العدد 1861 - الأربعاء 10 أكتوبر 2007م الموافق 28 رمضان 1428هـ

الفرا ... كرّ بشعره وسبى القلوب

أي مقدمة توفي حقه، هو لم يبخل علينا في شعره وخلال أمسيته بشيء، إذ كان معنا بما نشاء، شعره الرائع أهداه لنا، وتمتم بأنه لعيوننا يحيا، ولأجل قلوبنا قلمه، يحمل آلامنا، زفراتنا تمزقه من الألم، لنا حبه وقلبه وشعره ووجدانه أهدى، إلا أفكاره، فقد قسمها لنصفين، «فنصف للتي أهوى وأنتم نصفها الثاني». فهل تبقى للمقدمات ولكلمات الإعجاب والتقدير من معنى، بعد أن غمرنا الشاعر السوري عمر الفرا بطيب ورقة إحساسه؟

كان باديا أن جميع الحاضرين لتلك الأمسية، لم يكونوا ليغادروا حتى لو استمر الفرا في سرد شعره القصصي طوال الليل، إذ تلبس جلباب الحكواتي، يروي بشعره القصص، ويصور المواقف والظروف، حكايات الحب والغزل العذري، حكايات الوطنية البعيدة عن الزيف والمصالح الأنانية والسياسية، حكايات المجتمع البدوي الذي يعيش فيه وظروفه وعاداته وتقاليده، فمن بادية إلى مدينة، ومن نظرة إعجاب بشجاعة، إلى نظرة بؤس لحال، إلى نظرة لهفة واشتياق، والحاضرون في مجلسه كما الأطفال حينما يحل المساء، يستمعون ويستمتعون بحلو حكاياه.

الفرا، قدم للحاضرين باقة من الشعر القصصي الجميل، وكان له تعليق في بداية كل قصيدة يرويها، إذ قال حين سرده لقصيدة (حدثـتــني عـيـنـاكِ سـبـــع لـغـاتٍ) التي كتبها في محبوبته، أن اختياره للرقم 7 حصل أنه هذا الرقم «عند الشعوب الشرقية كالآراميين والآشوريين والكلدانيين هو رقم الكمال أو رقم يفيد التكثير إذ إن أيام الأسبوع سبعة والسماوات والأرضين سبع والطواف حول الكعبة سبع والسعي بين الصفا والمروة سبع ورمي الجمرات سبع»، فيقول:

حدثـتــني عـيـنـاكِ سـبـــع لـغـاتٍ

يعجز الشعرُ عـن حـديث العـيـونِ

مثلها الصبح في شروق الصحارى

مثلها السحر فــي الغمام الهـتونِ

كخـيولٍ من مطـلعِ الشمس همـتْ

بـوثـوبٍ أو بــاقـتحـام الـحـصـونِ

ربَ سـهـمٍ بـنـظـرةٍ مـنـكِ يـغـزو

جيشَ فتح الإسكندر المــقـدونـي

فـتعـالي ومـزقـي وجــه حــزنـي

وأقـلقي هـدأتي وفكـي سجـونـي

أيقظيني مللت فـــي الصحو نومـي

إن قـلــبي يـموت عــنـد الـسكـونِ

وأطلـقيـني في عـالـمٍ ليــس فـيهِ

مـن ســبـيـلٍ إلا طـريقَ الجــنـونِ

أبعـدتـني شـواطـــئ عـنـكِ كـانت

أرهـقـتـني وحـطمـت لـي سفـيني

ضـيعـتـني وتــاهَ عــني طـريــقـي

شـردتـني مـمـزقـا فــي ظـنـونـي

جئت طوعا أسلمتك الـيوم أمــــري

تسـتحـيـل الحيـاة إن لــم تـصــونِ

متعـبُ الخطـو اسـتمـيـحك عــــذرا

لجـناحـيــكِ لاجــيءٌ ظلـــلــيني

أنـــتِ أمـــرٌ مــقــدرا لـــوجــودي

كيف مـا شـئـتِ بـعـد هـذا فكونــي

في نقلة قصصية، تأتي لحظة مكاشفة المحبوبة بما يجيش به قلبه من حب لها، إذ لم يستطع كبح مشاعره، فتأتي الرائعة الشعرية آملة سلب الحب من قلب الفتاة، إذ يقول:

لقيتك بعد يأسي واشتياقي

فقد رحل الجميع وأنت باقِِ

هـــــواك مخلدٌ أبدا بقلبي

بأوردتي إلى يوم التــلاقِ

فديتك كيف تهجرني وتبقي

لهيبك في الحشا قصد احتراقِ

تكبلني بقيــدك ثم تمضـي

وتـتركني بميدان السباقِ

فأنت النور في ظلمات نفسي

وأنت الشمس تشرق بإتياقِ

جـمالـك لايحد له مجالٌ

كأن العين شـدت للــوثاقِ

فيوقفها سناءك عند حــــد

ولو عبرت على خيلٍ عتاقِ

أحس مرارتي في رجع صوتي

ويصعب رجعه دمـع المآقِ

فــلا عطر يؤرجحني شذاه

ولا طعم أرى حلو المذاق

أعيش بحسرتي وأموت فيها

إلــيك الله أشكــو مــاالاقِ

فقلبي بات يقنعني بقولٍ

يعاوده ويحلف بالطلاقِ

بأنك آخذ عقلي وروحي

إذا حاولت في يومٍ فراقِ

وتأتي دراما الحوادث التي يصورها عمر الفرا مع قصيدة المجنون، والتي كانت متميزة بكونها مكتوبة باللهجة العامية (الشعبية) ذات الألفاض القريبة من اللغة العربية الفصحى في قالب العامية الوسطى التي تجمع اللهجتين، والتي يصور فيها معاناة العشاق وصعوبة التقائهما تحت الظروف القبلية القاسية التي تضع الحب - كما قال الفرا - على حد السكين، إذ يقول:

قالتلي لا تلفي المسا ديرتنا كلها موسوسا

بملفاك لزيارة هلي التهمة فيك ملبسا

ادخل على الله وعليك الليله لا تلفي عسا

نرتاح من كتر الهرج وعلوم جابتلي الاسى

هادا ابن عمي من الصبح يترصدك قلت : خسا

مالي على الفرقا صبر بعدك امر من الصبر

والله لزورك كل مسا لو شعلوني بل جمر

والله لزورك كل مسا لو يحرقكوني بلجمر

والله لزورك كل مسا لو يصلبوني عل شجر

انتظريني كل ما عتمت هل ديني ولضو نعدم

اغزي متل ديب لافي على سربة غنم

ماهي خسارة لو متت كل العمر بعدك عدم

قولي لكل ديرة هلك جاية الولف طشي الخبر

ماني خايف من بشر

عندي حرس ضد الفشك وحجاب من برج القمر

وشبة خرز ازرق رصد يحمين بدروب الخطر

قولي لكل ديرة هلك جاية الولف طشي الخبر

والله لزورك كل مسا لو يزرعو دربي غبر

والله لزورك كل مسا لو يطحنوني بل حجر

والله لزورك كل مسا لو يغرقوني بل بحر

دقت على الصدر بغضب

وعضت على الشفة بعجب

وقالت يا ويلي مصعب هل حكي

بعدا يكلي رح اجي يا ناس وش بيدي عليه

جن العجي جن العجي جن العجي

العدد 1861 - الأربعاء 10 أكتوبر 2007م الموافق 28 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً