العدد 2271 - الأحد 23 نوفمبر 2008م الموافق 24 ذي القعدة 1429هـ

حمزاوي: السياسة الأميركية في المنطقة لن تنقلب جذريا في عهد أوباما

فوز الرجل الأسمر يشكل عقدا اجتماعيا جديدا في الولايات المتحدة... في ندوة «الدراسات والبحوث» //البحرين

دعا كبير الباحثين في معهد كارنيجي للسلام في واشنطن عمرو حمزاوي العرب والمسلمين إلى عدم توقع تحولات سريعة في السياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس المنتخب باراك أوباما، مشددا على أن « الحديث عن عالم متعدد الأقطاب لا يزال حلما بعيد المنال».

وأكد حمزاوي في الندوة التي نظمها مركز البحرين للدراسات والبحوث بشأن (السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط والخليج العربي في ظل الإدارة الأميركية الجديدة) ظهر أمس (الأحد) في مقر المركز بعوالي: «إن انتخاب باراك أوباما يمثل لحظة فارقة في تطور الولايات المتحدة الأمريكية. فوصول أوباما كأول أميركي من أصول أفريقية إلى البيت الأبيض يجسد لحظة تراكمت مقوماتها المجتمعية تدريجيا للتصالح مع الماضي العنصري والتاريخ الطويل لاضطهاد الأقليات وتهميشهم سياسيا».

وقال حمزاوي: « نخطئ عربيا إن نظرنا إلى فوز أوباما بالانتخابات الرئاسية الأميركية فقط من خلال عدستنا الإقليمية، ففيما يتعلق بمضامين الحدث الأمريكي، نحن كثيرا ما نسارع في اختزال أحداث من الوزن العالمي بالتسرع بحصر تأثيراتها على العالم العربي من دون إدراك المضامين الحقيقية لهذه التغيرات، فنحن في العالم العربي أخطأنا عندما انهار الاتحاد السوفيتي، ولم ندرك الأبعاد الحقيقة لانهيار نموذج مغاير للنموذج الغربي، ولم نعرف مضامين هذا الانهيار حتى نستفيد منه، نحن أخطأنا مرة أخرى في التعامل مع 11 من سبتمبر 2001 بالمسارعة في بحث التداعيات من دون أن نقوم بنقد ذاتي لواقعنا».

وأشار حمزاوي إلى أن الحدث الأميركي يمثل لحظة فارقة على مستويات أربعة رئيسية: فالبعد الأول إن انتخاب أوباما يشكل لحظة تصالح للأغلبية الأمريكية مع ماضي الاضطهاد والتمييز العنصري وهي لحظة لتأسيس عقد اجتماعي جديد في العلاقة بين الأغلبية والأكثرية، فالولايات المتحدة بها أغلبية بيضاء ولكن مجموع الأقليات من أصول إفريقية و آسيوية ولاتينية يشكلون معا غالبية المواطنين الأميركيين».

وأوضح حمزاوي أن « انتخاب أوباما يدل بوضوح على أن السياسة في المجتمع الأميركي تجدد حيويتها بشكل مستمر، خصوصا وأننا أمام مشاركة غير مسبوقة من المواطن الأميركي في الانتخابات، وهو الأمر الذي سيمنح أوباما تفويضا شعبيا كبيرا في خطواته المستقبلية».

وشدد حمزاوي على أن إقدام الأميركيين على انتخاب الرجل الأسمر الذي لم يكمل دورته الأولى، فحتى العام 2006 لم يكن يتردد اسم أوباما في الإعلام الأمريكي، لذلك فإن انتخابه يعبر عن رغبة المجتمع الأمريكي في التصالح مع السياسة بعد أحداث قاسية شهدها من إدارة الرئيس بوش، فحيوية هذا المجتمع دفعت بغالبية الأميركيين اختيار القطيعة مع ممارسات بوش على أكثر من مستوى.

وأضاف حمزاوي أن» من المؤكد أن أجندة إدارة الرئيس أوباما ستكون مختلفة عن سياسة بوش، وهي السياسة التي تميزت بمساحة من غياب التوازن داخل النظام الأميركي وكذلك خارجيا، فإدارة بوش استخدمت الأداة العسكرية بشكل كبير، لذلك فإن علينا أن ندرك أن المجتمع الأميركي اختار أجندة أخرى».

ورأى حمزاوي أن «العديد من القراءات العربية تخطأ في تقدير القوة التي تتمتع بها الولايات المتحدة، فعندما نتحدث عن السياسة الأمريكية يجب أن نقر أن واشنطن تمثل القطب الأعظم في المنظومة الدولية، وبالتالي فإن الحديث عن عالم متعدد الأقطاب هي أحلام بعيدة المنال، لأن الولايات المتحدة تنتج ثلث الإنتاج العالمي أما الأقطاب الأخرى التي نبحث عنها أقل إنتاجا بنسبة كبيرة، ولكن هناك فجوة تكنولوجية واسعة، وحتى عسكريا الولايات المتحدة لاتزال متفوقة، ويجب القول أن الولايات المتحدة عندما تتوزان عالميا فإن ذلك يخدم السلم العالمي، ونحن نقر أن هناك عددا كبيرا من المتشائمين في الدور الأميركي، فأميركا غاب عنها التوازن لسنوات طويلة.

وقبل أن نبدأ بقراءة تداعيات الحدث على السياسية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، يجب أن ندرك أن السياسات المتوقعة في إدارة أوباما ستعتمد على أولويات المحيطين به، فنحن أمام دولة بها مؤسسات ومراكز لصناعة القرار داخل السلطة التنفيذية ناهيك عن السلطة التشريعية والرأي العام فضلا عن مراكز البحوث، لذلك فإن معرفة توجهات المستشارين الرئيسين والمناصب القيادية ستشكل أمرا حاسما في معرفة المؤشر البياني للتوجهات المقبلة للولايات المتحدة.

وعن الأولويات المتوقعة لإدارة أوباما أوضح حمزاوي أن هناك تراتبية قادمة، فنحن العرب والمسلمين نضع القضية الفلسطينية على رأس أولوياتنا بينما نتفاجأ بأنها ليست كذلك لدى الإدارة الأميركية وربما توضع في أدنى أولويات الإدارة المقبلة، ولكن يجب علينا أن نعرف ما هو المتاح لأوباما فعليا، وماذا نحن في العالم العربي يمكننا فعله، فنحن أحيانا ننظر سلبا إلى العالم الخارجي رغم وجود إمكانيات التأثير التي علينا أن نستخدمها ونقدمها إلى الإدارة الأميركية بمطلبية عربية.

وأوضح حمزاوي «أن الأزمة المالية من جانب وجاذبية شعار التغيير الذي طرحه أوباما دفعا بالناخب الأميركي لأن يختار التغيير، وفي تصوري أن للسياسة الأمريكية نقاط ارتكاز كثيرة، فأوباما يعتقد أن السياسة الخارجية الأمريكية افتقدت التوازن بالتعويل على القوة العسكرية فقط، وبالتالي فإن نقطة الارتكاز الأولى ستكون لدى الرئيس الجديد هي التعويل على الأداة الدبلوماسية مع بقاء القوة العسكرية كخيار متاح».

وشدد حمزاوي على أن السبب الرئيسي الذي سيدعو أوباما للتغيير هو كلفة السياسة الخارجية، وخصوصا في العراق وأفغانستان، لأن دافع الضرائب الأميركي لم يعد قادرا على التحمل أكثر، لأن التواجد العسكري الأميركي يكلف الملايين من الدولارات يوميا، ولذلك فإن الرئيس أوباما سيعيد صياغة الدور العسكري الأمريكي خارج الولايات المتحدة، وكذلك بالنسبة إلى الهيمنة الانفرادية التي تتسم بها الولايات المتحدة مع العالم، لأن أوباما أقرب إلى مدرسة متعددة الأطراف تقوم على التعاون مع الحلفاء لإشراكهم في القرار».

ولفت حمزاوي أنه بالرغم من أن إدارة الرئيس جورج بوش اعتمدت على السياسة العسكرية إلى حد كبير، وأنها لم تراعِ الحلفاء، إلا أن إدارة بوش أنتجت مجموعة من الخطوط الحمراء التي تخدم المصالح الأميركية الاستراتيجية، فهناك خطان أحمران لن يتغيرا وهما: احتواء إيران والأمر الثاني الحفاظ على أمن إسرائيل.

ورأى أن الكلمة الأدق هي أن أوباما سيسعى وإلى ترشيد السياسة الخارجية الأميركية ولكن ليس تغييرها على نحو جذري كما يتصور بعض الساسة في المنطقة، فالفريق المحيط بأوباما وهو الفريق الرئيسي الذي سيدير الإدارة الأميركية هو فريق من الواقعيين في الحزب الديمقراطي، ومن هنا يمكن القول أن الإدارة الجديدة ستحاول أن تعود إلى مدرسة الرئيس السابق بيل كلنتيون، وهذا الفريق الديمقراطي المحيط بأوباما يبحث عن الدبلوماسية ولكنه فريق مهتم بالحفاظ على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، وهذه مؤشرات كلها في صلب قراءة المدرسة الواقعية، وهدف الفريق المقبل هو إعادة التوازن للسياسة الخارجية الأميركية مع الحفاظ على مصالحها في ظل عالم متغير.

وأشار حمزاوي إلى أن أولويات الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط سترتكز على أربعة أهداف رئيسية هي: ضبط وتنظيم الوجود العسكري الأميركي في العراق، وإدارة الملفات الإيرانية المختلفة والتي تشمل المسألة النووية، والنفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة، وكذلك ملف العلاقات الثنائية مع طهران.

وذكر حمزاوي أن الهدف الثالث لإدارة أوباما في الشرق الأوسط هي أمن الخليج وتأمين إمدادات النفط، فضلا عن إعادة صياغة الخريطة الإقليمية بتشعباتها المختلفة: ومنها تحديد مسار العلاقة مع سورية، وتأكيد العلاقة مع عدد من القوى الفاعلة في فلسطين ولبنان.

وحذر حمزاوي من الإفراط في التوقعات قائلا: «لا يمكننا أن نعلي من سقف توقعاتنا من الإدارة الأميركية الجديدة، لأنها لم تأت في وضع وردي، فالإدارة ستكون مأزومة بملفات أميركية داخلية، وعليها أن تطرح خطة الإنقاذ الاقتصادي أولا وقبل كل شي، فالأزمة المالية ستستغرق الجهد الأكبر من إدارة أوباما، ويجب ألا نتوقع من هذه الإدارة القيام بمبادرات سريعة في الخارج، لذلك يجب ألا نتوقع كثيرا، لأن في العامين الأولين يمكن القول بمساحة مرضية من الثقة إن إدارة أوباما ستركز على الملف الاقتصادي الداخلي ومن ثم على الوجود العسكري في العراق.

ودعا حمزاوي للتفريق بين الوعود الانتخابية وبين السياسة الواقعية، وشدد على أن الولايات المتحدة لن تنسحب من العراق خلال 16 شهرا كما أعلن أوباما مرارا، لأنه طموح ولكنه غير قابل للتنفيذ بشهادة القادة العسكريين وتعقد الوضع العراقي الداخلي، خصوصا وأن رغبة الحكومة العراقية المعلنة هو بقاء القوات الأمريكية ثلاث سنوات أخرى وهذا ما نصت عليه الاتفاقية الأمنية التي يناقشها البرلمان العراقي حاليا.

واستدرك حمزاوي قائلا: «و لكن الصحيح أن أوباما سيعمل على جدولة الانسحاب بصورة متصاعدة لخفض معدلات وجود القوات الأمريكية في العراق ولكن لن يتمكن من الانسحاب كليا، ومن الصعب الحديث عن شكل الوجود العسكري الأمريكي المستقبلي في العراق، فقي داخل إدارة أوباما، يمكن الإشارة إلى وجود فريقين، فالفريق الأول يتحدث عن وجود قواعد عسكرية ووظيفتها الحرب على الارهاب، والفريق الآخر هو « الفريق الليبرالي»، وهذا الفريق يريد انسحابا سريعا مع الاحتفاظ بالقواعد العسكرية في الخليج.

إلى ذلك بين حمزاوي أن احتواء النفوذ الإيراني داخل العراق والمنطقة عموما سيكون أمرا رئيسيا بالنسبة لإدارة أوباما، والفارق هو في التكتيك والوسائل والآليات، فالإدارة الأميركية ستبحث عن الحلول التوافقية، لأن من الصعب مقاومة النفوذ الإيراني داخل العراق مع وجود معطيات حقيقية على الأرض».

وأشار حمزاوي إلى أن المفتاح الرئيسي للتوصل لحل في العلاقات الأميركية- الإيرانية سيبدأ من نقطة انطلاق في مساحة توافق مشتركة لدى الولايات المتحدة وإيران في العراق وأفغانستان، فبالنسبة للولايات المتحدة فإن الطرف الإيراني لا يرفض التعددية السياسية، خصوصا وأن المنافسة ستأتي على الأرجح بقوة ليست معادية، وأميركيا تتفق مع إيران بأن تكون العراق غير مهددة لدول الجوار، كما يلتقي البلدان على كبح جماح التيارات المتطرفة في العراق وما بقي من عناصر القاعدة في هذا البلد».

ولفت حمزاوي إلى وجود تفاؤل كبير ومبالغ فيه في أوساط النخبة الإيرانية ومبالغة كبيرة في قراءة مدلول البحث الأميركي، فالولايات المتحدة ستدخل المفاوضات، ولكن واشنطن لن تفاوض إيران من موقع الضعف بل من موقع القوة.

كما بين حمزاوي أن الإدارة الاميريكة الجديدة ستحافظ على الخطوط الحمراء التي وضعتها إدارة بوش في الملف الإيراني، فهي لن تسمح بدورة إنتاج الوقود النووي الإيراني، والخط الأحمر الثاني هو مقاومة النفوذ الإيراني، فإدارة أوباما ستعتمد على مقاربة دبلوماسية، ولكن أميركيا لن تقبل على المفاوضات بعروض مغرية ومفتوحة، فصحيح أن الإدارة الأميركية ستنفتح تفاوضيا بدون شروط ولكن الطرف الأميركي سيطرح الخطوط الحمراء على الطاولة أيضا».

ولكن حمزاوي أقر بأن على الولايات المتحدة أن تقدم ثمنا لإيران: «لا بد من تقديم ثمن ما في مائدة المفاوضات، وقد يكون الثمن دمج إيران في منظومة الأمن الخاصة بدول الخليج، فهناك مؤشرات لإعطاء دور إيراني في هذا الجانب، ولكن في المقابل إيران لا بد من أن تحسم أمرها فهل هي تبحث عن مساومات أم تبحث عن زعزعة الوضع في المنطقة» مؤكدا أن» واشنطن ستعمل على أن رجحان كفة المعتدلين في طهران».

وفي كلمته أوضح رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث محمد جاسم الغتم: إذا كان هناك قوة دولية واحدة تؤثر في العالم كله فإنها الولايات المتحدة الاميريكية بلا منافس، وبعد أقل من شهرين سيصبح أوباما رئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم، وهذا يمثل الحدث الأهم في تاريخ الولايات المتحدة ولربما أحد التغييرات المهمة في تاريخ البشرية.

وشدد الغتم على أن انتخاب الرئيس الأسمر دليل على تصالح المجتمع الأميركي مع قواه المهمشة، فضلا عن مؤشر لبروز قوة الفرد أمام اللوبيات، وكذلك فإن خارجيا يلامس تطلع شعوب العالم نحو التغيير للأفضل، وقد تجلت هذه التوجهات في الشعبية الكبيرة لأوباما ليس في أميركا وحدها بل في عدد كبير من بقاع العالم»

العدد 2271 - الأحد 23 نوفمبر 2008م الموافق 24 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً