العدد 2281 - الأربعاء 03 ديسمبر 2008م الموافق 04 ذي الحجة 1429هـ

أدونيس و «رأس اللغة... جسم الصحراء»

«تصعب الإجادة في الربَّانيات؛ لأن معانيها متداولة لدى العامة»

ابن خلدون

قبل أدونيس بعشرات السنوات يكتب إدوارد جيبون، صاحب «نهوض وسقوط الإمبراطورية الرومانية: «لو لم يتم إيقاف تقدم العرب شمالا من إسبانيا؛ لبلغوا مشارف بولندا، والأرض المرتفعة، ثم استكتلندا. لربما دخل أسطولهم نهر التايمز من دون مقاومة» ثم يخلص إلى النتيجة الآتية: « كان سيصبح القرآن مادة إلزامية في جامعة أكسفورد».

وربما أكثرنا يتذكر كلاما لبرتراند راسل على مقربة من هذا: «لو لم يضرب الجفاف آسيا الوسطى، لما هاجرت القبائل التركية إلى موطنها الحالي، لما سقطت القسطنطينية، لما حدث عصر النهضة، لما جاء كوبر نيكوس وغاليليو، ولما حدثت الثورة الصناعية».

منذ كتابه «الثابت والمتحول ... بحث في الاتباع والإبداع عند العرب» بأجزائه الأربعة، مرورا بمشروعه «الأصول»، «تأصيل الأصول»، «صدمة الحداثة وسلطة الموروث الديني»، «صدمة الحداثة والموروث الشعري»، «فاتحة نهاية القرن»، «الصوفية والسوريالية»، و»النص القرآني وآفاق الكتابة»، و»النظام والكلام»، لأدونيس، وخصوصا في «النظام والكلام»، يقف على إعادة إنتاج وصوغ الرؤى والأفكار ذاتهما في كتابه الجديد « رأس اللغة ... جسم الصحراء» الصادر عن دار الساقي في طبعته الأولى للعام 2008.

مانسبته أكثر من 90 في المئة من محتوى الكتاب، هو عبارة عن مجموعة مقالات نشرها أدونيس في صحيفة «الحياة» اللندنية، من بينها مقاطع من كلمات في مناسبات عدة شارك فيها، سواء بمناسبة تكريمه لنيل جائزة، أو من خلال أوراق وكلمات افتتاحية في مهرجانات وأمسيات عربية وأجنبية.

أهمية الكتاب تبرز في اشتغال أدونيس على ثنائية «الواقع» «الغيب»... اللذين يتحركان في فضاء الحقوق. وتعميقه في بعض مقالاته لمفهومي النهضة والمجتمع المدني. وهو تعميق بالمناسبة بمثابة استدراك لما تناوله في الكتاب المذكور سابقا: «النظام والكلام».

تشعر في كتاب «رأس اللغة... جسم الصحراء» أنه كلما نأى أدونيس عن «الشعري»، كلما تبدَّى احتقان في رؤيته.

أن تأتي متسلحا بقراءة واعية ومدركة لمفاصل مهمة ورئيسة من التاريخ والتراث اللذين تشتغل عليهما، وتصدر عنك كتابات لا تتجاوز «الإنفعالي» من المقاربة التي يتم انتخابها؛ فذلك ما يبعث في كثير من الأحيان على «الشفقة».

معظمنا يدرك أن أدونيس انتخب في تعامله مع مساحة عريضة من التاريخ العربي والإسلامي، الحركات الصوفية باعتبارها النموذج الأبرز في مشروع اشتغاله، وماعدا تلك الحركات، تظل مساحة كبيرة من ذلك التاريخ متهمة، وفي دائرة «السوء». وظل التعاطي مع مبحث الصوفية من خلال أدوات تفسيرية تبدو متناقضة ومزاجية في بعض تجلياتها؛ ففي الوقت الذي يكتب فيه كارل ماركس في إحدى رسائله إلى كوغلمان: «لو لم يكن للصدق أي دور في التاريخ؛ لأصبح هذا التاريخ ذا طبيعة مغرقة في الصوفية».

لا يجد أدونيس أي حرج في إغراق التاريخ بمثل تلك الصوفية، حتى في تناوله لمسألة السلام والحرب اليوم في القرن الحادي والعشرين. يبدو انتخاب أدونيس لكلا الحالتين باعثا على الانفصال في اشتغاله على المفهومين؛ ولكنه في موقف انتقائي يحيل مفهومي السلام والحرب إلى «ثابتين»، بغض النظر عن الظروف والملابسات المحيطة بهما. من دون أن يفصل في أن ثمة سلاما هو مشروع حرب، وأن ثمة حربا هي مشروع سلام؛ وخصوصا في مقاربته التي تبدو مباشرة في تلقيها: «تحرريا، أفضل غاندي، رؤية،ومنهجا، وممارسة. أرفض العنف بأشكاله جميعا.مهما كانت أفعاله. مهما كانت مسوَّغاته سواء كان فرديا أو جماعيا». «غيفارا: «عصبية، طبقة، فئة، طليعة ... إلخ»، تمارس العنف. غاندي: «الشعب كله. في تنوع فئاته ووحدتها، مسلحا بالسلام والانفتاح على الآخر».

عودا إلى إدوارد جيبون، وبرتراند راسل، والتحرك ضمن فضاء أسئلتهما: ماذا لو استطاع المسلمون أن يتواءموا مع عصرهم، ويتجاوزوه؟ ماذا لو تحقق مشروع النهضة في بعده الإنساني عربيا؟ ماذا لو تحول الأصوليون إلى أفندية في تفكيرهم، منفتحين على علوم العصر ومتجانسين ولو بتخريجات نفسية وفقهية مع روحه؟ أين سيكون مشروع أدونيس «الصدامي» مع موضوعتي، الواقع والغيب... موضوعة فضاء الحقوق؟

هل الكتاب في مساحة عريضة من فصوله متورط بما يعرف في الاقتصاد بكلفة الفرصة البديلة؟ وتعني قيمة نظرية تساوي القيمة المتوقعة للبدائل المتخلى عنها كنتيجة لاختيار بديل معين، وتستخدم في تقييم أداء الأدوات الاستثمارية واتخاذ القرارات الاستثمارية.

يعني أنه اذا كانت القيمة المكتسبة للسلعة الجديدة أكثر فائدة من السلعة القديمة نقوم باتخاذ القرار أما إذا كانت القيمة المكتسبة من السلعة الجديدة أقل من السلعة القديمة لا نقوم باتخاذ القرار. يبدو الأمر كذلك

العدد 2281 - الأربعاء 03 ديسمبر 2008م الموافق 04 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً