العدد 1885 - السبت 03 نوفمبر 2007م الموافق 22 شوال 1428هـ

معالجة الفقر تتأزم بين «تجميل إعلامي» وبرامجَ عمل فضفاضة

الريادة في مكافحة الظاهرة: هل نحن صادقون فعلا؟

في 18 يوليو/ تموز 2006، أقر مجلس النواب مشروع قانون بشأن مكافحة التسول والتشرد وأحاله بصفة الاستعجال إلى مجلس الشورى، ولم يكن مشروع القانون متفردا من ناحية كونه مرتبطا بظاهرة اجتماعية مهمة - ألا وهي الفقر - فحسب، بل ليفتح المجال لوضع برامج استراتيجية لمواجهة المشكلة!

ولكن يبدو أن أجهزة الإعلام الرسمية، لم تتنبه إلى خطورة «التغليف» المتعمد لمظاهر المشكلة، فجاءت الكثير من التقارير المعلّبة تفرغ المجتمع من مشكلة - إن استمرت، ولم توضع لها الحلول - فستكون موجبة لمعالجات قد لا يتحقق الرجاء منها، وعودا إلى مشروع قانون مكافحة التسول والتشرد، فإن ما ينبغي الإشارة إليه هو أنه «يتم تسليم من وجد متسولا أو متشردا إلى دار رعاية خاصة يطلق عليها (دار رعاية المتسولين)؛ لدراسة وضعه الاجتماعي وإجراء الفحص الطبي والنفسي عليه، وإعداد تقرير مفصل عنه مع تقرير إعانة مالية شهرية له»... وعلى هذا، إن التجميل الإعلامي لمثل هذه المشكلة، لا يمكن أن يعطي المتلقي حقه في المعرفة أن البلاد رائدة خليجيا وعربيا في العمل على مكافحة الفقر (بحسب تقرير صادر عن وكالة أنباء البحرين في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2007)، بل يمكن أن يعتبر جزءا من إخفاء الحقائق عن متخذي القرار، أو واضعي السياسة الاجتماعية، لتتأزم الظاهرة بين تجميل إعلامي وبرامج عمل فضفاضة تفتقد البناء العلمي في التخطيط.

برامجُ بدأت متأخرة... كيف؟

طبقا لعدد من المهتمين بالشأن الاجتماعي، إن التضارب بدا واضحا بين القول إن البحرين من الدول الرائدة في منطقة الخليج والعالم العربي التي تنبهت مبكرا لمشكلة الفقر ووضعت برامجَ متنوعة لمواجهتها، وهو قول تنقصه الحقيقة! فبرامج المساعدات الاجتماعية والتمثيل بمشروع الأسر المنتجة ومركز الجسرة للحرفيين ومشروع المايكروستارت كلها مشروعات لم ترَ النور، أو لم تتحقق بشكلها الابتدائي - أي التجريبي - إلا في عقدي الثمانينات والتسعينات!

ولهذا، يأتي هذا الكلام متضاربا مع ما قاله الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمنسق المقيم لأنشطة الأمم المتحدة سيد آغا إنه - بحسب التعريف العالمي للفقر - لا يوجد فقر في البحرين، وإنها تقع ضمن قائمة الدول التي تعاني من الفقر النسبي، الناتج من سوء في توزيع الثروات الوطنية؛ ما يعني أن هناك مشكلة متربتة على مشكلة أكبر! حتى في مجلس مناقشة مشروع مكافحة التسول عند إقراره بمجلس النواب في العام 2006، اتجهت الآراء إلى القول إنه كان من المفترض أن تعالج الحكومة السبب وراء التسول وليس معالجة النتائج، والسبب وراء التسول هو ظاهرة الفقر، مع وجود آلاف الفقراء الذين يمدون أيديهم لأنهم لا يجدون ما يُصرف عليهم مما يُعتبر أموالا عامة لجميع المواطنين، وكان الأجدى سنّ تشريع لمكافحة الفقر يسعى إلى المساواة في توزيع الثروة الوطنية بين جميع المواطنين.

ولم تصل الأمور إلى حد الخلاف! فقد نوه وزير شئون مجلسي الشورى والنواب عبدالعزيز الفاضل إلى أن وزارة التنمية الاجتماعية تعمل على وضع خطة متكاملة لمكافحة الفقر في البحرين تتضمن برامج عدة من بينها برنامج الأسر المنتجة!

بين الاعتراف بالمشكلة و... مواجهتها

لا يمكن إغفال أو تجاهل مواقف الكتل النيابية من مشكلة الفقر في البلاد، وإذا كان تقرير وكالة أنباء البحرين أشار إلى أن المملكة تنطلق في تعاملها مع مشكلة الفقر من إدراكها أن الفقر مشكلة عالمية وأن التحدي الأساسي أمام أية دولة يتمثل في الاعتراف بها باعتبار ذلك خطوة أولى في مواجهتها ثم الإلمام بالبيانات الدقيقة للشرائح التي تعاني من هذه المشكلة، بما يساهم في وضع برامجَ محددة قابلة للتنفيذ للقضاء على هذه المشكلة بالتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية من جهة، والمواطنين ومؤسسات المجتمع من جهة أخرى، فعمليا لا توجد نقاط تماس ترعاها الحكومة في هذا الشأن؛ ما يعني أن الكلام (مرسل لا أصل له)!

زد على ذلك مواقف الكتل النيابية، ومنها كتلة الأصالة الإسلامية التي كان لعضوها النائب عيسى أبوالفتح انتقاد على عدم وجود دراسة حديثة تحدد خط الفقر في البحرين حتى الآن في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة موجة غلاء حادة في الأسعار نتيجة الطفرة في أسعار النفط، مطالبا الجهات المعنية بإعداد دراسة لتحديد خط الفقر والتي من خلالها يتم تحديد المعايير، وأهمها مكونات الأسرة البحرينية المكونة من عدد محدود من الأفراد وبيان كلفة جميع المستلزمات والخدمات الضرورية لتهيئة حياة كريمة كفلها الدستور.

وطبقا للخبراء في المنظمات الدولية، ينطبق على دول مجلس التعاون الخليجي مفهوم الفقر النسبي المعتمد في الدول الصناعية وهناك النية لإجراء دراسة شاملة عن أوضاع هذه الدول بين مكتب الأمم المتحدة الإنمائي والمكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل والشئون الاجتماعية لدول مجلس التعاون الخليجي لتحديد خط الفقر في دول الخليج بصورة منهجية ومحددة، ولكن بالنسبة إلى البحرين، إن مواجهة الفقر في البحرين تتطلب تضافر جهود الكثير من المؤسسات الرسمية والأهلية مثل وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة العمل والتربية والتعليم إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني لإيجاد برامج تستهدف إعداد الأفراد من الناحية التعليمية والعملية والثقافية للارتقاء بأوضاعهم المعيشية.

كما أن على المجالس التخصصية مثل المجلس الأعلى للمرأة ومجلس التنمية الاقتصادية أن يكون لها دور فعال في الارتقاء بأوضاع جميع شرائح المجتمع بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني لتتكاتف الجهود كافة في هذا الشأن.

خط الفقر... 11 في المئة «تحته»

طبقا لعضو كتلة الوفاق النائب جاسم حسين، إن هناك - على الأقل - ما نسبته 16 في المئة من الأسر تحصل على مساعدات إما من وزارة التنمية الاجتماعية وإما من الصناديق الخيرية. فمن حيث عدد الأفراد، إن 20 في المئة من المواطنين يحصلون على مساعدات، وهذه الأرقام تعتبر كبيرة بالنسبة إلى دولة نفطية لديها إمكانات ضخمة نسبيا قياسا بحجمها وعدد سكانها الذين لا يصلون إلى المليون نسمة، وهذا يؤكد وجود مشكلة، هي مشكلة توزيع الثروة في البلاد، مستندا إلى أن هناك دراسة أجراها مركز البحرين للدراسات والبحوث في العام 2003 وتوصلت إلى نتيجة هي أن خط الفقر في البحرين لكل أسرة مكونة من 6 أفراد هو 337 دينارا شهريا. في العام 2004 توصل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى نتيجة هي أن خط الفقر 354 دينارا شهريا لأسرة مكونة من 6 أشخاص، وهذه الدراسة اعتبرت أن 11 في المئة من الأسر في البحرين تعيش تحت خط الفقر. وتتلقى نحو 11 ألف أسرة مساعدات اجتماعية من وزارة التنمية الاجتماعية وكذلك من اللجان الخيرية ومنها لجنة كفالة الأيتام، بالإضافة إلى نحو 6 آلاف أسرة تتلقى المساعدات من الجمعيات والصناديق الخيرية، وهنا، لا يمكن تحديد خط الفقر من دون اتفاق العاملين والمؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني كافة على تحديد تلك المعايير والأسس وتحديد خط محوري وأساسي يتم البناء عليه لتحديد من هو الفقير والمعوز والمفتقر إلى الخدمات الأساسية كالعمل والسكن لسد احتياجاته المهمة من العيش الكريم ومصدر رزق له، وخصوصا أن المساعدات الاجتماعية ليست حلا لمشكلة الفقر، ولابد من توفير فرص التدريب والتأهيل للأسرة المعوزة حتى يكون لها مصدر رزق ثابت يمكن الاعتماد عليه في حياتها، بحسب وصف الاختصاصي ببرامج الأمم المتحدة الإنمائي علي سلمان.

العدد 1885 - السبت 03 نوفمبر 2007م الموافق 22 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً