العدد 1896 - الأربعاء 14 نوفمبر 2007م الموافق 04 ذي القعدة 1428هـ

كتّاب التاريخ... كتّاب المغالطة

طلع محمد يوسف محمد نجيب - وهو حفيد أول رئيس مصري بعد الثورة محمد نجيب - الأسبوع الماضي في برنامج للإعلامي محمد سعد ليعلن أن محمد نجيب استمع إلى نبأ وفاته في الراديو العام 1966، وهو لم يمت إلا العام 1984!

يقول أيضا: إنه عندما كان يخبر زملاءه في المدرسة أنه حفيد الرئيس السابق محمد نجيب كانوا يستغربون, واستغرابهم لم يكن احتقارا وإنما جهلا, فمحمد نجيب لم يكن يدرّس ضمن المناهج الدراسية التاريخية في مصر على أنه أحد زعماء الثورة. وتلك حقيقة ثانية مغيّبة من التاريخ المصري.

في البدء: «التاريخ يقرأ كما هو, وهو ليس صفحة واحدة مكتوبة بجملتين, واحدة تؤكد بطولة الذات وأخرى تثبت هزيمة الآخر, الدول والأمم تحولات وظروف ومواجهات», هكذا كتب سمير عطا الله في مقال بصحيفة «الشرق الأوسط» وهو «كتابة التاريخ مسألة موضوعية» الذي حمّل فيه مسئولية كبيرة للصحافي والمؤرخ المصري محمد حسنين هيكل وائتمنه فيه على تلميع صورة جمال عبدالناصر.

في السياق ذاته - أي في سياق الحديث عن كتابة التاريخ - كتب ممدوح عزام في صحيفة «الثورة»: «إذا كنا نتحدّث عن وقائعَ وحوادثَ فإن التاريخ موجود فعلا. ثمة تاريخ يقرّ بحدوث معركة العلمين أو معركة ديان بيان فو, أو قصف البرلمان السوري في زمن الاحتلال الفرنسي, أو ثورة 23 تموز في مصر. أما إذا كنا نتحدث عن التاريخ بوصفه موضوعا يمكن معرفته, فإنني أميل إلى الرأي الذي ينكر ذلك, فالتاريخ ليس موضوعا للمعرفة بل نصوصا يجرى تأويلها باستمرار».

الإشكال الذي يعترض القناعة والاقتناع الراسخ بضرورة كتابة التاريخ, حفظا له واعتبارا منه, يكمن أساسا في هوية من يكتب التاريخ وبالتالي مدى موضوعية أو مطابقة الحوادث التاريخية للحقيقة؛ ذلك أنه لكل من يقدم على مغامرة كتابة التاريخ, وأقول مغامرة لأنه يضع صدقيته ومستواه المعرفي محل درس إن لم نقل محل نقد أحيانا وانتقاد أحيانا أخرى وتشكيك في أحيانٍ كثيرة, لكل كاتب إذا مصادره وانتماءاته وأحيانا كثيرة ولاؤه سواء كان انتماء دينيا أو سياسيا أو اجتماعيا, وعليه إن الروايات التاريخية تخضع بالضرورة للدلالة التي يكسبه إياها كاتبها, وخصوصا أن كتّاب التاريخ تعددوا كما تعددت أشكال الكتابة.

اليوم التاريخ يكتب بأكثر من طريقة, التاريخ اليوم يكتبه المؤرخ ويكتبه الصحافي ويكتبه الروائي ويكتبه السيناريست وتكتبه الصورة وتكتبه المناهج الدراسية.

يكتب التاريخ وفق معطيات كثيرة, من ذلك مثلا ان المستعمر أو المحتل يؤرخ انتصاراته وربما هزائمه ولكنه ابدا لا يأتي على ذكر فضائعه, وفي المقابل الشعوب المستعمرة تركز رواياتها التأريخية على وصف جرائم الاستعماريين ومجازرهم وحركات المقاومة, وفي الحالتين يسعى كلا الطرفين إلى ترسيخ الصورة التي يريد ان يظهر بها للعالم, ولكن الحقيقة تبقى محل تساؤل أو لنقل تبقى الحقيقة نسبية ومشكوكا فيها.

قد تكون المسألة أبسطَ من ذلك بكثير بمعنى ان من يقدم على كتابة التاريخ يقع في فخ المغالطة غير المتعمدة, فالتاريخ بوصفه موضوعا أي تفاصيلَ وحيثياتٍ لا حوادثَ ووقائعَ يكتب بالاستناد إلى الروايات الشفاهية أو المكتوبة حتى, وهي روايات تخضع بالضرورة لوجهة نظر راويها واستنتاجاته ومعتقداته فالحدث الواحد لا يروى بالطريقة ذاتها حتى إن كانت الروايات تقترب من بعضها بعضا فلكل منا زاويته الخاصة التي ينظر منها إلى الحدث, فما بالك إذا بالحوادث السابقة التي يفعل فيها الزمن فعله بالإلغاء والإضافة والتأويل والتلميع.

يقول الفيلسوف الوجودي بارت في هذا الخصوص: «الخطاب التاريخي هو أساسا نتاج لايديولوجية أو خيال إذا ما قبلنا الموقف بأن مسئولية التفوه تمر عبر لغة الخيال من كيان لُغوي صرف إلى كيان سيكولوجي أو ايديولوجي».

كاتبة تونسية

العدد 1896 - الأربعاء 14 نوفمبر 2007م الموافق 04 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً