العدد 1854 - الأربعاء 03 أكتوبر 2007م الموافق 21 رمضان 1428هـ

الوفاء لأنانية الذات

عندما يلتفت الإنسان إلى وجوده فإنه يسعى إلى ماذا سيكون، وحينما يمضي به الزمن فانه يكون إنسانا آخر يبحث عن ماذا كان، فالأشياء المادية تكون قد طحنها الزمن تحت رحمته إلا ما أبقته الصدفة في مذكراتها، وذاكرة الزمن قد هرمت فلا تتذكر إلاّ القليل من المواقف التي فرضت بقاءها بين حطام الذاكرة الباليه، وهذا ما وجدناه في الفنان (محمد المهدي) ذلك الشخص الهادئ الباحث عن هويته الطفولية الذي جسد جزءا يسيرا من مشاهدها في معرضه الثنائي الأخير في صالة الرواق وبعض الأعمال التي نفذت حديثا.

فعندما لملم ذاكرته وتصفح في مجلداتها صعب عليه أنْ يحلل فيزيائياتها المتفككة ، فكان لحادث السير عند طفولته وبقائه في المستشفى وبقاء آثار الحادث النفسية والجسدية عليه وقعا في توثيق سيرته، فكانت هذه المشاهد ملازمة للمهدي في محتويات ذاكرته، والصدفة الأخرى أنّ خزانة الملابس القديمة مازالت موجودة في كراج السيارة يستخدمها والده كخزانة لبعض المستلزمات المنزلية حيث وجد فيها ضالته من رسومات ومشاهد قد رسمها في مرحلة طفولته على باب الخزانة من الداخل بتصوير مواقف حقيقية قد تعرّض لها من ناحية حادث السيارة مثلا أو معايشته للكلاب وغدرها به وارتباطه الوثيق بالخيل, فأخذ ينفذها بمشاهدها المختلفة متأثرا بمواقفها حين استيعابه للمذكرة التاريخية في الارتباط بالأحداث عن قرب في الفترة الزمنية الحالية وصدقه في التعبير والتنقلات العفوية في شرح الأحداث من خلال تجسيد الشكل من منظور مشاكسة الأطفال في الفترة ذاتها وعدم الإحساس بالمسئولية أوكأن الدنيا خلقت لهم دون غيرهم، مما جعل الجمهور يتفاعل مع الأعمال فكانوا يعيشونها عن قرب ؛لأنها تتحدّث معهم مباشرة لقربها منهم ومن مشاهداتهم الحيّة لمثيلاتها في أحيائهم، فقبل أنْ يفتتح المعرض اقتنيت معظم أعماله فكان نجاح المعرض بالنسبة للمهدي مأساة وتأجيج لمشاعره وفقدانه لطفولته مرة أخرى بعد أن كتبت له الصدفة أن يسترجعها ليفقدها مرة أخرى, فلم يكتفي المشاهد باقتناء أعماله بل طلبوا منه تنفيذ المزيد بعد المعرض لشرائها فتعذر وأحس بالخيانة الذاتية لطفولته إذا رضخ لذلك. فلا يريد أنْ يبيع طفولته أكثر من ذلك حتى يستفيق من غفوته فيرى أنّ مذكراته سراب أو أطلال يتغنى عليها.

فقد رسم بعد ذلك لوحة تجسد العروس في ليلة زفافها على نفس النمط ليتركها في زاوية من زوايا المرسم يتيمة لايحبذ حتى عرضها في الوقت الحالي بل يتركها في (مثلث برمودا) ليتراكم عليها الغبار ويأكل الدهر عليها ويشرب لتبقى آثاره يملكها ويملك ما كان! وينام في كهفه متصوفا ومرتاح الضمير

*فنان تشكيلي بحريني

العدد 1854 - الأربعاء 03 أكتوبر 2007م الموافق 21 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً