العدد 1868 - الأربعاء 17 أكتوبر 2007م الموافق 05 شوال 1428هـ

دادية السياسة في العقل الروائي

«السابقون أبادوا، اللاحقون يجهزون على ما تبقى. أما آن الوقت للصراخ العظيم؟!»

الروائي الجزائري واسيني الأعرج

يشكل الخطاب الروائي/ السياسي، فنا جماليا، وسياقا مثاليا، عبر العصور القديمة والحديثة، وقراءة تفصيلية وتحليلية نحو التحولات المجتمعية الكبرى، المتأصلة بين حنايا التاريخ ومقصلة المجتمع الدكتاتوري، والمتصلة أيضا بالأنظمة المتفشية عبر الأزمان.

ويحيل الخطاب الروائي إلى تشخيص دال للرواية السياسية، في المعنى والرؤية من جهة، وتجاذب الأفكار السياسية القائمة على بلورة الأسئلة الشائكة من جهة أخرى، ما يؤسس بذلك بنية أساسية قائمة على التحاور النصي، بين حقول الفلسفة، والتاريخ، والأيديولوجيات، واللسانيات، والجماليات، وهذا يعني تعدد رهانات الروائي في ذات المتخيل والمحيط السياسي.

ولا تخلو الرواية السياسية، من الوسائل الجمالية الجديدة المحركة للتخييل السياسي، إذ، تتصف مادة الروائي بخلخلة الأقنعة الرمزية والأستعارية، أي التعامل مع النص السياسي غير المباشر من خلال الاتكاء على التراث التاريخي، والصوفي، ناهيك عن توظيف بلاغة الأسلوب اللغوي، وربط الماضي بالحاضر، وبالمحتمل والممكن، ومحاكاة السرد الإيحائي، طبعا، هذا يمر فقط أمام الروائي.

والمشهد الروائي، يعول على العقلية الذهنية للسياسة، ويعول على الراوي نفسه، في إدراك ما لا يدركه، من مفاهيم باتت تختلف وتتجانس معا، فالعروبة، والإسلام، والوطنية، والقومية، والمراوحة بين الانفتاح ورفض الهيمنة، هموم تجسد الواقع الحياتي للروائي في البحث عن أسئلة مبهمة، وعن إجابات تصوغ ذائقة نقدية متحررة من أي ارتهان وتملك.

وتروم الرواية السياسية من هذا، بتقريب الصورة الغائبة في الوعي، والحاضرة في ثيمة العقل، كالصراع بين المصالح والطموحات، الفردية، والفئوية، والطبقية، إلى جانب سبر حياة النظام السياسي، وأسلوب الحكم، سواء كان أوتوقراطيا/ ثيوقراطيا، أو ديمقراطيا، ألا أن هذا الأخير له فسحة من الحرية قد تضيق وقد تتسع، دوما.

ويقول الروائي واسيني الأعرج في هذا الصدد» بعض القادة التاريخيين فقدوا الهالة! أي ديمقراطيين؟! عندما ينزل الظلام سينكفئون على أنفسهم. يصدرون بعض البيانات ثم يصمتون. الدنيا تغيرت والبلد يحتاج إلى شيء آخر لا أحد يملكه».

غالبا، يركز الروائي على أطروحات نقدية، يثير بها الرأي العام، والسلطة السياسية، في تصوير جور القوانين السائدة، ومظالم الطبقة الرأسمالية المستغلة لسذاجة البروليتاريا، منها، ممارسة أساليب القهر الاجتماعي، والتصفية الجسدية، وقطع الرقاب لأي رأي مخالف، ولا يستثنى من ذلك الإرهاب الفكري لتطهير أدمغة المثقفين المناهضين للسلطة، « فقبل الاستقلال ذبحوا المثقف على ثقافته واليوم يعيدون إنتاج عصرهم البائد. هذه البلاد تربت على معاداة الثقافة. شيء مافي دمها يقودها باتجاه هذه العدوانية». بحسب رواية واسيني الأعرج.

ثمة أغلال تكبل الروائي، في التغلغل بشأنها، إلا إنه يتناولها بطرق أدبية مستساغة، تتمظهر بجلاء ووضوح، كما أنها أقرب إلى الحداثة الشكلية والتنوع الفني، كمصادرة حقوق الإنسان، والسجون السرية، والتعذيب الجسدي، واستبداد السلطة، والثورات المناصرة والمضادة، وحركات النضال السياسي، و...الخ، فالعقل الروائي ليس إلا كائن محرض على محاكاة الواقع السياسي، والصراع الأيديولوجي، وكائن يوجز السرد السياسي في سيرة مقنعة.

هدير البقالي

العدد 1868 - الأربعاء 17 أكتوبر 2007م الموافق 05 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً