العدد 1848 - الخميس 27 سبتمبر 2007م الموافق 15 رمضان 1428هـ

فرنسا تعاكس خط الصداقة مع العرب والمسلمين

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في البداية، نلتقي بالتصريح اللافت لوزير خارجيّة فرنسا الذي يتوقّع الأسوأ بالنسبة إلى المسألة الإيرانيّة، وهو الحرب، والذي قال فيه: إنّ فرنسا تريد أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوباتٍ على إيران خارج إطار الأمم المتّحدة، لدفعها إلى تعليق أنشطتها في مجال تخصيب اليورانيوم، وأكد كوشنير أنّ حصول إيران على السلاح النووي سيكون خطرا على العالم أجمع. وقد حاول الوزير الفرنسي إعطاء تفسيرات جديدة لتصريحه إلا أن هذه التفسيرات لم تخرجه عن إطاره وهدفه.

ولنا أن نتساءل - أوّلا - عن هذه الحماسة الفرنسيّة، وهل أنّ فرنسا الجديدة التي أعلنت عن صداقتها الكبرى للولايات المتّحدة الأميركية و»إسرائيل» تحاول أن تؤكّد هذه الصداقة بالمزايدة على هاتين الدولتين، إذ تقول أميركا أقله علنا إنّ الدبلوماسيّة هي الخيار المفضّل لحلّ مسألة البرنامج النووي الإيراني.

ومن جهة أخرى، يعتبر هذا الوزير أنّ القنبلة الذرّية الإسرائيليّة هي قنبلة سلام، على رغم أنّ هذه الدولة غير الشرعيّة، كانت - منذ تأسيسها - خطرا على المنطقة كلّها؛ بل قد تكون خطرا على العالم من خلال التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتّحدة الأميركية، التي لاتزال تفرض الحروب المتنقّلة، وتحرّك المشكلات في المنطقة من خلال إرباك علاقات الدول بعضها ببعض، ولاسيّما العلاقات العربية الإيرانية لمصلحة «إسرائيل»، بينما لم تقم إيران بأيّ اعتداء على محيطها، بل كان كلّ دورها هو الدفاع عن نفسها وعن الشعوب المستضعفة المتطلّعة نحو الحرّية.

لقد كنّا نريد لفرنسا - في حكمها الجديد - أن تتمايز في سياستها عن الولايات المتّحدة الأميركية، وأن تقترب أكثر من منطق الشعوب التي تعشق الحرّية والاستقلال كما عاشته فرنسا في عنفوانها التاريخي، فمثل هذه المواقف لن تمنح فرنسا قوّة كبرى، ولن تحقّق لها الثقة من شعوب المنطقة؛ لأنّها تتحرّك في منطقٍ معاكس لخطّ العدالة والصداقة الحقيقيّة للعرب والمسلمين، كما أنّها لن تستطيع الحصول على موقعٍ جديد للنفوذ إلا على هامش النفوذ الاستكباري للولايات المتّحدة الأميركية.

وفي خطّ موازٍ، يتحرّك بعض صقور الحرب من المحافظين الجدد، من أجل تشجيع الرئيس بوش على توجيه ضربة قاصمة إلى إيران. ولكنّنا نرى أنّه من الصعب أن يصل هذا المشروع إلى الواقعيّة الفعليّة، وذلك لأنّه يصطدم بالانخفاض الهائل في شعبيّة بوش، ومخاوف حلفائه الأوروبّيين من سياساته، وقلق دول المنطقة من الانعكاسات المحتملة لأيّة مغامرة أميركية ضدّ إيران، كما يصطدم بطبيعة الانتشار العسكري الأميركي الحالي في العراق والمنطقة، وافتقاره إلى قوّات أميركية جديدة، إضافة إلى طبيعة التعقيدات والتجاذبات في الساحة العراقيّة من جهة، وضغوط الكونغرس الأميركي على بوش لسحب قوّاته منها، أو تخفيض عددها بالحدّ الأدنى، من جهة ثانية.

كما أنّ أيّ ضربة من هذا النوع قد تؤدّي إلى اندلاع حريق شامل في المنطقة، وإلى فقدان التوازن في أسعار النفط...

إنّنا نحذر من أن يتحرّك الجنون الأميركي - في إدارة بوش - من خلال محاولة هذا الرئيس إنهاء ولايته باستعراض عسكري للقوّة، حتّى لو سقط الهيكل على رؤوس الجميع، ومنهم حلفاؤه، ولاسيّما دول الخليج التي لا حول لها ولا قوّة أمام القرارات الأميركية.

ويبقى الحديث عن مؤتمر بوش للسلام، إذ أثار بعض الدول العربية المدعوّة إلى حضوره بعض التحفّظات عن جدّيته، كما أعلن رئيس وزراء العدوّ عن خفض سقف التوقّعات، مُِشيرا إلى أنّ كيانه والسلطة الفلسطينيّة يعكفان على بيان مشترك لا يتضمّن اتّفاق مبادئ، بل إعلان نيات؛ لأنّ حزبين إسرائيليين يرفضان التوصّل إلى إعلان مبادئ.

لقد أكّدنا منذ البداية أنّه لن يُكتب النجاح لهذا المؤتمر؛ لأنّ «إسرائيل» ليست مستعدّة أن تقدّم أي ّتنازل للعرب إلا إلى مستوى ما يقرب من ورقة التوت، وهذا ما أكدته تصريحات وزيرة الخارجيّة الأميركية التي أعلنت أنّها مقتنعة بوجهة نظر رئيس وزراء العدو؛ لأنّ أميركا لا تستطيع إلا الموافقة على ما تقرّره «إسرائيل»، ولو كان ذلك على حساب العرب كلّهم الذي يقدّمون التنازلات تلو التنازلات، بدءا من مؤتمر مدريد، إلى القمّة العربية في بيروت، إلى ما بعدها من دون أن يحصلوا على شيء.

وإنّنا - من خلال هذا الاتجاه في إدارة مشروعات المفاوضات - نرى أنّ بقاء المقاومة لايزال في حجم الضرورة الاستراتيجية، في عمليّة تحرير الأرض الفلسطينيّة وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة التي لايزال الكثيرون يعلنونها في نطاق الشعارات الاستهلاكيّة التي يملك العدوّ السيطرة على جدّيتها وواقعيّتها.

ولذلك، فلابدّ للمجاهدين من تعبئة قدراتهم القتاليّة؛ ليكونوا امتدادا للتجربة التحريرية للمجاهدين في لبنان، ولاسيّما أنّ بعض المسئولين العسكريّين يؤكّد أن «إسرائيل» استعادت قدرتها الردعيّة التي تضرّرت جرّاء حرب لبنان الثانية؛ وبالتالي فإنه لابد للمقاومة الفلسطينية من أن تضاعف قوّتها بحيث تتحوّل إلى مشكلةٍ للعدوّ بدلا من أن يكون هو مشكلة لها، وخصوصا في الوقت الذي يقرر أن غزة كيانٍ معادٍ، الأمر الذي يشير إلى مرحلة جديدة من مراحل الوحشية الإسرائيلية التي ستنطلق في العدوان عليها والتي تعطي الجيش الإسرائيلي الحرية في تدميرها وقتل المدنيين.

أمّا العراق، فإنّنا نجد في الخلافات بين قواه السياسية، وما يليها من انسحابات متحركة من الحكومة على أساس عناوين تفتقد الواقعيّة وتبتعد عن خطّة الوحدة الوطنية وتنفتح على الفوضى... إنّنا نجد في ذلك خطرا على العراق كلّه؛ لأنّ ذلك لن يبقي فيه أيّة قوّة ضاغطة؛ الأمر الذي قد يؤدّي إلى بقاء القوّة للاحتلال الذي يؤكّد عزمه البقاء طويلا في العراق، من أجل استمرار السيطرة على مقدّراته، ولاسيّما النفط الذي تحدّث بعض المسئوليّن الأميركيين بأنّ غزو العراق كان من أجله، كما أنّ ذلك يشجّع التكفيريّين على أعمالهم العدوانيّة ضدّ الأبرياء.

إنّنا نريد للكتل السياسية المتنوّعة في العراق أن تتحمل المسئوليّة الكبرى لمنع تمزيق الحالة السياسية فيه التي قد تتحوّل إلى حالةٍ من تمزّق الوطن كلّه، وعليهم أنّ يتّقوا الله في عباده وبلاده، وأن يتحرّكوا بمسئوليّة مواقعهم التي يرتفعون من خلالها إلى مستوى القضايا الكبرى، في حماية المصير والمستقبل.

أمّا لبنان، فإنّه لايزال يبحث عن رئيس للجمهوريّة في واشنطن، وباريس، وفي الاتحاد الأوروبي، أو في مجلس الأمن، وفي أكثر من بلدٍ عربيّ، ولكن بواسطة الوكلاء الذين يديرون الأزمة، في عمليّة استعراض للقوّة السياسية، وتبادلٍ للاتهامات والشتائم، واستقبال الموفدين الدوليين والإقليميّين الذين يقدّمون للبنانيّين المواعظ والنصائح للاتفاق على حلّ من الداخل، ولكنّ المراقبين يعرفون أنّ هناك ألغاما في أكثر من موعظة ونصيحة؛ لأنّ القضيّة هي أنّ كثيرا من اللبنانيّين رضوا بأن يبقى لبنان ميدانا لسباق النفوذ، ولتحريك المشروعات الدوليّة، ولاسيّما الأميركية، ولاستهلاك الحديث عن المجتمع الدولي الذي أصبح من المقدّسات السياسيّة لدى البعض، في الوقت الذي لا يتحرّك اللاعبون الدوليّون إلا من خلال مصالحهم الذاتيّة التي تغيّر تحالفاتها حسب اتجاه خطّ المصالح بين لحظةٍ وأخرى.

لعلّ مشكلة لبنان واللبنانيّين أنّهم أدمنوا كثيرا من رموز الطبقة السياسيّة، وباتوا يخافون أن يحرّكوا إرادتهم في سبيل التغيير، انطلاقا من أوهامٍ ابتدعوها وخضعوا لها، أو مخاوف أنتجوها واستسلموا لها، وأفقد النظام الطائفيّ الذي يقدّسه الجميع فرصة وصول الكفاءات إلى مواقع إدارة البلد، حتّى استعصى الفساد على دعوات الإصلاح، وبات الظُلم خطّا من ضرورات السياسة، والكذب والنفاق واقعيّة، وأُبعدت كلّ القيم عن أن تضبط حركة الواقع؛ لتكون مجرّد شعارات خالية من أيّ مضمون.

إنّ الله تعالى يقول: «إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم» (الرعد:11).

وأخيرا: إن علينا أمام ما يحدق بالبلد من مخاطر وما يطل عليه من أوضاع سلبية، وخصوصا بعد الجريمة الأخيرة أن ننطلق في حركة سياسية جدية ومسئولة للانتقال بالبلد من ساحة الفوضى السياسية والأمنية إلى ميدان الوفاق لنقطع الطريق على كل العابثين بأمنه واستقراره والساعين إلى تعريض مصيره ومستقبله لخطر الفوضى والدمار.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1848 - الخميس 27 سبتمبر 2007م الموافق 15 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً