العدد 1854 - الأربعاء 03 أكتوبر 2007م الموافق 21 رمضان 1428هـ

الضغط والتأثير

أثناء ممارستنا أنشطتنا اليومية، يتوقع منّا أنْ نتصرّف بطريقة معينة، سواء كان ذلك في المنزل أو العمل أو الجامعة. ولو لاحظ المرء ما يعمل فإنه سيرى أنّ جميع تصرّفاته تتأثر بالأشخاص المحيطين به. وهؤلاء يضغطون باستمرار على المرء لكي يتصرّف بطريقة معينة. فالابن، مثلا، قد يحاول إقناع والده للخروج في رحلة مع أصدقائه، وقد يحاول بعض الأبناء «التهديد» بالهروب من المنزل إذا لم يسمح لهم بالخروج. جميع هذه التصرّفات تدخل ضمن محاولات الضغط والتأثير للحصول على أمر ما.

- الفرق بين «الضغط» و«التأثير» بسيط، وبعض الأحيان لا يستطيع المرء التفريق. الضغط يقصد منه ذلك النشاط الذي يحاول إقناع الآخرين «بصورة منظمة» من أجل الحصول على أمر ما. مثلا، «الأب والأم» يتفقان على ممارسة الضغط على ابنهما.

- التأثير، عادة لا يكون منظما مثل الضغط. التأثير عادة يكون بصورة غير مباشرة. مثلا، لاعب كرة قدم محبوب، يؤثر على أنصاره بصورة لم يكن هو يقصدها في الأساس، وأثره ينتج عن جماهير غفيرة تقوم بما يقوم به لاعب الكرة المحبوب نفسه.

- التأثير، مرتبط بالأشخاص ذوي الصلاحية. والصلاحية تعطى للأشخاص لأسباب تقليدية، أو عقلانية، أو لأسباب الهيبة الشخصية (الكاريزما) كما تقدّم ذلك.

- إنّ وسائل الضغط التي يمكن استخدامها بصورة منظمة كثيرة جدا وتحتاج كل واحدة لدرس بحاله.

- مثلا لو أردت أنْ تضغط على أخيك الصغير، فقد تقول له «أنا أكبر منك، وعليك أنْ تنصاع لما أقول»، أو قد تهدده بالقوة. ولو أردت أنْ تضغط على والديك أو أصدقائك فإنك ستلجأ لوسائل ضغط أخرى.

- إنّ مقدار الضغط الذي نستطيع القيام به يعتمد أيضا على مقدار السلطة والصلاحية التي نملكها. فالأستاذ في الجامعة لديه سلطة وصلاحية معينة يستطيع من خلالها، إذا أراد، أنْ يضغط على الطلاب. الطلاب، ومن خلال اتحادهم، يستطيعون الضغط على الجامعة.

- هناك أشخاص يستطيعون الضغط من خلال إبراز الجانب الأخلاقي والمعنوي. مثلا، قد لا تملك مجموعة سلطة وصلاحية أكثر من غيرها ولكنها تقوم بالدعوة لأعمال خيّرة لا يستطيع أن يقول لها أحد إن ما تقوله خطأ. هذا الأسلوب «كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، هو وسيلة ضغط من نوع آخر. ومثال آخر، الدعوة إلى الحفاظ على البيئة من أشخاص لا يملكون سلطة أو صلاحية ولكنهم يؤثرون على قوى كبيرة في العالم بسبب دعوتهم الأخلاقية.

- الأشخاص والجماعات لايملكون الكثير لمواجهة تأثير الشركات الكبيرة والحكومة، ويشعرون أنهم بمفردهم لا يستطيعون الضغط. ولهذا فإنّ الأفراد في المجتمعات المتطوّرة يدخلون في تحالفات، اتحادات، نقابات، لكي يستطيعوا الضغط على أولئك الذين يملكون الكثير من السلطة والصلاحية، وأكبر مثال على ذلك، النقابات العمالية.

- في المجتمعات الحديثة تنتشر مئات وآلاف المجموعات التي تسمى «مجموعات ضغط» لممارسة الضغط على أصحاب السلطة والصلاحية للحصول على هدف محدد. مجموعة الضغط تسمى أيضا مجموعة مصالح؛ لانها تدافع عن مصالح معينة.

- وهناك أيضا أحزاب سياسية. والأحزاب السياسية قد تحتوي على مجموعات مصالح. والفرق هو أنّ «مجموعات المصالح»، لا تهدف للوصول إلى زمام الحكم وإنما للحصول على هدف محدد من الماسكين بزمام الحكم. ومجموعات المصالح تختلف عن الأحزاب السياسية في أنّ الأحزاب تسعى للسيطرة على الحكم بوسائل مشروعة. أما مجموعات المصالح فإنها محدودة بنوعية معينة من الأشخاص. مثلا «اللوبي اليهودي» في أميركا يهدف لأمر واحد فقط، وهو حماية مصالح «إسرائيل» واليهود. جمعية الرفق بالحيوان تحتوي على نوعية معينة من الأشخاص وتهدف لأمر واحد.

- مجموعات المصالح (او مجموعات الضغط) تسمى بالإنجليزية «Interest Groups»، أو «Pressure Groups»، أو «Lobby». والحياة السياسية العصرية تحتوي بصورة أساسية على الكثير من مجموعات المصالح/الضغط، بصورة متكاملة. ومجموعات المصالح تختلف في الحجم والقوة والقدرة على الوصول للهدف. فأعداد اليهود مثلا، ليست كثيرة ولكن عملهم المنظم يوصلهم لأهداف كبيرة. الجمعيات المهنية لها دور كبير. مثلا، إذا قالت جمعية الأطباء: إنّ هذا النوع من الأكل يضرّ بالصحة، فإنّ أثر هذه المجموعة (وهي مجموعة مصالح/ضغط) كبير جدا على الجميع.

- ولهذا فإنّ مجموعات الضغط/ المصالح تنقسم إلى نوعين: مجموعات «دعائية/ توعوية» Promotional، ومجموعات تدافع عن شيء - أي انها «دفاعية» (Protective).

- المجموعات الدعائية/ التوعوية تسعى للدعوة من أجل قضية معينة من خلال التوجه - عادة - لجميع الأشخاص في المجتمع.

- المجموعات الدفاعية، تسعى للدفاع عن فئة معينة في المجتمع.

- المجموعات الدعائية/التوعوية تعتمد على أشخاص يقدّمون طاقاتهم من أجل غاية معيّنة بصورة طوعية ومتواصلة و«مستميتة»، مثل منظمة العفو الدولية وغيرها.

- المجموعات الدعائية/ التوعوية، عادة تنتهي عندما يتحقق هدفها. وفي العادة فإن المجموعات الدعائية ليست تمثيلية. بمعنى أن الأشخاص لم يتم انتخابهم من قبل مجموعات بشرية، وإنما هم أشخاص يؤمنون بقضية معيّنة ويمارسون عملهم بصورة تطوعية/إيمانية من دون هوادة. والمجموعات الدعائية/الطوعية تسمى أحيانا «CAUSE GROUPS».

- المجموعات الدفاعية وتسمى أحيانا «SECTIONAL INTERESTS»، تمثل مجموعة من الناس في المجتمع وتسعى للحصول على قوتها من خلال الحصول على موافقة أولئك الأفراد. وأكبر مثال على ذلك «النقابات العمالية».

- المجموعات الدفاعية تخضع لمحاسبة المجموعات التي تمثلها من خلال الانتخاب أو الإجماع أو أية وسيلة للحصول على صفة التمثيل من خلال «رضا» تلك المجموعة.

- والمجموعات الدفاعية، تعمر أكثر؛ لأنها مرتبطة بوجود تلك المجموعات داخل المجتمع التي تسعى للضغط على أصحاب السلطة والصلاحية للحصول على هدف معين. فالنقابات العمالية، وغرفة التجارة والصناعة، والجمعيات المهنية، جميعها تعتبر مجموعات دفاعية «PROTECTIVE GROUPS».

- مجموعات الضغط/المصالح بمختلف أنواعها تمارس العمل المنظم للضغط على الحكومة وإدارات الدولة والبرلمان والشعب. كما وتحاول الضغط على وسائل الإعلام.

- عندما تتوجّه مجموعات الضغط/المصالح للشعب فإنها تواجه الرأي العام الذي يصعب السيطرة عليه وتوجيهه. ولذلك فإن مجموعات الضغط في الدول المتقدمة تزيد من نشاطها أثناء فترة الانتخابات لكي تضغط على الرأي العام ليمارس الشعب دوره من خلال الضغط على الأشخاص الذين سينتخبهم. وكثير من مجموعات الضغط تعتمد على تمويل من عموم الناس ولذلك فإنها تسعى دائما لإقناع الشعب بأهمية دورها. فهناك مجموعات ضغط «دفاعية» مثل رعاية الفقراء، وهي تحتاج إلى مساندة الناس دائما للاستمرار في دورها للدفاع عن الفقراء. و«الصناديق الخيرية» تدخل ضمن هذا المجال.

- المجتمعات الحديثة تعطي الحرية لجماعات الضغط لممارسة أدوارها المشروعة. وتعتبر جماعات الضغط/المصالح من أهم ركائز المجتمع الديمقراطي. فهذه الجماعات تمارس دورها لموازنة الأمور ومنع طغيان الماسكين بمفاصل السلطة في البلاد.

نقاشات في ورش عمل نظمت في 1998

العدد 1854 - الأربعاء 03 أكتوبر 2007م الموافق 21 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً