العدد 1856 - الجمعة 05 أكتوبر 2007م الموافق 23 رمضان 1428هـ

«المؤتمر الدولي»... والمناورة لكسب الوقت

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في نهاية رمضان المبارك وبعد عيد الفطر يتوقع أن تقوم وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بزيارتها السابعة في السنة الجارية لدول المنطقة. ويرجح أن تشمل زيارتها الآخيرة جولة على مصر والأردن وفلسطين وتل ابيب للبحث في تفصيلات جدول أعمال «المؤتمر الدولي» الذي سيعقد في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

الزيارة السابعة قد تكون الآخيرة قبل أن تبادر واشنطن إلى توجيه الدعوات لحضور «المؤتمر» الذي يراهن عليه الرئيس جورج بوش ويرى أنه يشكل ذاك الإطار القادر على تحريك الجمود في «الشرق الأوسط».

حتى الآن لم تحدد أسماء الدول التي ستوجه إليها دعوة للحضور إلى واشنطن. فهل يقتصر «المؤتمر» على مصر والأردن وفلسطين و»إسرائيل» أم توسع دائرته لتشمل سورية ولبنان ودول الخليج العربية؟ أسماء الدول مهمة لمعرفة مدى جدية واشنطن في البحث بإيجاد الوسائل الواقعية التي تمهد لاحتمالات نجاح الفكرة أم فشلها. فاذا كانت الدعوة تقتصر على بعض الدول فمعنى ذلك أن الإدارة الأميركية تريد البحث في جزء من المشكلة وترك الأجزاء الأخرى إلى وقت لاحق. وإذا كانت الدعوة عامّة وتشمل كلّ الدول المعنية بالأزمة فمعنى ذلك أنّ إدارة بوش قررت الذهاب بعيدا في تعاملها مع قضية مزمنة ومركزية تفرعت عنها أزمات واحتلالات وصدرت بشأنها قرارات دولية واضحة في فقراتها ومدلولاتها.

عزل جزء من المشكلة عن الأجزاء الأخرى يعني أن الأزمة ستبقى مستمرة وستكون مفتوحة على احتمالات سلبية كثيرة قد تؤدي إلى خلخلة التوازنات ودفع الأطراف الفلسطينية والعربية إلى التضارب أو التنافس على الفوز بالأولوية في وقت تكون فيه تل ابيب تستعد إلى خوض مواجهة أو مغامرة للإطاحة بالمنظومة الأقليمية التي استقرت عليها المنطقة بعد تحطيم سلطة ياسر عرفات واحتلال العراق والعدوان على لبنان.

حتى الآنَ لم تظهر صورة واضحة ترسم الخلفيات التي شجعت بوش على الترويج لفكرة المؤتمر الدولي في وقت تبدو ملامح «خريطة الطريق» غائمة وأهدافها غامضة. فهل الدعوة مجرد «رفع عتب» للقول إن الولايات المتحدة حاولت جهدها ولكنها لم توفق في مساعيها؟ وهل الدعوة هي خطوة لكسب الوقت وإسكات تلك الأصوات المعارضة التي أخذت تظهر في صفوف أعضاء الكونغرس الأميركي؟ وهل الدعوة هي سياسة أرادت منها واشنطن اخفاء عجزها عن تسويق مشروعها الذي أخذ يصطدم بعقبات محلية ودولية وإقليمية؟ وهل الدعوة جاءت تلبية لضغوط أنتجتها عوامل مختلفة فقررت الإدارة اتباع سياسة الهروب إلى الأمام واللجوء إلى قضايا تثير الاهتمام لإخفاء خطوات أخرى تريد إتخاذها في العراق وأفغانستان؟

أسئلة كثيرة يمكن طرحها لتوضيح معالم طريق «المؤتمر الدولي» الذي أخذت أسهمه بالهبوط بعد أنْ ظهرت سلسلة عقبات تمنع إمكانات نجاحه حتى إذا قررت الإدارة تعديل التوقعات إلى حدها الأدنى. فالكلام الإنشائي الذي صدر عقب توجيه الدعوة بدأ ينكشف لتظهر الحقائق الميدانية كما هي على الأرض. وتعديل لغة الكلام أو تصغير التوقعات قبل أسابيع من انعقاد «المؤتمر» جاء ليؤكّد أنّ العقبة الأساس التي تعطل إمكانات السلام واحتمالات التسوية كانت ولا تزال عقدتها كامنة في تل أبيب والمشروع الإسرائيلي في المنطقة. فمن يعطل ويعرقل ويشاغب هو الطرف الذي يعتبر تقليديا ذاك الحليف الاستراتيجي الدائم للولايات المتحدة سواء أكان الحزب الجمهوري أم الديمقراطي في إدارة «البيت الأبيض».

التسويف والتأجيل

مصدر التعطيل والعرقلة والشغب معروف ومحدد وهو يعتمد في سياسته الإقليمية على استراتيجية أميركية قررت الذهاب بعيدا في مواجهة الدول العربية حتى لو كانت كلفة المواجهة ستأتي على حساب مصالحها وأمنها وموقعها في التوازن الدولي. ولأنّ «إسرائيل» هي الطرف المسئول عن تطويل الأزمة وإفشال كلّ المحاولات لحلها فإنّ السؤال سيبقى عن مدى استعداد واشنطن لممارسة قوتها والضغط على تل أبيب للتنازل والقبول بتطبيق القرارات الدولية؟

كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ حكومة ايهود أولمرت غير جاهزة لتقديم التنازلات. كذلك تشير الوقائع على أنّ الولايات المتحدة غير مستعدة بدورها للضغط على تل أبيب ودفعها نحو التجاوب مع قرارات الأمم المتحدة. وحين تكون حكومة تل أبيب ليست في مناخ التفاوض الحقيقي وكذلك إدارة بوش، فمعنى ذلك أنّ الكلام عن إمكانات نجاح «المؤتمر الدولي» في تحقيق الاختراق المتوقع غير وارد عمليا. وهذا الاحتمال أشار إليه الكثير من الزعماء والقادة العرب في أكثر من مناسبة. حتى الرئيس الفلسطيني محمود عباس أعلن مرارا عن وجود عقبات تمنع إمكانات توصّل الطرفين إلى صيغة مرنة تحقيق بعض الإنجازات المطلوبة للتفاهم على ما أسماه «الاتفاق الإطار» قبل عقد المؤتمر. مجرد «الاتفاق الإطار» الذي طالب الفلسطينيون بإنجازه رفضت حكومة اولمرت القبول به، فكيف سيكون عليه الاتفاق في حال التقت الأطراف في مدينة انابوليس في الشهر المقبل؟ الرسالة كما يُقال تقرأ من عنوانها. وعناوين «المؤتمر الدولي» حتى الآنَ غامضة وهي لاتزال تدور حول نقاط أعيد بحثها عشرات المرات في العقدين الماضيين من دون التوصّل إلى نتيجة ميدانية واضحة.

تل أبيب ترفض فكرة «الاتفاق الإطار» وتطالب الطرف الفلسطيني بالتفاهم على ما أسماه أولمرت «وثيقة جوهرية» غير ملزمة أو مرتبطة بسقف زمني. فحكومة اولمرت تضغط بأن يكون المجرى الزمني مفتوح للنقاش والتداول وإلا يشترط بسقف سياسي وإنما بمبادئ عامّة لا تدخل في التفصيلات. وهذا النوع من التجريد للقضايا الملموسة يؤكّد للمرة الألف على أنّ «إسرائيل» ليست في فضاء يسمح لها بالتفاوض والتنازل حتى تتوصّل الأطراف المعنية إلى الإعلان عن احتمال وجود حل عاقل وممكن في الأفق المنظور.

الأفق المنظور الذي حددت تل أبيب مداه الزمني بفترة ستة أشهر ينتهي في حده الأقصى في مايو/ أيار 2008. وهذا التأجيل ليس بريئا وإنما خطة اعتمدتها دائما تل أبيب للتهرّب من المسئولية والتسويف والتمسك بذرائع واهية للتغطية على عدم جاهزيتها للقبول بأبسط الحقوق التي تنص عليها القرارات الدولية. وتأجيل الموعد النهائي للتفاهم على «الاتفاق الإطار» إلى نهاية النصف الأوّل من السنة المقبلة يستهدف قطع الطريق على احتمالات التنازل المحدود والتسوية المعقولة والمقبولة؛ لأن الإدارة الأميركية ستكون في وضع غير مريح لأسباب مختلفة منها يتعلق بظروف العراق ومستقبله غير المستقر ومنها ما يتصل بارتفاع حرارة التنافس مع الحزب الديمقراطي على الانتخابات الرئاسية التي ستعقد في خريف 2008.

الإطار الزمني الذي تتمسك حكومة أولمرت بتأجيل موعده إلى مطلع صيف السنة المقبلة لا يعني بالضرورة أنّ تل أبيب ستكون جاهزة آنذاك للتسوية والسلام وانما يشكل نافذة للهروب والتنصل من كل الوعود الوردية والكلام المعسول عن حلول مرتقبة لأزمة «الشرق الأوسط».

لا حل إذا في المنطقة سواء عقد «المؤتمر الدولي» أم تم تأجيله ما دامت القوى القادرة على رسم معالم خريطة السلام في «الشرق الأوسط» ليست جاهزة وتعتقد أنها في موقع الأقوى الذي يستطيع فرض شروطه أو على الأقل التهرّب من المسئولية والحساب في حال وجد أنّ هذا هو الخيار الأنسب لمصالحه في الأمد القريب.

قريبا ستصل رايس إلى المنطقة ويرجح أن توضح خطتها من خطواتها واتصالاتها. وإذا كانت الخطة مبهمة وغير ناضجة فمعنى ذلك أنّ «المؤتمر الدولي» مجرد مناورة لكسب الوقت. وهذا الاحتمال هو الأقوى.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1856 - الجمعة 05 أكتوبر 2007م الموافق 23 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً