العدد 1861 - الأربعاء 10 أكتوبر 2007م الموافق 28 رمضان 1428هـ

النص التلفزيوني: الحقيقة والحقيقة الخاصة

«النص لا يقول الحقيقة بل يفتح علاقة مع الحقيقة» ولأن النصوص من حيث هي نصوص علمية أو فلسفية أو نبوية أو شعرية, هي خطاب له تشكله الخاص, فإن هذه النصوص كما ذهب إليه المفكر اللبناني علي حرب، تستوي على اختلافها عندما تطرح للنقد.

وبما أن النص التلفزي على اختلاف تمظهراته, هو في الأساس نص مكتوب فبإمكاننا أن نطبق عليه ما اعتبره علي حرب «فتحا لعلاقة مع الحقيقة». ومن هذا المنطلق لنا أن نتساءل, هل يحجب عنا النص المتلفز الحقيقة, من حيث هو نص درامي أو نص إخباري أو نص وثائقي؟

في الواقع المسألة تطرح من زاوية الموضوعية واللاموضوعية أو بعبارة أخرى الحياد و اللاحياد والانحياز إلى طرف على حساب طرف آخر.

النص التلفزي يستلهم من الواقع أفكاره ومعانيه, ويعتبر الواقع الحاضر أو الماضي مصدرا أساسيا في صوغ هذا النص الذي تحكمه الصورة, ما يضطره إلى أن يرتبط بالواقع ارتباطا وثيقا, فهل يؤهلنا ارتباط النص التلفزيوني الوثيق مع الواقع إلى اعتباره نصا «ينص على الحقيقة»؟

يقول علي حرب «إذا كان النص لا يقول الحقيقة بل يخلق حقيقته, فلا ينبغي التعامل مع النصوص بما تقوله وتنص عليه أو بما تعلنه وتصرح به, بل بما تسكت عنه ولا تقوله, بما تخفيه وتستبعده». فهل ينطبق هذا القول على نص تغني الصورة في أحيان كثيرة عن كلماته؟ وهل ينطبق هذا القول على صورة مصدرها الواقع؟

النص التلفزيوني كما غيره من النصوص ينطلق من فكرة تجسدها الكلمة لتترجم في مرحلة متقدمة إلى صورة تلخص الفكرة أو الحدث أو الخبر. وعليه فإن هذا النص يخضع كما غيره من النصوص إلى اهتمامات مؤلفه, معتقداته, رغباته, ميولاته وحتى حالته النفسية إذا استدعى الأمر, وذلك بالإضافة إلى عدد من الإملاءات الأخرى التي تفرضها سياسة المحطة الباثة للخبر أو الشركة المنتجة للعمل الدرامي ,أما العنصر الأكثر تأثيرا على هذه الأعمال أو النصوص فهو تدخل الأجهزة الحكومية في أساليب صوغ ومضامين هذه النصوص.

وعليه فإن الحقيقة أو الواقع الذي يعتمد عليه في صوغ كل نص تلفزيوني, يبدو مرتبطا بعوامل تخرج عن الحقيقة وتؤثر فيها ما يجعلها نصوصا تجانب الحقيقة ولا تغوص فيها وبمعنى آخر» نصوصا تخلق حقيقتها الخاصة»وفي أحيان كثيرة «هي تخلق حقيقتها الخاصة جدا جدا».

وكما النصوص المكتوبة تأول وفق وجهة نظر قارئها فالنص التلفزيوني يأول هو الآخر بحسب جملة من الانطباعات والاهتمامات ودرجة الاطلاع, وكما النص المكتوب الذي يخضع في هيكلته إلى اختيار زاوية معينة تفرض زوايا التصوير حقيقة دون أخرى.

هذا الحديث يقودنا إلى القول إن ما يبث حاليا على شاشات التلفزيون على اختلاف انتماءاتها وتوجهاتها- وهي قنوات شديدة الانتشار حاليا, إلى حد أن الكثير منها مايزال مجهول الهوية, ومضامينها تطرح أكثر من نقطة استفهام وعلامة تعجب - لا يقدم سوى حقيقة واحدة هي تلك الحقيقة التي تراها وتنقلها لنا عين الكاميرا, أو الحقيقة التي تريدنا أن نراها.

وينطبق هذا الأمر على الخبر التلفزيوني كما على البرنامج الوثائقي, وتضاف إلى هذه الزوايا عدة معطيات أخرى عندما نتحدث عن المسلسلات والبرامج التلفزيونية, فهذه الأصناف التلفزيونية تعتمد على أفكار أصحابها سواء كان مؤلفا, مخرجا أو مقدما تلفزيا أو ضيفا في برنامج تلفزيوني. وبالتالي تصنع كل هذه النصوص أو الأشكال التلفزيونية حقيقة, لا يمكننا بالمرة اعتبارها حقيقة مطلقة, ذلك لأن المنتوج التلفزيوني ماهو إلا منتوج يخدم جهات أو معتقدات أو توجهات معينة, تنصب كل العناصر المكونة له في إطار العمل على تقديم هذا المنتوج على أنه الحقيقة المطلقة.

ولتحقيق هذا الهدف يستخدم العاملون في القطاع التلفزيوني الكثير من الأساليب الإقناعية على غرار محاولة نقل أو تقديم صورة هي على درجة مهمة من القرب من الواقع ما يكسبها مشروعية ويحقق لها ردود فعل إيجابية لدى المتلقي تصل إلى حدود إقناعه بأن هذه هي الحقيقة, تقدم إليه على أنها خالية من كل تعديلات أو إملاءات أو تدخلات تقنية, هذه الصورة الشديدة القرب من الواقع تخدع المتقبل, الأمر الذي يفسر نجاح أعمال تلفزيونية دون أخرى, المفارقة أن الكثير من هذه الأعمال أو النصوص التلفزيونية التي تنجح جماهيريا تفشل على المستوى النخبوي بمعنى أنها تقابل بموجات من النقد اللاذع من طرف المتخصصين في المجالات الثقافية, ترجح فيها الكفّة لفائدة النجاح الجماهيري وهو لعمري مؤشر خطير لأن الصورة تبقى سلاحا أشد فتكا من الكلمة المكتوبة باعتبارها أكثر تأثيرا ولكن الأهم من كل ذلك, باعتبارها ضيفا لا يستأذن, وتلك قضايا أخرى نعود إليها لاحقا.

* كاتبة تونسية.

العدد 1861 - الأربعاء 10 أكتوبر 2007م الموافق 28 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً