العدد 2274 - الأربعاء 26 نوفمبر 2008م الموافق 27 ذي القعدة 1429هـ

علي فخرو: تقرير التنمية الثقافية خطير لكن المسئولين لا يقرأون

«» تحاور أحد مستشاري التقرير العربي للتنمية الثَّقافيَّة

المنامة - منصورة عبدالأمير 

26 نوفمبر 2008

في احتفالية ثقافية شهدتها القاهرة منتصف الشهر الجاري، أطلقت مؤسسة الفكر العربي التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية، وهو أول تقرير يصدر عن مؤسسة أهلية عربية بتمويل عربي ليرصد واقع التنمية الثقافية في اثنتين وعشرين دولة عربية.

التقرير الذي أطلقه أمير منطقة مكة المكرمة رئيس مؤسسة الفكر العربي الأمير خالد الفيصل، يغطي 5 ملفات أساسية، هي: التعليم والإعلام وحركة التأليف والنشر والإبداع والسينما والمسرح والموسيقى والغناء، إضافة إلى جزء خاص عن الحصاد الثقافي السنوي في العالم العربي خلال العام 2007.

ويعالج التقرير، الذي كان حصاد فريق عمل ضمّ أكثر من 40 باحثا ومتخصصا، مدى نجاح الأدوات والأنساق والمؤسسات التي تسهم في تنمية العقل وتربية الوجدان في عالمنا العربي. ويساعد على رصد واقع التنمية الثقافية في الوطن العربي وتحليله وبخاصة مع كل ما يتضمنه التقرير من معلومات وبيانات وأرقام تسهم في وصف الواقع الثقافي العربي وتشخيصه، وفي بناء قاعدة معلومات للباحثين والمهتمين.

المفكر البحريني علي فخرو كان ضمن الهيئة الاستشارية التي راجعت التقرير والتي ضمت أيضا كلا من الأكاديمي السعودي والرئيس السابق لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية صالح بن عبدالرحمن العذل والأكاديمي والمفكر المغربي عباس جيراري إضافة إلى الإعلامي اللبناني زاهي وهبي.

«الوسط» حاورت فخرو بشأن موضوع التنمية وإمكانية الوصول إلى خلاصة مشتركة وبالتالي تقديم مشروع تنموي ثقافي في العالم العربي، على رغم الفروق الكبيرة بين دوله. وحول مدى تأثير مثل هذه التقارير على الواقع العربي.

تقرير بالغ الخطورة ومسئولون لا يقرأون

يرى فخرو أن التقرير محاولة جيدة من مؤسسة الفكر العربي، ويعتبره تقريرا بالغ الخطورة، لكنه يستذكر تقارير كثيرة سبقته، أهمها التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ويسأل: «ما الذي حدث لذلك التقرير؟ ما الذي أوجده من تغييرات في الأرض العربية؟» ثم يضيف «حتى الكتابة عن هذه التقارير، تصبح مثل الموضة نكتب عنها لفترة بسيطة ثم ينتهي الأمر وتوضع في الدرج، لأنها تقارير غير مرتبطة بالواقع، ولو كانت كذلك لوجدنا كل يوم تعليقا عليها».

ويسأل فخرو عما إذا كان «المسئولون في بلاد العرب سيقرأون هذه التقارير (...) هم يقرأون الواشنطن بوست والنيويورك تايمز، يستمعون إلى السي إن إن، لكنهم لا يقرأون التقارير العربية».

لكنه رغم ذلك يرفض النظرة التشاؤمية التي بدأنا بها بشأن عدم إمكانية قيام نهضة ثقافية عربية في ظل انعدام بعض أساسياتها التي وضعها التقرير ومنها تنمية ثقافة حقوق الإنسان وثقافة المواطنة، ويقول: «قضايا الفساد المالي والفساد الذممي والاستزلام في الاقتصاد وفي السياسة، كل هذا يجعل التنمية في الأرض العربية شبه مستحيلة لكن لنكن عادلين مع أنفسنا، كل هذه الصور القاتمة يجب ألا توقفنا لا عن الكتابة ولا عن أي عمل تقارير، أؤكد لك أن كل ما يكتب وكل التقارير بالنهاية ستوجد نوعا من التراكم المعرفي الذي سيكون له تأُثير في يوم ما».

مواطنون أم رعايا

أما عن الخلاف على تعريف المواطن والمواطنة في العالم العربي وهما مفهومان غير واضحين فيؤكد: «كلمة مواطن ليست موجودة لدينا في القاموس، لدينا رعايا، عبر تاريخنا الطويل كله هناك أولي أمر ورعايا، مشكلتنا هي أن الفقه السياسي الإسلامي لم يهتم على الإطلاق بمن يحكم، اهتم كثيرا بقضية العدالة، لكن بعد ذلك تجنب مناقشة كيف تطبق العدالة وكيف يحاكم من لا يطبقها».

لكن الزاوية التي ينطلق منها فخرو ويجدها الأهم تبدو مختلفة عن تلك التي انطلقنا منها، فبالنسبة إليه لا يمكن الحديث عن التنمية الثقافية من دون البدء بالتنمية الاقتصادية، وهو يرى أن واقع العالم العربي ليس مبشرا، ويستند إلى تقرير أعدته قناة «البي بي سي» عمن سيخلف الولايات المتحدة الأميركية اقتصاديا، يقول فخرو: «يذكر التقرير الإمكانيات في كل منطقة في العالم إلا الأرض العربية، وهذا أمر مرعب ومزعج، فهذه المنطقة وخلال 50 سنة وهي الفترة التي يحددها التقرير ستتسلم عشرات التريليونات من الأموال والنفط ومع ذلك لا يستطيع أحد حتى أن يتنبأ بأنها ستكون من الصاعدين اقتصاديا».

«الكنزية» في مقابل الليبرالية الحديثة

وعما يرى أنه سبب لذلك يضيف «منذ أسبوعين قامت مجموعة من الأساتذة الأميركان ممن ينتمون إلى المدرسة الكنزية بإرسال كتاب مفتوح إلى الدول العشرين المجتمعة في واشنطن ذكروا فيه أنهم لا يزالون يعتقدون بأن المدرسة الكنزية وبعد إجراء بعض التعديلات عليها يجب أن تكون هي أساس العولمة في القرن الواحد والعشرين.

وخلص هؤلاء إلى 3 نقاط أساسية، الأولى هي أن نظام النقد الدولي يحب أن يتجنب وجود عملة مهيمنة (هيغموني)، والثانية هي أن التجارة الدولية الحرة يجب ألا تكون على حساب النمو المحلي الذي يجب أن تفرد له مكانة خاصة وألا يخضع لأي إملاءات.

أما النقطة الثالثة فهي أيا تكن التحركات في المؤسسات الدولية الكبري فيجب ألا تؤدي إلى ازدياد البطالة في أي بلد كان».

فخرو يربط تلك النقاط التي «ترجع إلى منطلقات مختلفة تماما عن تلك الموجودة في الليبرالية الحديثة» بالقضية الاقتصادية في العالم العربي فيسأل: «ما الذي يدعونا إلى أن نربط عملاتنا بالدولار، وهل من الضروري أن نضحي بالمؤسسات المحلية التي تحاول أن تنمو فقط لإدخالها في عملية العولمة. الآن سيكون لدينا مؤتمر قمة لدول المجلس التعاون وقمة اقتصادية للدول العربية ومطروح مناقشة القضية الاقتصادية، ما أريد قوله للمجتمعين هو»انطلقوا من هذه الصورة».

الاقتصاد الإنتاجي هو الحل

ويعلل فخرو أسباب استحالة قيام تنمية شاملة في المجتمعات العربية «لا التنمية الاقتصادية ولا الوطنية تسيران بشكل مضبوط. فمن ناحية التنمية الاقتصادية حرقنا ثروة هائلة وضاعت علينا فرصة تاريخية ونحن نضع أموالنا في 3 أمور الأسهم والبورصة العالمية والمحلية، ثم المضاربات العقارية التي أصبحت كارثة حقيقية بالنسبة إلى المواطن، فأينما تذهب في المنطقة العربية الآن تجد أن العقار يرتفع ارتفاعا هائلا، وبالتالي أصبح المواطن لا يستطيع أن يشتري قطعة أرض ليبني عليها سكنا وهذا ليس اقتصادا على المدى البعيد. لو كان كذلك لبقيت مدن الذهب التي بناها الأميركان في الساحل الغربي، لا أن تختفي بانتهاء الذهب، وتتحول إلى أطلال تزار في الغرب الأميركي. الأمر الثالث هو الحياة الاستهلاكية النهمة التي نعيشها اليوم، هل تعرفين أننا ننفق من الماء أكثر مما ينفقه الانسان في نيويورك، ونستهلك كميات هائلة من الغذاء ونقتني كميات كبيرة من الذهب وكثيرا من السيارات الفارهة. لقد دخلنا في القضية الاستهلاكية العولمية. الاستهلاك يجب أن يكون في الأساسيات والحاجات وليس في الرغبات، والغالبية الساحقة من استهلاكنا سواء في بلدان النفط أو غيرها يرتبط بالرغبات وليس بالحاجات».

ويصف فخرو اقتصاد العالم العربي بالاقتصاد الخدمي، مضيفا «نحن لا نريد الانتقال إلى الاقتصاد الانتاجي وهو الاقتصاد الحقيقي. الورطة التي وقعت فيها الولايات المتحدة اليوم هي بسبب اعتقادها أن الاقتصاد المعرفي وحده هو الذي سيبقى والحقيقة غير ذلك. فكيف بنا الحال ونحن فشلنا في الانتقال إلى بناء أي من الاقتصادين، سواء الانتاجي أو المعرفي».

رعوية سياسية وخصخصة اقتصادية

ويعطي فخرو مثالا على ذلك صناعة النفط فيقول: «المفترض ان نمتلك اليوم وبعد 75 عاما من اكتشاف النفط، أحدث تكنولوجيا النفط وأن يكون لدينا افضل مهندسي نفط وأحسن نظام للتسويق وأحسن نظام للتكرير. لكننا للأسف نتراجع بعد كفاح مرير في الخمسينات لجعل النفط العربي ملكا للعرب، إلى أن نرهن النفط العربي في يد الشركات التي طردناها».

ثم يسأل: «ما الذي يمنع الخليج من أن يكون أحد المراكز الكبرى في الاقتصاد المعرفي كما عملت الهند تماما. العقول العربية موجودة فما الذي يمنع من تجميعها في سيلكون فالي عربي، في أي دولة عربية يكون ذلك. لماذا التركيز على الاقتصاد المظهري الخدمي وتجنب أهم نوعين من الاقتصاد يسيّران العالم وهما الاقتصاد الانتاجي والاقتصاد المعرفي».

ويرى فخرو أنه نتيجة لكل ذلك «بدأت الدولة تتخلى عن مسئولياتها، ففي السياسة تريد أن تكون دولة رعوية وفي الاقتصاد تتخلى عن رعويتها، وبالتالي تبدأ في خصخصة كل شيء... التعليم والصحة والعمل».

حكم المجتمعات أم حكم الشركات

حين سألنا فخرو عما يقترحه كآليات وخطط عملية لتحقيق التنمية الثقافية ولنقل أفكار التقرير إلى حيز التنفيذ.

قال: «نعود إلى المشكلة الأساس وهي مشكلة النظام السياسي العربي، فأينما تولي وجهك فثم النظام السياسي العربي الفاسد أمامك. حكام العرب بصورة عامة مع بعض الاستثناءات، لا يريدون أن يحكموا مجتمعات بل يريدون أن يحكموا شركات.

تسألني عن خطط عملية، أقول لك لا يمكن، لأن هذه الأمور لا ترد في خواطر المسئولين لدينا، لا يهمهم المستقبل ولا يكترثون بأن تكون هناك نهضة ودولة عظيمة مترامية الأطراف وقوة محترمة ومهابة. إذأ القضية هي أنه ما لم يتم حل إشكالية النظام السياسي لن نتمكن من تحقيق أية تنمية. الأنظمة السياسية يجب أن تحصل على شرعية ديمقراطية وهي الكلمة الفصل في هذا الأمر لا أتحدث عن كونها ملكية أو جمهورية أو سلطانية أو إماراتية ليس مهما، المهم أن الشرعية يجب أن تكون ديمقراطية بمعنى أنها شرعية معبرة عن رغبة واختيار الناس بصورة حقيقية».

الدولة العربية تشوه مجتمعها

ويواصل: دولنا العربية لن تصلح إلا حينما يكون هناك توازن بينها وبين المجتمع، إذا كان المجتمع أقوى بكثير من الدولة تصبح فوضى وإذا كانت الدولة أقوى بكثير من المجتمع تميته. نحن هنا ليس لدينا مجتمع، الدولة العربية بعد استقلالها ابتلعت المجتمع العربي بالكامل وليس فقط حيث هناك غنى ونفط، بل في كل مكان. الدولة لم تبقِ في المجتمع روحا، شوهت أخلاقه، شوهت صورته، وقيمه، من أجل أن تبقى ويبقى من يبقى في السلطة، أصبح هناك تلاعب بالطائفية وتلاعب بالعرقية والقطرية، من كان يصدق في الخمسينات أنه سيأتي اليوم الذي نسمع فيه شعار إماراتي وأفتخر أو الأردن أولا، وغير ذلك.

لا يمكن الحديث عن التنمية طالما لا يوجد نظام سياسي يمكن محاسبته، نظام منفصل عن النظام التشريعي والتنفيذي، أي أن توجد ديمقراطية بمعناها الحقيقي سياسية واجتماعية واقتصادية.

نحن نعيش يوميا ما عاشته دويلات الاندلس وما عاشته مصر في آخر أيام المماليك يوميا. الآن في الخليج العربي لدينا حوالي 12 مليونا من العمالة الاجنبية غير العربية. ما الذي يضير هذه المنطقة أن تحضر 12 مليونا عربيّا تنتقي العناصر الجيدة تدربها وتوطنها في هذه الأرض محل الأجانب وتدربهم تدريبا جيدا وترفع مستوياتهم وعندها أنا واثق بأنهم سيحمون هذه المنطقة وسيموتون في سبيلها أكثر من أهلها الأصليين ولا أتحدث عن إحضار أوباش من هنا وهناك أتكلم عن توطين عمالة عربية صحيحة منتجة رفيعة المستوى ترتبط بهذا المجتمع وتعيش من أجله.

أما بالنسبة إلى تنمية الثقافة فإن لها مداخل كثيرة، أولا العائلة قبل أي شئ، الجانب الآخر التعليم الذي يركز على العلم لذاته وعلى حب المعرفة وليس على قضية التسابق بين الطلبة.

النقطة الثالثة هي قضية المؤسسات الثقافية إذ على الدول العربية ان تولي اهتماما فعليّا بالثقافة، بأن تنفق الكثير على الأمور الثقافية فتهتم بالمتاحف والفنون وكل شئون الثقافة

العدد 2274 - الأربعاء 26 نوفمبر 2008م الموافق 27 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً