». وكلّ هذا الكم من الأخطاء المقصودة أو غير المقصودة لا يمكن ترحيله من حسابات المسئولية الأميركية وتحميل دول الجوار وزر نتائج كارثة كان بالإمكان تجنب وقوعها.

أسلوب التخويف

التهرّب من المسئولية واللجوء إلى أسلوب التخويف واتهام دول الجوار بأنها تقف وراء الفشل تطرح أسئلة استفسارية عن القصد من إخفاء الأسباب والتركيز على النتائج والترجيحات المحتمل وقوعها في المستقبل. فالخطورة ليست بما حصل فقط وإنما بما سيحصل أيضا. ولجوء التقرير إلى سياسة التحذير (التخويف) يطرح أسئلة بشأن الخطوات التي تعتزم واشنطن اتخاذها في الفترة المقبلة. فهل إدارة بوش تعتمد على النتائج السلبية لتتخذ منها ذريعة لرفض فكرة الانسحاب؟ وهل تخطط إلى سياسة إعادة الانتشار والتموضع العسكري الدائم بذريعة أنّ الخروج سيعطي مكاسب مجانية لقوى محلية وإقليمية؟

الاحتمالان واردان، كذلك هناك احتمال السيناريو الأسوأ وهو تطوير فكرة رفض الانسحاب باتجاه تعزيز سياسة الهجوم لمنع الأطراف الأخرى من الاستفادة من تداعيات الفشل.

قراءة الكونغرس للتقرير يجب أنْ تؤخذ على أكثر من وجه حتى لا تهمل تلك الثغرات المتصلة بمقدّمات الحرب. فالنتائج السلبية لها علاقة بالأسباب وإذا تركت تلك الدوافع التي أملت على الإدارة اتخاذ قرار الحرب فمعنى ذلك أنّ إدارة الحزب الجمهوري تهرّبت من الإجابة عن الأسئلة الحقيقية وتوجهت فورا إلى الوقائع الميدانية لتعتمد عليها في سياسة تبرير الإبقاء على القوات إلى فترة طويلة.

هذه النقطة ليست غامضة في التقرير المرفوع إلى الكونغرس. فالثنائي بترايوس - كروكر تعمد تضخيم السلبيات التي ستنجم عن الانسحاب ليؤكد على ضرورة استمرار الاحتلال إلى أجل غير مسمّى ويرتبط بالحاجة. وعملية اشتراط الانسحاب بالوظائف المترتبة عن وجوده أو عدم وجوده تدفع إلى الاعتقاد بأن إدارة واشنطن الحالية لا تفكّر بالخروج من العراق وتخطط لتوريط الإدارة المقبلة بالنتائج السلبية المتوقعة في حال اتخذ القرار.

كلام بوش الدائم عن «الانتصار» وتخويف الناخب الأميركي من النتائج المدمّرة عن الانسحاب قبل «استكمال المهمات» وإثارة المخاوف من التداعيات المحتملة في حال ترك العراق على ما هو عليه الآن، يشكّل في مجموعه علامات واضحة تؤكد استمرار الإدارة في نهجها السابق وعدم استعدادها للاعتراف بالأخطاء سواء حين اتخذ قرار الحرب أو حين يتهرّب «البيت الأبيض» من تحمّل مسئولية نتائج قراره. وهذه الخلاصة تشير إلى أنّ الثنائي الذي أشرف على كتابة التقرير اتجّه إلى التخويف من نتائج الانسحاب لأسباب لا تتعلق بمدى نجاح الخطة الأمنية وإنما لحاجات تتصل بمشروع عام يرى ما تبقى من تيار «المحافظين الجدد» بأنّ الضرورة الاستراتيجية تتطلب استكماله وعدم التراجع عنه.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1832 - الثلثاء 11 سبتمبر 2007م الموافق 28 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً