في حضرة سمو رئيس وزراء البحرين الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة تشعر انك أمام بحر من الذكريات النابعة من خبرة رجل تمرس في الحكم فأدرك كل تفصيل في جوانب الحياة العامة, لاسيما وأنه يعتبر مهندس الأمن والتطور الاقتصادي في البحرين.
بحكمته المفرطة يقارب سمو الشيخ خليفة الأمور, ماضيا وحاضرا ومستقبلا مستلهما من عزة الآباء ومواقفهم ضد الانكليز, ومن الصمود لاحقا في وجه الملمات ورياح الخارج العاتية, ومن العزم والاصرار على تحقيق النهوض على مختلف المستويات طريقا لبحرين الأمس واليوم والغد.
على مدى عقود كثيرة خلت خاض سمو رئيس الوزراء البحريني معارك سياسية خرج منها منتصرا بامتياز, لكن ذلك لا يبدد لديه شعور التحفز الدائم, فسموه في استراحة محارب يبدي جهوزيته كل حين توقا الى خدمة الوطن الذي يطمح ان يبلغ موقعه الرائد فوق خريطة الدول المتطورة.
»متعتي في التواصل مع أهلي وأشقائي, وأن أشاهد التطور, والنهضة في بلدي« تلك هي مآثر الرجال الذين يتفانون في خدمة الوطن وتحقيق منعته ورفعته.
بين البحرين قبل عقود والبحرين اليوم فرق شاسع يدرك القاصي والداني حجم الجهود التي بذلت والمصاعب والمتاعب التي ذللت لمواجهة ما أثير من عثرات في وجه نهضة البلاد على المستويات السياسية والاقتصادية... فبعد عقود من الزمن اكتمل البناء السياسي للدولة بسلطاتها ومؤسساتها الدستورية... وبعد عقود من الزمن ايضا تجاوزت البحرين ما حيك ضدها من شغب واستطاعت بجهود الأسرة وأبنائها, وفي مقدمتهم سمو الشيخ خليفة, ان تسمو فوق تلك المكائد وتبسط الأمن والاستقرار اللذين قادا البلاد الى طريق النهوض والتنمية. فالبحرين التي لم تكن تنعم عند جلاء الانكليز عنها بغير المبنى الحكومي وفندق الخليج وكانت مساكنها اشبه بـ»الشبرات« وشبكة الطرق فيها محدودة والبنية التحتية معدومة, ولم يكن لديها مردود من عوائد الثروة الطبيعية, استطاعت رغم ذلك ان تتحول بجهودها الذاتية وبمساعدة اشقائها في المملكة العربية السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الى مركز مالي اساسي في المنطقة وان تحتل موقعا رائدا في مجال التطور والتنمية.
أمام كل تلك الانجازات لا عجب ان يختار برنامج الامم المتحدة للمستوطنات البشرية سمو الشيخ خليفة ليمنحه جائزة الشرف للانجاز المتميز, وهي أكثر جوائر البرنامج مكانة, وذلك تقديرا لما حققته البحرين على مستوى تلبية أهداف الأمم المتحدة للألفية والمتعلقة بالبرامج الاسكانية والحد من الفقر, والتطوير الاجتماعي والبيئي المستدام للمدن وتوفير المأوى للجميع وخاصة الفقراء.
«السياسة»التي وقفت على التطور السياسي والاقتصادي في البحرين وواكبت محطاته على مدى العقود الغابرة, كان لها شرف فتح صدر صفحاتها رحبة للقاء سمو الشيخ خليفة الذي خاض في غمار التجربة وأضاء على تفاصيلها وصولا الى الحاضر واستشراف المستقبل. وفي ما يلي تفاصيل اللقاء:
سمو رئيس الوزراء... ونحن على أعتاب العيد الوطني البحريني لابد أن ثمة ما تستذكره عن الفترة الصعبة إبان الوجود البريطاني في البحرين, فما انطباعاتك عن تلك الفترة?
الذكريات كثيرة والحديث عنها هو نبش في التاريخ وتفاصيل يرويها بعض الذين عايشوا تلك الفترة لجيل الشباب... لقد كانت تلك الفترة صعبة بالنسبة إلى البحرين, وأذكر أننا كنا لانزال صغار السن, لكننا كنا نعايش تلك الأحداث من خلال مجلس والدنا رحمه الله ونسمع منه ونرى ماذا يحدث, ولعلها كانت فترة خصبة لتلقي الدروس الراقية. وأذكر في هذا المجال ان الوالد رحمه الله عندما كان الإنكليز يأتونه برسالة يريدون توقيعها منه وتتضمن انتقاصا من السيادة البحرينية أو طلبا لمزيد من النفوذ الإنكليزي في البحرين, كان والدي يقول لهؤلاء أنا لن أوقع طلبكم هذا, صحيح أنني لست قادرا على أن أفعل ضدكم أي شيء, ولكن إذا أردتم التصرف تصرفوا من دون توقيعي فأنا لن أوقع ولا تسمح لي عزتي وكرامة بلدي أن أوقع على أي طلب ينتقص من سيادتها وحريتها وسلطتها على كامل ترابها الوطني.
نحن ندرك تماما أننا لسنا دولة عظمى, ولم نكن دولة غنية في ذلك الوقت, ولم يكن تعدادنا السكاني كبيرا, كنا من دول العالم الثالث, وكانت كرامتنا هي ثروتنا, وأخلاقنا هي رصد أموالنا, والشيء الأساسي الذي كنا نعتز به هو تلك الكرامة التي تأبى علينا أن نرضخ إذلالا للغير.
كنا في تلك الآونة صغارا في السن, وعندما كبرنا وجدناها دروسا قيمة وكبيرة بالنسبة لنا عرفنا من خلالها كيفية التعامل مع الدول التي كانت تبسط نفوذها على بلدنا.
كان مجلس والدنا كله حكمة وهو الذي خلق فينا أشياء كثيرة وأعطانا دروسا قادتنا إلى معرفة كيفية التصرف في الملمات وعندما نكون في موقع المسؤولية.
الصمود في مواجهة الرياح العاتية
سمو الرئيس خلال فترة الخمسينات والستينات وربما السبعينات أثيرت رياح عاتية, وكنت يومها مهندس الأمن والاستقرار في البحرين, وكانت الرياح ضدك قوية, ألم تشعر بالخوف واحتمالات أن يطاح بك أو بالنظام?
فعلا كانت الرياح عاتية, ومن مجالسة والدي ومعرفتي بطريقة معالجته لتلك الرياح في الخمسينات والستينات أدركت أنها لم تكن سهلة, فتلك الفترة لم تكن مريحة, حيث كانت المنطقة والعالم يعيشان أجواء حروب باردة قاسية بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي السابق, وكان كل فريق منهما »يدلل على بضاعته«. وفي فترتي الستينات والسبعينات كان الاتحاد السوفياتي والفكر الشيوعي الأكثر سيطرة حيث قامت ثورات في العالم العربي وأطيح بحكام ورؤساء, وجاءت هذه الثورات بشعارات استهواها الناس وتقوم على إزالة الفوارق الطبقية بين من يملك ومن لا يملك وقد لاقت هذه الطروحات القبول عند بعض الناس لاسيما الفقراء الذين كانوا يوجهون انتقاداتهم إلى الأنظمة الحاكمة وإلى أصحاب الأعمال من الصناعيين والتجار والاقتصاديين الذين يشكلون عماد الوطن في كل دولة.
إن الله عندما خلق الخليقة لم يخلق أبدانا من دون رؤوس, حتى الحيوانات والبهائم لها رؤوس, ولابد من أن يكون هناك رأس في المجتمع والدولة, لكن أصحاب الشعارات حاولوا خلق الفوضى وضرب الرؤوس, وكانت النتيجة ان الرؤوس التي أطيح بها جاء بدل كل واحد منها 20 رأسا من ضباط ومخابرات نهبوا ثروات بلادهم وأضروها أكثر مما أفادوها, وفي الوقت نفسه لم يستطيعوا التغلب على الفوارق الطبقية فقد أدى الصراع القائم إلى إفقار الغني الذي كان يمكن أن يكون مستثمرا وصناعيا ورجل أعمال يهيىء فرص العمل ويحقق العائدات المالية للدولة, كما أدى هذا الصراع إلى قتل الحافز الفردي عند الناس, كما لم يتمكنوا من إغناء الفقير الذي راح بدوره ضحية الصراع من دون أن يرتقي إلى المستوى الذي وعد به, بل بالعكس تدنى مستواه إلى الحضيض.
وعندما نستعرض اقتصاديات الدول التي أطيح بحكامها في هذه الموجة من الصراع نجد ان تلك الاقتصاديات هي الأدنى وتتجه نحو القاع مقارنة باقتصاديات غيرها من الدول. فضلا عن أن ثقة العالم بتلك الدول تدنت إلى أدنى مستوى, ومن المؤكد أن أي دولة فقدت الثقة الدولية بها بسبب تغيير شرعيتها التقليدية نراها تحتاج إلى سنوات طويلة وجهود حثيثة لاستعادة تلك الثقة, وقد تدير هذه الدول لاحقا الحكم فيها بشكل سيىء وتحتك بالمحافل الدولية, وقد شاهدنا نماذج كثيرة لذلك في آسيا وافريقيا والشرق الأوسط.
نعم, كانت الرياح عاتية علينا, ولكن إيماننا بالله وبقدرتنا على المواجهة كان كبيرا وكذلك ثقتنا بشعبنا الذي كان كبيرا في المواجهة.
نعم, هناك من تأثروا واندفعوا إلى مثل هذه المعارك والصراعات, وهناك من طبلوا لتلك الشعارات وقالوا الكثير ووصفوا بعض السياسيين في البحرين وغيرها بألقاب وصفات بعيدة عن الحقيقة من أجل زعزعة المراكز السياسية لهؤلاء وخلق حالة عداء بينهم وبين شعبهم.. كل هذا انتبهنا له, وأقسم بالله اننا كنا, وأنا بالذات كنت أمارس الدور الموكل إليَّ بكل ثقة ومن دون أي خوف, وما أقدمت عليه كان لدي القناعة التامة بأنه لمصلحة البحرين وشعبها, ولم ينتابني الخوف ولم ارد ان نصل إلى المرحلة التي وصلت إليها بعض الدول الأخرى.
أكرر القول إننا لم نكن دولة عظمى, ولكننا استفدنا من موقعنا بجوار أشقائنا في دول الخليج والذين كانوا يتشابهون معنا في التحديات التي تواجهنا وفي التصدي لهذا الغث من الطروحات السياسية التي وجدت في الخمسينات والستينات والسبعينات.
سمو السيد رئيس الوزراء مرت البحرين بإرهاصات كثيرة أثارت خوف الكثيرين عليها, وفي كل مرة كانت تبرز تلك الإرهاصات كان يبرز اسم الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ويترقب الجميع ماذا سيفعل الشيخ خليفة, فكيف تعاطيتم مع إرهاصات الستينات والسبعينات وسنوات اخرى تلتها?
في فترة السبعينات أدركنا أن الإنكليز سيرحلون عن المنطقة, لأنهم وحسب سياستهم لم يعد لوجودهم في المنطقة أي مبرر, خصوصا انهم واجهوا مشاكل في الخليج وعدن واليمن ومصر وفي بعض الدول الافريقية ومناطق أخرى كثيرة, فقرروا ضمن ستراتيجيتهم ترك المنطقة, لا سيما وان بريطانيا العظمى لم تعد عظمى, وبريطانيا التي لم تكن تغيب عنها الشمس غابت عنها وأفلت, وقد اعترف البريطانيون بذلك صراحة في صحفهم وإعلامهم.
علمنا برحيلهم فبدأنا الاتصال معهم, قلنا لهم أنتم ترحلون وتتركون وراءكم مشكلة أوجدتموها بيننا وبين إيران, وقد بدأت يومها الاتصالات بتكليف من الدولة, وقابلت شاه إيران مرتين, وكنت حديث السن وأعتز بممارساتي وواثق من خطواتي, وأشهد بالله ان المقابلة كانت حسنة وتفهم الشاه مطلبنا, وقال إن الوضع غير طبيعي ولكن لنجد حلا لذلك, وتم الحل عن طريق الأمم المتحدة وتم استقلال الشعب البحريني في البحرين وقد جاء الحل عبر استفتاء صوّت فيه شعب البحرين على استقلاله وعلى نظامه الحاكم وعلى سيادته الوطنية..
هذا الكلام لا ينتقص على الإطلاق من دور المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي التي قامت مشكورة بدورها على أتم ما يرام, عندما دعمت مطالب شعب البحرين في نيل استقلاله.
وقد بدا بارزا أنه مع رحيل بريطانيا بدأ الغث من بقايا السياسات العربية الخاطئة يطل برؤوس الفتن والصراع من جحورها, وهي الخلايا النائمة والمتأثرة بالفكر السياسي الشيوعي أو الاشتراكي, والقصد من ذلك إحداث الشغب بإيحاءات وإملاءات خارجية, ولم نكن الوحيدين الذين عانينا من ذلك, ولكن لله إرادته.
بدأ الضجيج وكأنهم يريدون أن يرثوا بريطانيا, فبدل أن يكون هناك نظام يوصل البحرين إلى ما وصلت إليه حاليا من العزة والمنعة أرادوا أن يرثوا حكم بريطانيا كما ورث بعض الثوريين أنظمة الحكم في بلادهم. وكان موقفي في هذه النقطة ان الحكم في البحرين يبنى على مقتضيات ديمقراطية, وفي البحرين نحن أصحاب مجالس مفتوحة, أهل البلد من التجار وكبار القوم والأعيان يريدون الحفاظ على بلدهم, وألا يكون في مهب الرياح العاتية, أمام ذلك الضجيج بدأنا نتنفس, واقترح أهل الرأي والخبرة ومقدمة الناس على الأسرة والحكم والنظام أن يتم استحداث مؤسسات تنظيم العمل السياسي وعلاقات الحاكم والمحكوم ومنها الدستور والمجلس الوطني, وفعلا ووفقا لمشورة هؤلاء شرعنا في الإعداد لهذه المؤسسات وقد تم إجراء انتخابات وكان المجلس الوطني, لكن حصل عبث وتراشق وتشتت في القرار واختلطت المسائل السياسية خصوصا في تلك الآونة, حيث كان العالم لايزال يعيش فترة الحروب الباردة بين أميركا وروسيا, وحاولت الدول الخارجية أن تسوق أفكارها عبر بعض أبناء الوطن واختلط الحابل بالنابل, فأهل الرأي الذين طالبوا في السابق بإنشاء المجلس الوطني قالوا إن البلد سيضيع وأن الوضع غير طبيعي ونرجو حل المجلس الوطني وأن نترك البحرين تعيش فترة تأمل حتى تنضج الفكرة ويتوفر المناخ الملائم ويتهيأ الناس ولا يُشتت مصدر القرار, وبالفعل تم حل المجلس. وأتينا بمجلس الشورى وأمام هامش الحرية التي كانت موجودة وليس لديها التقنيات الحالية شعر مجلس الشورى أن عليه عبئا لا يقل عن المجلس الوطني وعاد العبث ونتيجة للغط الذي أثير حوله تم حل هذا المجلس مثلما حل المجلس الوطني.
وبحلول العام 1995 واجهنا قضية أمنية لم نكن لنستطيع مواجهتها لولا مساعدة أشقائنا في دول مجلس التعاون, وكان للأزمة أضلاع خارجية من المستفيدين من القلاقل وإثارة المشاكل والتشاحن الطائفي بين السنة والشيعة, والحمد لله, تجاوزنا هذه المرحلة بنجاح, ولم تكن سهلة أبدا, وأنا أتذكرها بتفاصيلها الكاملة وبأبعادها وقد تعاملت معها من دون توتر وخوف, ويعلم الله أنني في كل إجراء كنت مرتاحا وكنت مسؤولا عن الأمور في تلك الآونة ومن يرى البحرين الآن يعرف أن ما قمت به من إجراءات كان لخير البلد وأهلها, وعلينا أن نتصور أنه لو نجحت الأزمة الأمنية ماذا كان حال البحرين الآن? هل ستكون علاقتها مع الجوار الخليجي كما هي عليه الآن? وهل ستكون العلاقات مع دول مجلس التعاون على حالها? لا أعتقد ذلك. ان الإجراءات التي قمنا بها كانت في موقعها الصحيح, ولم تتسم هذه الإجراءات بالقسوة كما كانوا يصفونها الذين أرادوا الاستفادة منها, مع العلم أن الأحداث التي وقعت في البحرين كان البريطانيون وغيرهم من الذين لا يريدون حلا لبلادنا, بجهل أو بعلم, يضرمون نارها لقد كانوا مع حالة الشغب, وكانوا ينتقدون إجراءاتنا بذريعة أنها تتعارض مع حقوق الإنسان! فأي حقوق إنسان هي التي يتحدثون عنها عندما يأتي أحد ليقتل أهل البلد والوطن? ألا تسمح لك حقوق الإنسان بأن تعزل من يريد القضاء على وطن بأسره? لم ننصب المشانق وندبر حملة اغتيالات لأحد من أولئك العناصر الذين افتعلوا الأحداث, ولكن تعاطينا معهم بحكمة. لقد ضللوا وأغروا الناس بشعارات براقة ولكنها شعارات ليس إلا. لقد أثاروا غرائز الناس , بشعارات ما انزل الله بها من سلطان, وما حصل لا يحصل في اي دولة متحضرة.
تلك الفترة كانت عصيبة لكن اجتزناها براحة ضمير وامانة, واخلاق عالية, مع ان الوسائل المتاحة في الدفاع عن انفسنا من وسائل اعلامية وغيرها لم تكن توازي وسائل الاخرين الهادفة الى تدمير اهلنا ووطنا... لقد كانت تلك الأيام صعبة وغير متكافئة.
لا نلوم الناس, فقد كان بعضهم متأثرا بالافكار التي اكتشفوا لاحقا انها خاطئة وليست طموحا وطنيا مفيدا.
ومن ضمن المشكلات التي واجهتنا في فترة الستينات خلافنا مع الاخوة في قطر بكل ذيوله المعروفة والذي انتهى الآن, وهي نهاية جد سعيدة ومريحة ونحن في المناسبة ننتظر مؤتمر الدوحة ونأمل ان يؤدي الى تحقيق طموحاتنا الاقتصادية لجهة ربط الناس اقتصاديا لتبقى ثروات المنطقة فيها, وان يصار الى توحيد العملة او على الاقل توحيد سعر الصرف وان نرى السوق الخليجية التي تكون نواة لسوق عربية في المستقبل نتباهى بها.
نحن ننظر الى بلوغ هذه المرحلة والى علاقات مع الاخوة في قطر ودول مجلس التعاون مثل العلاقات التي تربطنا معهم جغرافيا. نحن شعوب المنطقة وحكامها من بنية اجتماعية واحدة, اسرنا مترابطة وكل شيء يمكن ان يحدث الا التوجس من بعضنا بعضا, نحن نريد قوة امنية مشتركة وموحدة بين دولنا, لها رأس واحدة وتحمي منطقتنا ودولنا التي ينظر اليها بنظرة طمع, واذا اثمر تعاوننا وتحركنا كطرف واحد اعتقد اننا سنكون من القوة الى درجة ان نفاوض الاخرين من منطلق قوي, فضلا عن قدرتنا على امتلاك التكامل الصناعي والاقتصادي والسياسي.
واذكر في هذا المجال انه عندما بدأ الانكليز بالرحيل عن بلدنا, واصبحنا على مشارف الامساك بمقدراتنا وثرواتنا لم يكن في البحرين على مستوى البنية الاقتصادية غير شركة نفط البحرين »بابكو« وكانت تضم بين خمسة الاف وستة الاف عامل, وقد اصابنا الهلع من امكان حدوث بطالة كبيرة بين هؤلاء, وعمدنا الى البحث في تطوير البنية الاقتصادية, واذكر انني ذهبت الى اليابان وأجريت مفاوضات اثمرت انشاء اكبر مصنع للالمنيوم في الشرق الاوسط مع بدايات متواضعة.
وعندما نتحدث عن التكامل الصناعي والاقتصادي في المنطقة لابد من الاشارة الى انه عندما اكتمل هذا المصنع وأصبح قوة صناعية مهمة للبحرين, المملكة العربية السعودية طرحت أو فكرت في موضوع انشاء معمل للالمنيوم, وقد تحادث المسؤولون فيها معنا, وقلنا لهم اذا اردتم المساهمة معنا فاهلا وسهلا بكم, اما التنافس بين مصنعين لن يفيد احدنا, وقد تفهمت المملكة مشكورة وجهة نظرنا.. ونأمل ان يناقش لقاء الدوحة المقبل موضوع التكامل الاقتصادي والصناعي والتعاون الامني وتطبيق الاحلام التي يطمح شعبنا الخليجي الى تحقيقها على مختلف المستويات.
التحولات الاقتصادية المرتبقة
بالحديث عن الاقتصاد, لماذا لا تحولون اقتصاد البحرين من اقتصاد رعوي الى اقتصاد اخر يقوم على الخصخصة ومنح القطاع الخاص فرصة المشاركة في النهوض الاقتصادي?
سبق وقلت ان مراحل السبعينات والتسعينات والسنوات الأخيرة مع كل متسجداتها كانت فترة صعبة, وكانت فترة ترتيب ما يسمى البيت السياسي, وقد انشغلنا خلال الفترات السابقة في ترتيب الاوضاع السياسية, وجاء جلالة الملك حمد حفظه الله وطور موضوع الحياة البرلمانية وارادها بالشكل الذي تقبله الناس وأرادوه, وقد انهمكنا كما ذكرت بهذه الترتيبات السياسية من برلمان ومجلس شيوخ وصحافة وكل ذلك بتوجيهات وقناعات من صاحب الجلالة, وقد اخذت هذه الترتيبات في الفترة الاخيرة اوقات طويلة من النظام والحكومة وجلالة الملك حتى استقرت الامور وعرفت كل سلطة صلاحياتها, ولن نسمح بطغيان السلطات على صلاحيات بعضها بعضا وتجاوز ما عداها وهذه اوامر جلالة الملك, فهامش الحرية متاح لكننا لن نسمح بأشياء يصعب تطبيقها وحلها, ولا نريد من يسعى ان يبيع للناس اوهاما وبضائع سياسية مغشوشة على طبق من ذهب هي في حقيقة الامر غير ذلك.
ان ترتيب الوضع السياسي استغرق وقته, والان حان الوقت لكل مشاريع الخدمات التي نطمح ان تتحول الى القطاع الخاص ليمارس دوره ويستثمر في اسهم هذه الشركات من خلال البورصة ويصبح المستهلك شريكا ومساهما في الشركات التي يقتنع بادائها ونشاطها, وفي رأيي انه اذا احيلت هذه الشركات والخدمات الى الخصخصة فانه يمكن ان تستوعب اليد العاملة وتحول من دون حصول اي بطالة, كما انها توفر الرواتب العالية التي تفوق الرواتب الحكومية, وستجد هذه المؤسسات اقبالا طالما ان العاملين فيها سيكونون محميين بالتقاعد والتأمينات الاجتماعية والرواتب الجيدة, ونحن نعمل جاهدين للوصول الى هذه النتيجة, وآمل أن يؤدي ترتيب الأوضاع السياسية بالشكل الذي يرغبه الناس, وآمل أن تكون محفزا لاقتصادي مزدهر, فالأمن الحقيقي هو الأمن الاقتصادي.
إزالة التفرقة وصلاحية السلطات
هل اصبحت الديمقراطية, بكل حسناتها وسيئاتها هي الخيار الذي يجب ان يطبق في المنطقة من دون العودة الى خصوصيات شعوبها?
لقد سبق واشرت الى ان اهل العقد والربط طلبوا في السابق مجالس برلمانية وديمقراطية وقد لبينا الطلب, واكتشف هؤلاء لاحقا عدم جدوى تلك المجالس وطالبوا بحلها نتيجة الممارسة الخاطئة للديمقراطية في ذلك الوقت.. اليوم اختلف الوضع ولدينا قناعة بالديمقراطية, كما ان الاجواء مكشوفة ولا يوجد اي شيء مجهول ومغطى, لكن ثمة شيئا واحدا يزعجني على هذا الصعيد, ففي البحرين لا توجد احزاب ولكن يوجد فكر حزبي وتيارات حزبية, والمزعج على هذا الصعيد اننا نرى تلك التيارات والافكار الحزبية تأخذ منحى طائفيا فنرى على سبيل المثال تكتلات للشيعة لا يوجد فيها غيرهم, او تكتلات للسنة لا يوجد فيها غيرهم ايضا, ويبدو ذلك وكأنه عزل للناس وعزل لمكونات المجتمع المدني عن بعضها بعضا, وفي رأيي انه اذا كان لابد من تكتلات فيجب ان لا تكون طائفية او قبلية, فكلنا اهل وطن واحد ولا فروقات بيننا ولا حائل بيننا الا ما حرم الله, وانا شخصيا لا ارتاح الى هذه التفرقة واتمنى ان تزول.
اما باقي الاشياء فنحن متأكدون من ان الامور مستقيمة بشأنها, والمهم ان لا تطغى سلطة على اخرى, وان يعرف كل فرد او مؤسسة عمله.. البرلمان جهة رقابة وتشريع وليس جهة شغب واقلاق وايقاف اعمال الدولة ونشاطاتها, ويجب ان نؤمن ان من يعمل يخطئ, ولا نريد ان تتوقف اجهزة الدولة عن العمل حتى لا تخطئ, بل على العكس فلنعمل واذا اخطأنا نصحح, ولكن لا يجب ان نضع العصا في العجل.
لدينا ديمقراطية تتطور ونعرف ان الشعب او الناس هي جهة احقاق الحق, وهناك صحافة حرة تنتقد وتتكلم وهناك منتديات ومواقع الكترونية تقول الكثير وتقول الصالح والطالح, وعلينا وعلى الناس ان تستفيد من الصالح ولا يزعجها الطالح.
ان حديث البعض عن معادلة للنظام بين الشيعة والسنة هو امر لا صحة له على الاطلاق, فلا معادلة على هذا الصعيد, المعادلة هي ان السنة والشيعة هما شعب بحريني تجمعه المشاعر الوطنية والولاء للوطن.
وبالنسبة لنا كنظام حكم فان المواطنين سواسية مهما كان انتماؤهم الطائفي او السياسي, المهم هو الولاء للوطن ومعرفة حدود الصلاحيات في السلطة التي يمارسها الشخص من خلال موقعه كنائب او وزير او غيرهما.
نحن في مرحلة حضارية ولا يجوز ان يبقى الانتماء الطائفي هو المعيار, ان الدين لله والوطن للجميع, ولا يجوز ان يسود اسلوب التنازع والعزاوات, والمؤسسات الدستورية تحدد حدود كل فرد وترفع الصالح وتضع الطالح عند حده.
متعة التواصل الداخلي والخليجي
سمو الرئيس نلاحظ انك مقل في السفر, وانه بعد حصولك على جائزة الشرف للانتاج المتميز التي منحت لسموكم من مكتب برنامج الامم المتحدة للمستوطنات البشرية في يوليو المنصرم تغير »المود« الشعبي البحريني, كان هذا »المود« مضادا وكان الذي معكم يتكلم على استحياء, فيما يتكلم من هو ضدكم بلسان طويل, فهل تغيرت نظرة البحرينيين لكم بعد الجائزة?
فعلا لقد شعرت بذلك, ولكن هذه الجائزة ليست لي وانما للبحرين ككل, والبحرين هي الاصل, والبقاء لما انجز فيها, واقول ان امتع شيء عندي هو متابعة الشأن البحريني, خصوصا الالتقاء بالناس الذين اعرفهم فردا فردا, فنحن بلد صغير وسكانه قليلو العدد وجغرافيته محدودة ومتعتي هي عندما يأتيني الناس ونناقش اوضاعنا وكأننا في أعرق برلمان دولي.. ولذلك اجد نفسي في هذا المجال وليس في مجالات السفر, حتى انني عندما اذهب في زيارات رسمية لا أرتاح بالكامل وأحب الإسراع في العودة... احب زيارة اخواني في دول الجوار الخليجي, وقد طرحت التواصل المستمر مع اخواني في دول مجلس التعاون الخليجي وسأستمر في فكرتي وسأسعى دائما الى لقاء رؤساء دول المجلس ورؤساء الحكومات, وعندما نذهب اليهم نتبادل الرأي والمشورة والتواصل, ولسنا طلاب حاجة, فالمنطقة تعيش في ثراء غير مسبوق, وكل الدول بخير ولا تحتاج إلآّ الى التواصل.
وكما ذكرت فانا اجد متعتي في المجالس التي استقبل فيها الاخوة المواطنين, والتي بدأ يتكاثر المرتادون اليها, وسبب متعتي في لقاء الناس انني اكون قريبا من مشكلاتهم واطلع على حاجاتهم واقتراحاتهم, فلا يجب ان نقلل من اهمية اي طرح, فقد تقود فكرة صغيرة الى اصلاح كبير, وقد نسمع طرحا غاب عن اذهاننا ونستفيد منه.
اما بالنسبة الى نظرة البحرينيين الى الحكم فاننا نقول ان هذا الحكم هو من هؤلاء الناس ولم يأت من الخارج أو من المريخ, نحن مواطنون ومن اهل الوطن اولينا الثقة فاما نكون اهلا لها, او لا نكون, هذا هو السؤال.
لا معادلات سياسية جديدة
سمو الرئيس عندما اصيب جلالة الملك بعارض صحي مع الاسف حدث لغط في المنطقة وفي البحرين على وجه الخصوص, واثيرت تداولات عن وجود معادلات سياسية جديدة, واعتقد ان السبب في ذلك يعود الى عدم الوضوح في الاعلان عن حالة جلالة الملك الصحية, وقد بقي الامر مبهما, فهل تطمئننا الآن على صحة جلالة الملك, ولماذا حدث هذا اللغط?
بالنسبة الى صحة جلالة الملك حمد اطمئنكم واطمئن اهلنا انه بخير وبصحة جيدة, صحيح انه كان هناك بعض التقصير في اشعار الناس بالعارض الصحي الذي اصاب جلالته, ولكن التقاليد الاجتماعية في مجتمعاتنا ربما لا تعطي اهمية لمثل هذه الامور البروتوكولية.
اما بالنسبة الى ما يحكى عن معادلات سياسية جديدة فأنا اؤكد انه لا معادلات سياسية طارئة على الاطلاق, هناك حكم قائم والوضع في البحرين واضح, رحل الشيخ عيسى يرحمه الله وفي الساعات التالية جاء جلالة الملك حمد, والامور محسومة, ولا يوجد اي تنازع او خلاف على المراكز.
اعود واؤكد للجميع ان صحة جلالة الملك بخير والحمد لله وهو الان يمارس عمله بكل نشاط ورؤية طموحة لمستقبل افضل للبحرين واهلها, ويتابع كل صغيرة وكبيرة, وانا بصفتي عم جلالة الملك وعميد الاسرة باعتباري اكبر افرادها سنا, التقي دائما وبشكل دوري مع جلالة الملك واتحادث معه دائما على الهاتف وكل شيء يتم بتوجيهاته وبالنصيحة والتناصح لما فيه خير البحرين وامنها وتطورها الاجتماعي والاقتصادي.
ان غاية النظام لدينا هي تحقيق بلد متطور على كل المستويات والصعد ويحظى بالامن والاستقرار واعتقد انه خلال السنوات القليلة الماضية احس الناس ان بلدنا يسير في اتجاه تحقيق هذه الغايات والاهداف, وان مقبل الايام سيحمل الكثير من التطور الاقتصادي ومشاريع التنمية بعدما تم انجاز ترتيب البيت السياسي ومؤسسات المجتمع المدني التي اصبحت تعرف حدود صلاحياتها اين تبدأ واين تنتهي.
أجندة الأعداء والمشاغبين
الديمقراطية المعتمدة تبدو صيغة منقوصة ففي كل دول العالم نجد ان الديمقراطية هي فعل احزاب ونتائج احزاب وهذه الاحزاب غير موجودة, كما يعتب بعض البرلمانيين لاغفال مطالبهم وذهاب الحكم الى الخصوم السياسيين, حتى يشبه البعض الحال بما كانت عليه الدولة الاموية حينما لم تستطع بهذه السياسة كسب خصومها واعدائها فضلا عن انها خسرت الذي يفترض ان يكون معها.
نعم هذه ظاهرة اعترف بها ومع الاسف المسار السياسي المعتمد في الديمقراطيات يرى ان الصديق هو في جانبك وصفك وهو في جيبك فيذهبون الى الاعداء والخصوم لكسبهم, مع العلم ان الخصومة والمشاغبة قد لا تكون استنادا لحس وطني بل انتخابي او تسويق سياسي.
نعم هذه ظاهرة موجودة في المنطقة, واقول: انه يجب ان تختفي, العدو والمشاغب يبقيان على حالهما, ومن له اجندة تبقى على حالها, خصوصا اذا كانت اجندته خارجية وتملى عليه من الخارج ولذلك يجب ان ندع الناس تحترم مواقفنا بالوفاء للذين يقفون معنا ويسيرون الى جانبنا في الخط الوطني الذي نسير عليه, والذي نقتنع بانه المسار السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي الصالح للوطن.
الإساءات الإلكترونية أفعال قليلي الحيلة
هل تتابعون ما يرد على المواقع الالكترونية, لا سيما وان بعضها يسيء الى البحرين ونظامها?
تكتسب المواقع الالكترونية جانبين احدهما ايجابي والاخر سلبي, ومن الجيد ان نأخذ الجانب الايجابي, ونترك الاخر, انا لست متابعا لتلك المواقع بدقة, ورغم اني اتابع بعضها الا ان بعض من هم معي يحاولون ان يحجبوا عني بعض اخبار المواقع التي تحاول الاساءة لنا والنيل منا ومن بلدنا وانجازاتنا, وانا لا انزعج من هذه الامور لانها افعال قليلي الحيلة والذين لا يستطيعون المواجهة بصراحة, واحترم جدا الذي يقول رأيه بتجرد وينطلق في نقده وملاحظاته من مشاعر وطنية تهدف الى الاصلاح, اما الذين ينطلقون من اجندات خارجية او ايديولوجيات من خارج اوطاننا ومعتقداتنا وقناعاتنا فاني لا اتوقف عندهم على الاطلاق.
على كل فان هذه المواقع تشبه مفعول المضادات الحيوية التي تبدأ فعالة ثم ينتهي مفعولها بعدما يتكيف الجسم معها, وكذلك هذه المواقع الالكترونية الهدامة التي تعتبر خاوية وبلا مضمون أو معنى, ولذلك لا تؤثر علينا وقد فقدت مفعولها. وأنا أشعر ان المواطن العاقل والمدرك لم تعد تثيره هذه المواقع وما يدرج فيها لأن الناس أصبحوا يملون ما تورده باعتباره فعل أناس لا حيلة لهم إلا تلفيق الأكاذيب والادعاءات الفارغة, وهي تشبه الصحف الصفراء التي يطالعها الناس ولا يأخذون بها.
لست متأثرا بما تورده تلك المواقع الالكترونية من أمور غير مفيدة لنا, ولست ممن يضيع وقته في هذه الأمور, فوقتي هو لنهضة البلد وهذه الغاية أسمى من التخلي عنها في سماع بعض الهمس والمماحكات والضغائن والمكائد. والعبرة في أن ترى البحرين وما حققته من إنجازات وما هو الوضع عليه الآن مقارنة بما كانت عليه قبل عشرات السنين على الرغم من قلة مواردنا الطبيعية التي تشكل عصب الاقتصاد والتنمية في الدول الخليجية الشقيقة لقد استطعنا أن نبلغ درجة متقدمة في سلم التطور على كل المستويات ونحن نبذل الجهود الحثيثة لتحقيق المزيد على دروب التنمية.
العدد 1913 - السبت 01 ديسمبر 2007م الموافق 21 ذي القعدة 1428هـ