العدد 1843 - السبت 22 سبتمبر 2007م الموافق 10 رمضان 1428هـ

السياحة البيئية في جزر حوار والسائحة التائهة في البحر

خولة المهندي comments [at] alwasatnews.com

رئيسة جمعية اصدقاء البيئة

خبر طالعتنا به الصحف بشأن الفتاة السعودية التي تحولت نزهتها على الـ «جتسكي» في جزر حوار إلى فيلم رعب وضياع في البحر وتعطل الـ «جتسكي» حتى وصولها إلى دولة قطر الشقيقة وإنقاذها على يد عائلة قطرية. خفر السواحل البحرينية أبلت بلاء حسنا بحسب وصف الفتاة ووالدها. الشرطة القطرية والعائلة القطرية أيضا أبلوا بلاء حسنا، وهذا ما نتوقعه من السلطات في قطر الشقيقة وما نتوقعه من خفر السواحل في بلدنا وليس ذلك بغريب عليهما.

السؤال الذي علينا أن نطرحه: ما السبب في ذلك الحادث الذي كان من الممكن أن يتحول إلى مأساة؟ قالت الفتاة إن أجهزة السلامة من إضاءة وصفارات استغاثة لم تعمل وقالت أيضا إن عامل الفندق أخبرها أن بإمكانها الذهاب خارج حدود الفندق. عندما تأخر رجوع الفتاة، هل هناك نظام تسجيل يعرف منه عمال مختصون في الفندق مباشرة أن ثمة خطأ ما؟ وهل توجد إجراءات سلامة جاهزة للإطلاق؟

ماذا لو نفد الوقود قبل أن تصل الفتاة إلى الساحل؟ ماذا لو تاهت في البحر وقد حل الظلام؟ ماذا لو لم تمر السيارة القطرية في ذلك التوقيت؟ ماذا لو لم تكن السيارة لعائلة بل كانت لشباب مستهترين؟ ماذا لو كانت الفتاة أقل صلابة وانهارت بمجرد إحساسها بأنها تاهت أو أن الظلام بدأ يحل؟

أليست هناك اشتراطات سلامة تتضمن مراقبة مستأجري الـ «جتسكي» وخط سيرهم وتكشف الانحراف عن الخط المعتاد منذ البداية؟ كيف تسير فتاة لوحدها في البحر لكل تلك المسافة؟ ناهيك عن أساسيات اختيار الأنشطة المناسبة للبيئة وفق أساسيات التنمية المستدامة (بيئية، اجتماعية واقتصادية) والتي نادرا ما يأتي أحد على ذكرها.

لم ننس حادث الدانة الأليم (ولا يجب أن ننساه!) لم ننس مسئوليتنا عن عدم الالتزام بالمتطلبات والالتزامات المترتبة على إقامة سياحة (ناهيك عن سياحة بيئية) في بلدنا. قلنا حينها ونردد الآن: عندما تقع هذه المأساة فإن المسئول الأول ليس مالك السفينة ولا ربانها، ولكنه النظام الذي سمح لسفينة بممارسة السياحة وأخذ ركاب إلى عرض البحر من دون أن يتأكد أن السفينة مهيأة للسياحة الآمنة وأن إجراءات واشتراطات واحترازات السلامة مأخوذ بها وفق أفضل معايير عالمية تليق باسم وتاريخ دلمون وبحارة وغواصي ونواخذة البحرين وخبرتهم في البحر، وتفي بأبسط التزام يتوقعه سائح عندما يؤجر سفينة سياحية في بلد متحضر يريد أن يسجل اسمه في ركب الرقي والتنمية والحضارة.

جزر حوار كانت موقع بحث أجريته قبل سنوات لنيل درجة الماجستير في السياحة البيئية وأمضيت في الجزيرة الأم (حوار) برهة من الزمن، فضلا عن الأوقات التي كنت أزور فيها الجزر الأخرى لمراقبة ودراسة حالات بعينها. خلال إقامتي في الجزيرة الأم من أرخبيل جزر حوار، كنت أراقب أنشطة الفندق الوحيد فيها وأكتب أحد فصول بحثي بشأن الأنشطة السياحية وتحليلها ومدى إمكانية أن تكون أساسا للسياحة البيئية.

قدمت بعض نتائج بحثي في ندوة وورشة السياحة البيئية بسلطنة عمان الشقيقة، أملا في أن يستفيد منها إخواننا العمانيون فلا يكررون أخطاءنا، متمنية أن يتم الحفاظ على جنات البحر والمحيط والخليج والجبل والسفح والوادي في أرض مجان العريقة التي تربطها عناصر عميقة بالبحرين ونشعر فيها بكثير من الراحة والاطمئنان. واستمعت إلى عروض مميزة من خبراء عالميين دعوا مثلي إلى نقل خلاصة تجاربهم وخبراتهم للمختصين المعنيين في عمان وبالذات في ظفار.

وكان من خلاصات ما خرجت به فعالية التنمية المستدامة باتجاه صون الطبيعة تلك، أن السياحة البيئية أو السياحة المستدامة تتحقق فقط عندما يبدأ المشروع على أساس الحفاظ على البيئة والثروات الطبيعية ويوضع المخطط الكامل بغاياته وأهدافه وآلياته وقوانينه واشتراطاته ومعاييره ثم تبنى أركان المشروع السياحي على ذلك الأساس وليس العكس؛ وتلك هي الضمانة الوحيدة: فمتى بدأ المشروع سياحيا أو استثماريا تجاريا فإن ما سيعمل به من إجراءات «بيئية» لن تكون سوى استرضاءات أو حلول ترقيعية أو «ملح يذر في عين الحسود» ولنا أن نتخير بين الأمثلة الحية الكثيرة الشاهدة على ذلك من حولنا.

في ظل غياب جهة تضع الأسس والأطر التي لا يقام مشروع تجاري إلا على أساسها، وفي غياب جهة رقابية حقيقية فاعلة، وفي غياب تطبيق حقيقي للقوانين البيئية ولاسيما ما يختص منها بتقويم الأثر البيئي للمشروعات، وفي غياب شرطة ونيابة ومحكمة بيئية تحدد الجرائم البيئية وتحاسب من أجرم في حق البيئة، فإنه ليس ثمة ما يلزم بتغيير وتعديل الأوضاع الخاطئة القائمة المدمرة للبيئة، المخربة للأنظمة الحيوية (التي من دونها تتهاوى كل أشكال الحياة)، المهدرة لثروات طبيعية غير متجددة، والمخربة لأساسات رفد المصادر المتجددة.

وإن الأمل يبقى في رحمة الله بنا من خلال قرار سياسي قوي ممن سيكتب بحق اسمه عبر التاريخ، أو ضغط مجتمعي يعي خطورة ما يجري ويتحرك بوعي وقوة وإيمان لإنقاذ ما تبقى من بيئته، أساس حياته وإرث أحفاده.

إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"

العدد 1843 - السبت 22 سبتمبر 2007م الموافق 10 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً