العدد 1842 - الجمعة 21 سبتمبر 2007م الموافق 09 رمضان 1428هـ

الطبقات والتخلخل الطبقي في المجتمع البحريني

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

الواقع المعاش يُظهر أن العامل الاقتصادي يفرض نفسه كعامل أساس في تعريف الطبقة وفي التصنيف الطبقي قبل أي عوامل أخرى. ويتحدد تصنيف الناس طبقيا حسب موقعهم في عملية الإنتاج الاجتماعي أي إنتاج الثروة المجتمعية وبحسب نسبة ما يعود عليهم من تلك الثروة. وهذا يظهر أن التعريف الكلاسيكي للطبقة لم يزل يملك منطقه وقوته ويظل أقرب التعريفات للواقع. لقد أدخلت النظريات الحديثة في علم الاجتماع عوامل أخرى في تحديد الطبقة كالعامل الاجتماعي والثقافي والسياسي كونها سمات تشترك فيها مجموعات الناس المقصودة لتحديد طبقة ما (انظر تعريف باقر النجار للطبقة - صحيفة «الوسط» 11 سبتمبر/ أيلول 2007 ). كما طرأت متغيرات أوجدت تقاطعات بين الطبقات في المجتمعات الرأسمالية الحديثة فأدخلت فئات من العمال ضمن الطبقة الوسطى (انظر تعريف محمد الصياد للطبقة الوسطى- صحيفة «الوسط» 11 سبتمبر 2007). وبرأينا تظل الشواهد المعاشة والملموسة تؤكد أن موقع الإنسان في إنتاج الثروة المجتمعية وما يعود عليه من خيراتها لم يزل هو العامل الحاسم في تصنيفه طبقيا.

إقرارا بدور العامل الاقتصادي، ونتيجة لمختلف التعقيدات والتداخلات التي باتت تكتنف التصنيف الطبقي، نحسب أن تداول التصنيف الذي يقسم الناس إلى طبقة عليا من الأغنياء المترفين وطبقة دنيا من الفقراء المحتاجين وطبقة وسطى من غير المترفين وغير المحتاجين، أصبح الأكثر بساطة وقبولا وتداولا. وداخل كل طبقة تتعدد الفئات وفقا للمستويات ولدرجة قرب الفئة أو بعدها من المترفين والمحتاجين. وما دام العامل الاقتصادي هو الحاسم هنا فمستوى الدخل الذي يحظى به الفرد أو الأسرة يظل اليوم أهم معيار للتصنيف الطبقي.

وتختلف المجتمعات في حدود تصنيف طبقاتها وفقا لثرواتها المجتمعية المُنتجة ولكيفية توزيعها بين أفراد المجتمع. وفي مجتمع كالمجتمع البحريني تشكل فيه الأسرة وحدة أساسية ومتماسكة ولها دورها الاقتصادي الواضح في حياة الأفراد، يكون حريا أن ينطلق التصنيف الطبقي في المجتمع لا من الوضع الاقتصادي للفرد بل للأسرة خصوصا بعد دخول المرأة مجالات العمل ومشاركتها الفاعلة في الاقتصاد الأسري ودخل الأسرة.

أخيرا حاز موضوع الطبقات والطبقة الوسطى على وجه الخصوص الاهتمام المجتمعي وعُقدت بشأن المسألة لقاءات ودارت حوارات. وذلك ليس بمستغرب في مجتمع حي متحرك واع ومنفتح كالمجتمع البحريني. هناك دائما الكثيرون - في هذا المجتمع - ممن يحملون همومه، يرصدون متغيراته ويسعون للتفتيش عن سبل التغيير فيه لصالح إنسانه ولتعزيز تقدمه. هؤلاء الغيورون على الوطن هم في غالبهم أبناء الطبقة الوسطى التي بطبيعة تكوينها ومصالحها تتحمل مسئولية الحفاظ على المجتمع وصون مكتسباته والمضي به قدما نحو التطور.

الطبقة الوسطى هي الحاملة للهم المجتمعي والوطني أكثر من سواها من الطبقات، فما يشغل الطبقتين العليا والدنيا أمور أخرى تتعلق بذاتهما ومصالحهما واحتياجاتهما. الطبقة العليا ملهية بتنمية ثرواتها وذلك يستحوذ على اهتمامها أكثر من أي اهتمام آخر. وفي العموم هي غير معنية بالتنمية المجتمعية، وهي على استعداد للتعاون مع أية قوة مجتمعية يحقق التعاون معها ما تتطلع له من زيادة لمكتسباتها وتنمية لثرواتها، حتى لو كان ذلك على حساب الأهداف العامة للتنمية المجتمعية. والطبقة الدنيا التي تكابد ظروفا حياتية صعبة ملهية بالكدح لتوفير لقمتها ولما يُقيم أود عيشها، لا تملك الوقت ولا الوعي - في العموم - للاهتمام بقضايا التنمية والتطور المجتمعي.

أما الطبقة الوسطى فكونها متحررة نسبيا من هموم الطبقتين الأخريين، فهي تملك القدرة على اتخاذ مواقف مستقلة. وكونها تتشكل في الغالب من المتعلمين والمختصين والمثقفين فالأفق مفتوح أمامها لتكوين حس غير ذاتي، حس انتماء وطني عام يدفعها للحراك الاجتماعي والثقافي والسياسي. وفوق ذلك فممارستها الأنشطة المفضية للبناء والتنمية المجتمعية تتلاءم بشكل كامل مع مصالحها. استمرار التنمية والتقدم كفيلان بأن يقربا هذه الطبقة الوسطى من الطبقة العليا المترفة ويبعدانها عن الوقوع في حضن الطبقة الدنيا المحتاجة.

لقد مر المجتمع البحريني المعاصر بمتغيرات نوعية في مسميات ومكونات طبقاته الرئيسة وذلك وفقا لمتغيرات مصادر الثروة الوطنية وتأثيراتها في تحديد حقول النشاط الاقتصادي في المجتمع وما أفرزه من تغيير في البنية الطبقية بالمجتمع. ففي مجتمع ما قبل النفط تشكل مجتمع البحرين من طبقتين أساسيتين هما طبقة الأغنياء من الحكام والتجار أصحاب الأساطيل البحرية التجارية ما بين البحرين والهند و«الطواويش» تجار اللؤلؤ وكبار «النواخذة» قادة سفن صيد اللؤلؤ. وطبقة الفقراء من «الغواويص» العاملين على ظهر سفن صيد اللؤلؤ والمزارعين وصيادي الأسماك والمستخدمين. وبين هؤلاء وهؤلاء شكلت فئات محدودة إرهاصات طبقة وسطى غير واضحة المعالم تتكون من صغار «النواخذة» ووكلاء الأملاك والمساعدين المحيطين بالأغنياء والكتبة ورؤساء المخازن.

ومع انهيار صناعة استخراج اللؤلؤ وتجارته ودخول المجتمع البحريني عصر الصناعة النفطية بدأت تتشكل طبقات مجتمعية جديدة تمثلت الطبقة العليا منها في كبار المُلاك وقدماء التجار الذي غدوا أصحاب المشروعات التجارية والصناعية. وتمثلت الطبقة الدنيا في الطبقة العاملة الفتية التي ارتبطت بصناعة النفط وبعض المشروعات الصناعية الكبيرة ذات العلاقة بتأسيس البنية التحتية الأساسية للمجتمع. إلى جانب العمال الزراعيين وصيادي الأسماك والمستخدمين والفئات الدنيا من الموظفين. وبين هؤلاء وهؤلاء تبلورت - منذ ما يربو على الستة عقود - طبقة وسطى ناشطة وآخذة في الاتساع على جميع الصعد. وقد تكونت الطبقة الوسطى من المديرين والموظفين الحكوميين وموظفي القطاع الصناعي والمؤسسات التجارية والبنكية وضباط قوة الدفاع والأمن العام والعاملين بجميع المهن التخصصية من أطباء ومحامين ومعلمين ومهندسين وغيرهم. وتدريجيا ومع تصاعد وتائر التنمية الاقتصادية في المجتمع أخذت هذه الطبقة تتزايد عدديا وتتسع نوعيا لتستوعب فئات جديدة كفئات من جنود قوة الدفاع وأفراد الشرطة وبعض العاملين بسلك التمريض وصغار التجار وغيرهم.

كانت العقود الثلاثة الفائتة مرحلة صعود للطبقة الوسطى إن على مستوى العدد والاتساع، وإن على مستوى الدور التنموي والوطني والحضاري الذي اضطلعت به هذه الطبقة. وخلال العقود المذكورة حدثت تخلخلات وتغيرات في بنية الطبقة الوسطى تبعا لمتغيرات الوضع الاقتصادي وطفراته، وكذلك تبعا للمتغيرات الاقتصادية والسياسية الخارجية وانعكاساتها على الوضع الاقتصادي البحريني وأوضاع الطبقات في المجتمع. كما لعبت عوامل مثل الكيفية التي يدار بها الاقتصاد الوطني وبروز بعض مظاهر الفساد فيه دورا في إحداث تخلخلات طبقية طارئة.

أما الاهتمام الذي أوليت به أخيرا الطبقة الوسطى في مجتمعنا فمرده ما طرأ على هذه الطبقة في السنوات الأخيرة من تغيرات يتحدث عنها المختصون والمهتمون. يشير هؤلاء إلى أن معدلات النمو الاقتصادي العالية وتوافر السيولة اللافت على أثر الطفرة النفطية الأخيرة والقفزة العامة في جميع الأسعار، تركت آثارها المباشرة على الوضع الطبقي عموما وعلى وضع الطبقة البحرينية الوسطى خصوصا. المرحلة الحالية هي مرحلة حراك وتخلخل في صفوف هذه الطبقة والطبقات الأخرى، فهناك فئات قد حققت صعودا لطبقة المترفين وفئات أخرى يتزايد هبوطها لطبقة الفقراء المحتاجين. نحن نعيش اليوم واحدة من أكبر وأوسع عمليات التخلخل الطبقي التي مرّ بها المجتمع البحريني والتي إن زادت واتسعت فلها - كما يؤكد المختصون - تداعياتها السلبية القادمة على آفاق تنمية المجتمع وحفظ استقراره وأمنه.

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1842 - الجمعة 21 سبتمبر 2007م الموافق 09 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً