العدد 1932 - الخميس 20 ديسمبر 2007م الموافق 10 ذي الحجة 1428هـ

«بدر» و«أصيل» يقرعان جرسين صغيرين... لكنهما مقلقان!

اختفاء الأطفال في البحرين... قضية تدعو للحذر

في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، نشرت «الوسط» موضوعا يحذر من وجود مجهولين يحاولون اختطاف الأطفال، وبتلك التحذيرات التي صاحبت قصة اختفاء الطفل بدر جواد حسين المبارك في 10 يونيو/ حزيران من العام الجاري، تضاعف الاهتمام بمراقبة الأطفال من جانب الكثير من الأسر... وخصوصا تلك التي لا تولي هذا الأمر أهمية، ولا تدري أين يذهب أطفالها حين يخرجون من المنزل، ومع من يلعبون، بل وأين يلعبون، ولربما خرج الأطفال من دون علم ذويهم.

يوم الأحد الماضي، (16 ديسمبر) اختفى طفل آخر في مدينة الرفاع، وهو الطفل أصيل نبيل الحسيني البالغ من العمر 10 أعوام، والذي تم العثور عليه صباح أمس في المحرق، وشهدت الأيام التي اختفى فيها تحركا في مراكز الشرطة والمستشفيات، وربما ستصل تلك الجهود - لو لم يتم العثور عليه - الى مرحلة تشكيل حملات وطنية للبحث عنه كما حدث للطفلة فاطمة وللطفل بدر، فقد انطلقت جهود شعبية للبحث كانت مدعومة بحملات، والسؤال هو: هل هناك من يختطف الأطفال في البحرين؟ ألا يستحق الأمر التفكير مليا للبحث في إمكانية وجود عصابة تختطف الأطفال؟ ولماذا تفشل جهود الفرق الأمنية في العثور على الأطفال المختفين؟

ويطالب عدد من المهتمين في قطاع الطفولة بضرورة العمل من أجل تشديد الرقابة الأمنية والاجتماعية لتحليل القصص من منبع كونها ناتجة عن وجود مجموعات أو «عصابات» تسعى إلى اختطاف الأطفال أيا كانت الأهداف من وراء تلك العصابات... لكن، لا يجب أن يترك الأمر هكذا من دون معالجة جادة وحقيقية وخصوصا أن المجتمع بات يعاني من الكثير من الظواهر الاجتماعية بسبب احتوائه على خليط متعدد من الثقافات والجنسيات التي جاء بعضها من مجتمعات نشطة في الجريمة بكل أنواعها.

ويجمع عدد من المهتمين بالطفولة، ومنهم رئيسة مركز حماية الطفل فخرية ديري، على أن هذه القضية توجب البحث الدقيق، والعمل من أجل التصدي لها لكي لا تتحول الى ظاهرة، فاختفاء طفل في كل عام يعني لها «صورة مقلقة» تهدد استقرار الطفولة.

وتؤكد أن أوضاع الطفولة تزداد سوءا، مشيرة الى أن يوم 20 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام هو يوم الطفل العالمي الذي اعتمدته الأمم المتحدة ليكون أحلى أيام الطفولة ولكي يحس كل إنسان بقيمة الطفل ومكانته في العالم... واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1989 اتفاقية حقوق الطفل الدولية. ويأتي هذا النشاط لتذكير الحكومات بالالتزام الذي قطعته على نفسها تجاه الأطفال.

وعلى رغم مرور 18 عاما على هذه الاتفاقية فإننا نرى أوضاع بعض الأطفال على مستوى العالم يزداد سوءا. فهناك أعداد لا بأس بها يفقدون حياتهم بسبب الأمراض المعدية والحروب التي لا نهاية لها، وهناك بعض الصغار الذين يدخلون المعارك وهم في سن الطفولة ويتجندون جبريا، هذا بالإضافة إلى الأعمال التي يقوم بها الطفل طلبا في لقمة العيش والتي لها تأثير سلبي على صحة الطفل.

وفي شأن اختفاء الأطفال، فإن ديري تشير الى أن المركز ينظر بقلق الى هذه الظاهرة، وهو الذي بدأ بمتابعة اختفاء الطفل بدر من خلال العمل مع عائلة الطفل ومع مؤسسات المجتمع في تنفيذ الحملات وتقديم الدعم النفسي للأسرة، لكن لابد من التأكيد أن الوقت آن للنظر في الموضوع من جوانبه الحساسة ليساهم كل طرف في المجتمع حماية للأطفال من هذه الجرائم.

قصص ومحاولات للاختطاف!

ولم تتوقف محاولات اختطاف الأطفال، فلاتزال القصص بشأن وقوع محاولة هنا أو هناك لاختطاف أطفال تبوء بالفشل مستمرة... فأحد الآباء يقول إن طفلته البالغة 12 عاما كانت في طريقها إلى البقالة مع شقيقها الصغير البالغ 4 سنوات، عندما اقتربت منها سيارة شحن صغيرة وفيها اثنان من الآسيويين طلبا من الطفلة أن تركب هي وشقيقها السيارة (زرقاء اللون)، فهربت وهي تصرخ، ما جعل سائق السيارة يولي هاربا أيضا!

وفي قصة أخرى، يقول أحد المواطنين إن طفله البالغ 10 سنوات تعرض لمحاولة اختطاف من جانب شخص «بحريني» دعاه إلى ركوب السيارة، لكنه رفض وصرخ حتى سمع بعض المارة صراخه وركضوا نحوه ليولي المجهول هاربا، ولم يتمكن أحد من التعرف على شكله أو تدوين رقم سيارته. أما القصة الثالثة فكانت لطفل عائد من المدرسة عندما لاحقته سيارة فيها آسيوي حاول الإمساك به، لكن الأخير تمكن من الهرب ليبلغ أهله بما حصل ويصف لهم السيارة وشكل الآسيوي.

وبغض النظر عن صحة تلك القصص من عدمها، تحدثنا إلى مسئول أمني بشأن ما إذا كانت هناك بلاغات وردت إلى الأجهزة الأمنية بشأن وقوع محاولات لاختفاء أطفال، فكان الجواب بالنفي أيضا. وهذا ما حصل مع النائب الشيخ حمزة الديري الذي أبلغه الأهالي قبل فترة عن محاولة اختطاف طفل في قرية الدير، لكن من دون وجود معلومات كافية بشأن الحادث، لكنه تحدث في الصحافة محذرا من إهمال الأطفال وعدم مراقبتهم في الوقت الذي تنشط فيه بعض العصابات في بعض الدول لتتاجر بالأطفال.

مجهولون... هل ترصدهم العيون؟

ولابد من التأكيد أنه من الأهمية بمكان أخذ الحيطة والحذر، سواء صحت تلك القصص أم لم تصح، فمنذ اختفاء الطفلة فاطمة في العام 2002 واختفاء الطفل بدر في العام الجاري، لايزال هناك أطفال صغار يتسكعون في الشوارع ويتجولون في المزارع ويتجهون إلى السواحل في غفلة من الأهل، ولعل الخطوة الأولى لمنع تكرار حوادث اختفاء الأطفال، هي زيادة اهتمام الأسر بأطفالها الذين يذهبون إلى كل مكان وفي أي وقت، وكذلك تحمل المسئولية المجتمعية من جانب الأفراد قبل رجال الأمن في حال رؤية طفل في مكان يجب ألا يكون فيه، ومتى ما كان الناس متيقظين، فلن يكون للمجهولين وجود، والعيون ترقب تحركاتهم.

وهذه الظاهرة تستشعرها المحامية فاطمة الحواج التي تصفها بالقول: «اختفى بدر في غمضة عين واختفت قبله فاطمة فلم يتم العثور عليهما حتى يومنا هذا، والحقيقة أنها مشكلة قصمت ظهر جزيرتنا. قد يقول البعض: إنها ليست ظاهرة ونحن نعتقد ذلك ولكن الخوف أن تتحول المشكلة إلى ظاهرة في بلد صغير المساحة. فهل يعقل أن يختفي طفلان من دون العثور عليهما حيين أو ميتين لا سمح الله؟ بالطبع ان اختفاءهما امر مروع ولا يتصوره عقل، لأن البحرين بلد صغير والكل يعرف الآخر، فهل من السهل ضياع طفلين من دون أن تثمر جهود رجال الأمن في العثور عليهما؟».

من البحرين إلى مصر!

إن هاتين القضيتين اهتم بهما رأس الدولة وتكاتفت كل جمعيات المجتمع المدني من أجل البحث عن الطفلين وشغلا اهتمام الرأي العام ولكن لم يتم العثور عليهما وخرج غالبية اهالي قرية سماهيج صغيرهم وكبيرهم للبحث عن بدر ولم تجدِ كل المساعي، فهل يجب أن نقول إن هذا قضاء وقدر وأن نسكت عن هذه المشكلة؟ بالتأكيد الجواب لا. أما هند فهي طفلة مصرية لم تتجاوز إحدى عشرة سنة اغتصبها ذئب مفترس وحملت منه وأنجبت طفلة أخرى وسارع محافظ المنطقة الى التبرع بشقة بعدما ظهر والدها على شاشات التلفزيون يحكي قصة طفلته التى انتهكت طفولتها وأصبحت أما لا تعي ما معنى الأمومة، فهي لاتزال تطمح الى أن ترجع إلى المدرسة لتلعب وتلهو مع صديقاتها ولكنها فجأة لقيت نفسها تختلف عن باقي زميلاتها وكان ذلك كله بسبب شهوة عاشها المغتصب لكي يفرغ طاقته في طفلة لا تعي ما يفعله بها. وتضع الحواج يدها على جزء مهم من القضية الخطيرة، وهي «اننا اليوم نعيش زمنا تبدد فيه الأمان وأصبح الخوف هاجس الأمهات خلاف ما تربينا عليه، فكنا نلعب في حاراتنا حتى تغرب الشمس ولم نسمع عن جرائم اختطاف الأطفال، فكل رجل في حارتنا كان أبا لكل اطفال الحارة كأنه مسئول عن تربيتهم، أما اليوم فأصبح الانسان يعيش مخاوف بسبب تطور الحضارات وغزو التكنولوجيا والثقافات، وساعد على ذلك التجنيس العشوائي لأشخاص لا يمتون الى عروبتنا بصلة... كل ذلك أدى إلى زيادة الامراض النفسية العصرية حتى أصبحنا نعيشها بلا أمان».

من يحمي الأمهات من الشعور القاتل؟

وتستطرد الحواج قائلة إن كل الامهات اليوم يعشن حالة القلق على أطفالهن من الاختطاف أو الاغتصاب، فمن سيحميهن من هذا الشعور القاتل؟ لقد عجزت أجهزة الأمن عن العثور على الطفلين بدر وفاطمة، وعجزت الصحف في البحث عن بدر والكتابة عنه.

وتستند الحواج إلى دراسة عالمية تقول إن «عدد الاطفال الذين اختطفوا أو ضاعوا من ذويهم يقدر بحوالي 1.3 مليون طفل في العالم وهذا يعني أن جريمة خطف الأطفال ظاهرة دولية تجب محاربتها في بلدنا والتي أصبحت مشكلة قبل أن تصبح ظاهرة»، وتعتقد بأن ظاهرة اختفاء الأطفال تعود إلى ضعف الوازع الديني وغياب الخطاب الديني المعتدل الذي يحث الشباب على التمسك بالقيم والأخلاق، وغياب الضمير الانساني بسبب اختلاط الثقافات وتطور التكنولوجيا واساءة استعمالها، بالإضافة الى التفكك الأسري واهمال الأسر تربية اطفالهم.

ويجمع المهتمون بالطفولة، كما تشير الحواج، الى أن مشكلة اختطاف الأطفال هي قضية مجتمع بأكمله، ما يوجب العمل كمؤسسات وأفراد لنشر الوعي بخطورة هذه الجريمة والتصدي لها قبل أن تستفحل في المجتمع وتتحول الى ظاهرة يصعب حلها، والنظر الى أهمية نشر الثقافة الأمنية عند الاطفال ويجب أن تكون هناك دورات تثقيفية تقوم بها وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم ونشرها كذلك عن طريق وسائل الاعلام وشرطة المجتمع المدني، وأن ينشر الخطاب الديني ثقافة الضمير والأخلاق والوعي الاجتماعي ونشر ثقافة الاعتدال، علاوة على اهتمام مؤسسة الشباب والرياضة بنشر الوعي الثقافي وألا تقتصر نشاطاتها على الرياضة فقط، واهتمام الأسر بتربية أطفالها ونشر ثقافة التربية بأنها مسئولية الأب والأم أي انها وظيفة مشتركة، وتأكيد اهتمام الجهات الأمنية والاجتماعية بالنظر الى أن ظاهرة اختفاء الأطفال تدخل في اطار الجريمة المنظمة، ولابد من التشديد على فكرة وجود مجموعة أو عصابة تختطف الأطفال وتنظيم حملات أمنية واجتماعية للتوعية بهذا الخطر.

العدد 1932 - الخميس 20 ديسمبر 2007م الموافق 10 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً