توقع متعاملون في صناعة البتروكيماويات أن ترتفع كلفة مشروع توسعة جديد تنوي شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات (جيبك) إقامته إلى 3 مليارات دولار في الوقت الحاضر من الكلفة التقديرية التي وضعت من قبل البالغة نحو 700 مليون دولار بهدف إنشاء ثلاثة مصانع لإنتاج حبيبات اليوريا والأمونيا والميثانول.
وأرجع المتعاملون صعود الكلفة للمشروع الحيوي «نتيجة ارتفاع كلف الإنشاءات الهندسية للمشروع وتراجع سعر صرف الدولار مقابل العملات الرئيسية العالمية وقلة المقاولين مقارنة بحجم المشروعات, ما وضع ضغطا على المشروعات الجديدة خصوصا تلك التي يتم تأخيرها لعدة سنوات.
وأثار أحد التنفيذيين الأوروبيين في قطاع الإنشاءات الهندسية مشكلة ارتفاع الكلف الإنشائية للمصانع البتروكيماوية في الخليج العربي والتي تسببت في استمرار تعطل أو تأجيل الكثير من مشروعات البتروكيماويات، في الوقت الذي واجهت فيه المشروعات الجديدة معضلة العجز في الأيدي العاملة المؤهلة, وهو الأمر الذي ساهم في زيادة الضغط التصاعدي للكلف.
وكان مسئول في الشركة قد ذكر أن جيبك تسعى إلى إنشاء ثلاثة مصانع جديدة بكلفة 700 مليون دولار، ولكنه لم يعط تفاصيل عن الطاقة الإنتاجية للتوسعة الجديدة.
غير أن هيئة النفط والغاز كانت قد قالت إن «جيبك» تدرس توسعة طاقتها الإنتاجية إلى ثلاثة أضعاف ما هي عليه الآن بغرض الاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير (Economies of Scale)، إذ ستتم زيادة إنتاج الميثانول بنحو 5 آلاف طن، واليوريا 3 آلاف طن، والأمونيا ألفي طن يوميا, وأن هذه التوسعة تتطلب زيادة كمية الغاز التي يحتاجها المصنع بمقدار 2.8 مليون متر مكعب يوميا».
ورأى متعاملون في سوق البتروكيماويات أن كلفة التوسعة التي ذكرتها «الهيئة» في الوقت الجاري تقدر بأكثر من 3 مليارات دولار، وأن مبلغ 700 مليون دولار قد يعود إلى دراسات أجريت قبل سنوات وليس من الضروري أنها تعبر عن الكلفة الحقيقية في الوقت الحاضر.
وذكر مصدر مطلع إن مجلس إدارة شركة الخليج للبتروكيماويات في اجتماع له في وقت سابق، طلب إعادة الجدوى الاقتصادية لمشروع التوسعة بعد ما تأثرت الكثير من المشروعات في دول المنطقة نتيجة الصعود الكبير في كلفة الإنشاءات الهندسية للمصانع.
وقال أحد المراقبين: «هناك الكثير من الأمثلة في منطقة الخليج لارتفاع الكلف الإنشائية بشكل جنوني، ربما وضع (جيبك) يشبه وضع شركة قطر للأسمدة (قافكو) في عملية التوسعات الجديدة».
وأضاف «أن شركة (قافكو) قامت بتوقيع عقد قبل بضعة أسابيع مع كونسورتيوم من شركة سنام بروجتي الإيطالية وشركة هيونداي الكورية، لمشروع توسعة قافكو5 بكلفة 3.2 مليارات دولار لإنشاء ثلاثة مصانع، الأول لإنتاج 3850 طن من حبيبات اليوريا يوميا، والثاني والثالث لإنتاج الأمونيا تبلغ طاقة كل واحد منهما 2300 طن يوميا، بينما بلغت كلفة توسعة قافكو4 في العام 2004 نحو 535 مليون دولار لإنشاء مصنعين، الأول لإنتاج اليوريا بطاقة 3200 طن يوميا، والثاني لإنتاج الأمونيا بطاقة 2000 طن يوميا».
وأكد أن هناك فرقا كبيرا في كلفة الإنشاءات بين العام 2004 و2007، مشيرا إلى أن حسابات شركة «جيبك» ربما ترجع إلى الأعوام الماضية التي لا تعبر عن التطورات الجديدة في صناعة البتروكيماويات.
وقال: «هناك أيضا مثال آخر... إن شركة التعدين العربية السعودية أبرمت اتفاقا في يوليو/ تموز الماضي مع شركة سامسونج الكورية بقيمه 3.6 مليارات ريال (نحو مليار دولار) لإنشاء مصنع إنتاج مادة الأمونيا بطاقة تصل إلى 3.3 آلاف طن يوميا. هذه الطاقة الإنتاجية تفوق الطاقة الإنتاجية لمصنع الأمونيا الذي تسعى «جيبك» إلى تنفيذه بنحو ألف طن يوميا, وأن كلفته وحدها تصل إلى أكثر من 600 مليون دولار.
وكان رئيس هيئة النفط والغاز عبد الحسين ميرزا أكد ارتفاع الكلف الإنشائية في الوقت الجاري، وقال: «لو تأخرنا قليلا عن تنفيذ مشروع الديزل منخفض الكبريت لارتفعت كلفته إلى ملياري دولار بدلا من 700 مليون دولار. كما أننا لو تأخرنا عن تنفيذ تحديث المصفاة لارتفعت لأكثر من 3 مليارات دولار بدلا من 1.1 مليار دولار».
وصعدت الكلف الإنشائية الهندسية للمصانع في جميع القطاعات منها قطاع النفط والغاز والبتروكيماويات والألمنيوم والسكك الحديد، وتسببت الأسعار في تعطل مشروعات وتأجيل الكثير من المشروعات في منطقة الخليج.
وتشير الأبحاث المتخصصة إلى أن كلفة إنشاء وحدة تكسير الإثيلين وفق المواصفات العالمية تبلغ الآن 4 مليارات دولار بالمقارنة مع كلفة تبلغ 1.5 مليار دولار خلال العام 2000. وعلى رغم ارتفاع الكلفة إلا أن بعض الخبراء يرون أن فترة تأجيل غالبية المشروعات في الخليج العربي لن تستغرق سوى بضعة أشهر وليس لسنوات كما يلوح في الآفاق.
وما يؤكد هذه الحقائق تعرض مشروعات عملاقة في دول الخليج العربية لمشكلة ارتفاع الكلفة الإنشائية منها مشروع شركة ارامكو السعودية وسوميتومو اليابانية في رابغ. وقد عانا مشروع ارامكو سوميتومو الضخم من معضلة ارتفاع الكلفة الإجمالية لتشييد المجمع التي وصلت إلى 9.9 مليار دولار بعد أن كانت الكلفة التقديرية السابقة حددت بمبلغ 4.3 مليارات دولار.
كما أن ارتفاع كلفة مشروع مصفاة ينبع في السعودية إلى 12 مليار دولار في الوقت الجاري من 6 مليارات دولار عند إبرام مذكرة التفاهم بين «أرامكو» و «كونكو» في مايو/ آيار العام 2006، دعا الشركة الأميركية «كونكو فيليبس» إلى التراجع، إلا أنها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أعربت عن التزامها حيال بناء مصفاة ينبع على رغم ارتفاع كلفة الإنشاء إلى 12 مليار دولار.
وتحدثت شركة «كونكو فيليبس» (ConcoPhillips) الأميركية في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي عن تراجعها في المشاركة في بناء مصفاة الفجيرة الإماراتية وذلك بسبب ارتفاع كلفة المشروع. كما أدى ارتفاع الكلفة الإنشائية الهندسية المجموعة السعودية للاستثمار الصناعي إلى زيادة رأس مالها عن طريق الاكتتاب العام بسبب زيادة كلفة المشروع الثالث للشركة والذي يشتمل على إنشاء مجمع لإنتاج البولي اولفينات (البولي ايثلين والبولي بروبلين) بكلفة تم تقديرها سابقا بنحو 14 مليار ريال.
أما في قطر فقد ارتفعت كلفة مشروع «قطألوم» القطري المشترك بين شركة «نورسك هايدرو» (Norsk Hydro) شركة قطر للبترول بنحو 800 مليون دولار لتلامس 5.6 مليارات دولار بعد أن كانت كلفته 4.8 مليار دولار لإنتاج 585 ألف طن سنويا من الألمنيوم، بسبب صعود كلفة الإنشاءات. من بين المشروعات التي ارتفعت كلفتها بسبب الإنشاءات الهندسية مشروع مترو دبي الذي صعدت كلفته بمقدار 2.3 مليار درهم, أي بنسبة 15 في المئة, فوق الموازنة الموضوعة لاستكماله في الموعد المقرر والبالغة 15.5 مليار درهم.
وفي سلطنة عمان قامت الحكومة العمانية وشركة النفط العمانية وشركة «داو كميكيل» الأميركية بتأجيل مشروع بناء مجمع للبتروكيماويات بمنطقة صحار والذي كان من المتوقع أن تبلغ كلفته المبدئية 2 مليار دولار، والذي تم الاتفاق بشأنه سنة 2004 بسبب ارتفاع أسعار التشييد والمقاولات، إذ تقدر كلفة بناء المجمع في الوقت الجاري بأكثر من 2.6 مليار دولار.
وكانت الأطراف المشاركة في المشروع قد قامت بدراسات الجدوى اللازمة وكان من المتوقع أن ينتج مابين 800 ألف ومليون طن من البولي إيثيلين من خلال ثلاث وحدات إنتاجية على أن ينطلق الإنتاج الفعلي خلال العام 2009.
العدد 1920 - السبت 08 ديسمبر 2007م الموافق 28 ذي القعدة 1428هـ