العدد 2281 - الأربعاء 03 ديسمبر 2008م الموافق 04 ذي الحجة 1429هـ

ترتيب البيت الحزبي والجبهوي وسط تصاعد الهجمات على الحركة الوطنية

مذكرات عبدالرحمن النعيمي

كانت الحركة الثورية الشعبية تعيش مرحلة طفولتها اليسارية... وواجهت أعداء متمرسين عالميا بمواجهة مثل هذه الحركات على الصعيد العالمي ... البعض نجح كالجبهة القومية في الجنوب اليمني... والبعض فشل في الكثير من مناطق العالم... وتعلم الفاشلون ليعودوا بوعي جديد وبرامج جديدة وتحالفات جديدة في ظروف جديدة...وانتصر بعضهم في ظل العولمة كما نشاهد في أميركا اللاتينية حاليا... في الوقت الذي أخلت الكثير من ساحات الوطن العربي المكان للتيار الإسلامي المناضل أو المتخلف الذي يعيد بعضه نظرية الفرقة الناجية!

وإذا كانت الحركة الثورية الشعبية قد عاشت أوضاعا داخلية انعكست على علاقاتها مع المناضلين القوميين الذين ارتبطوا بالحركة القومية (الحركة أو الحزب)، فإن الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل قد واجهت المهمة الأصعب: مواجهة قوى الخصم في المنطقة النفطية بأكملها إن لم يكن على الصعيد العربي والعالمي... وبالتالي فإن أخطاء الأولى انعكست في نطاق ضيق... أما أخطاء الثانية فقد انعكست على مسيرة الصراع الشعبي برمته في عمان لاحقا.

في الثالث والعشرين من يوليو/ تموز1970، حدث التحول الكبير في مخطط الخصم. لقد قرر البريطانيون التخلص من السلطان الذي جمع ضده كثرة من الأعداء من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.. من الحركات اليسارية إلى حركة الأمام إلى القبائل إلى شيوخ ساحل عمان... وجاء الجديد على ناقلة نفط، وببرنامج إصلاحي، وبتحالفات عمانية وإقليمية ودولية ترى في الجبهة الشعبية العدو الأساسي والوكيل للعدو الدولي، الصيني أو الروسي.. قبل أن تغير الصين سياستها بعد أقل من عامين وتنهي علاقتها مع الجبهة، مما اضطر الأخيرة إلى نسج تحالفات أخرى عربية ودولية.

في الثاني عشر من سبتمبر/ أيلول 1970، برز في صفوف الجبهة في المنطقة الشرقية من ظفار فريق طرح مسألة المصالحة مع النظام، وأراد تصفية الكادر الحزبي، مما أوجد حالة حرب بين الطرفين استمرت فترة من الوقت، حتى انتصرت الجبهة على الطرف المعادي، وتمت إدانة (الحركة الانقسامية المرتبطة بالسلطة) حسب بيانات الجبهة... إلا أن هذه الحركة قد غذت الوضع برمته، وبدأت المزيد من العناصر تسأل عن مستقبلها في الوقت الذي كانت الجبهة تتجه يسارا لتقوية ذاتها، بينما قوى الخصم تضرب على وتر التحولات الفكرية والسياسية باعتبارها ضد العادات والتقاليد وضد الإسلام، وتعبيرا عن الغزو الشيوعي للمنطقة... ووضع الإسلام في مواجهة الشيوعية... وباتت الفرق القبلية التي قام النظام بتشكيلها من قبل العناصر التي نزلت إلى السلطة بتسميات إسلامية، ففرقة خالد بن الوليد في مواجهة فرقة هوشي منه... وهكذا دواليك... وبدأت الحرب الإعلامية والنفسية بكثافة تشنها الطائرات والإذاعة المحلية بالإضافة الى الإغراءات المالية لشراء الذمم، وتأليب المناضلين على القادة، وبدأت هذه الحملة تفعل فعلها في النفوس... في الوقت الذي لم تضع قيادة الثورة برامج تعبوية بمستوى المعركة، رغم الدور الذي لعبه برنامج الجبهة من محطة عدن، ثم المحطة الخاصة التي جلبتها الثورة في المكلا (عاصمة محافظة حضرموت) لتبث برامج للتعبئة السياسية ومواجهة التعبئة السلطوية... لكن الإمكانات غير متكافئة... وكان الخصم يحشد قدراته الخاصة وقدرات حلفائه العرب والدوليين، في الوقت الذي لم يكن الحلفاء الدوليين يرون في الحرب في ظفار ساحة ناجحة لكونها مرتبطة بالصراع على منطقة النفط الأميركية.

****

كان من الضروري عقد المؤتمر الرابع للحركة الثورية الشعبية، التي ترى في نفسها الحزب القائد للجبهة والعمل المسلح في ظفار وعمان الداخل والعمل السياسي في بقية المنطقة.. وقد تراكمت الكثير من المشكلات... بدءا من الكويت حيث فهم البعض أن الإنحياز إلى الحركة الثورية الشعبية يعني القيام بعمل عنيف في الكويت خلال زيارة شاه إيران ليحصد فرع الحركة حملة اعتقالات واسعة اضطر البعض من القيادة إلى مغادرة الكويت ... أو مواجهة الاعتقال والتحقيق والمحاكمة... والاعترافات ... في الوقت الذي استشهد بعض الكادر واعتقل أعضاء في المكاتب السياسي في عمان الداخل، وبرز السؤال التالي: من يحق له حضور المؤتمر الرابع الذي سيقف أمام مجموع تجربة الحركة الثورية الشعبية من الكويت إلى ظفار؟

وكان من الضروري عقد المؤتمر في لبنان، وليس في أي مكان، فما زال لبنان مركز استقطاب كل قوى الثورة في المنطقة العربية، والمركز الإعلامي الأبرز والبلد الأكثر أمنا... وعلى ضوء الاتصالات بين العديد من الرفاق من مختلف المناطق، وخاصة من ظفار وعمان الداخل، أمكن عقد المؤتمر في أكتوبر/ تشرين الأول 1970 وبحضور عدد من الرموز الأساسي من هاتين المنطقتين، وكان من الضروري تقديم تقارير سياسية وتنظيمية عن المرحلة السابقة، إضافة الى تحليل الوضع السياسي الجديد ووضع نظام داخلي للحركة وبرنامج عمل وخطط في مختلف المجالات... وأمكن تحقيق الحد المتوسط لكل ذلك فيه..

وشكل المؤتمر منعطفا في مسيرة الحركة، وإخراجا من الوضع التنظيمي المرتبك، قياديا وعلى صعيد المناطق... وتشكلت اللجنة المركزية، ضمت قرابة 15 عضوا، ممثلين عن مختلف الساحات، وانبثق عنها المكتب السياسي الذي ضم في عضويته رفاقا من مختلف الساحات الأساسية (عمان والبحرين والمكتب الطلابي بالدرجة الأساسية)، وتم اختياري سكرتيرا للمكتب السياسي.

ضمت اللجنة المركزية الشهيد محمد بونفور والمناضل أحمد الشملان وعبدالرحمن محمد النعيمي من البحرين، كما ضمت الشهيد زاهر المياحي (أحمد علي) الذي جاء لتوه من مسقط بعد أن قاد مظاهرات عمالية تطالب بتشغيل العمانيين بدلا من الأجانب وتطالب بالأجور العادلة والنقابات العمالية، ليضع بصماته ليس فقط على العمل العسكري الذي كان أبرز رموزه، وإنما أيضا على التحرك الشعبي المرشح للتصاعد إذا أحسنت العناصر الحزبية الاستفادة من الظروف الجديدة، والمرحوم (أبو صلاح)، محمد صالح الغساني (الذي عمل فترة طويلة في مكتب إمامة عمان في البصرة ليغادرها إلى الحركة الثورية الشعبية من ضمن الشخصيات التي وجدت أن الإمامة قد شاخت وإن عليه أن يلتحق بالقوى الثورية الجديدة)، بالإضافة إلى عبدالعزيز القاضي وأحمد عبدالصمد وطلال سعد من الإقليم الجنوبي (ظفار)، وعضوين من المجال الطلابي، وانتخبت اللجنة المركزية عددا من أعضائها للمكتب السياسي من بينهم المناضل أحمد الشملان وعبدالرحمن محمد النعيمي والشهيد زاهر علي وأبوصلاح وعبدالعزيز القاضي في دورتها الأولى...

وحيث اكتسب المؤتمر الطابع النقدي الحاد للمسيرة الماضية، وخاصة للرفاق في عمان الداخل وظفار، فقد كان من الطبيعي أن ينعكس ذلك على العلاقة مع قيادة الحركة في ظفار التي كانت تريد تشكيل حزب مستقل ضمن المواصفات التي تراها... بينما كانت بقية المناطق ترى مواصفات أخرى بناء على الوضعية الجماهيرية النضالية التي يعيشها.

****

من بيروت إلى عدن لترتيب وضعية العائلة التي جاءت لتوها من قطر، وفي مطار بيروت مودعين الوالد الذي لم يعرف اتجاهات رحلة ولده، فقد كان العمل يتطلب السرية، وتمويه التحرك على الأهل... فنحن ذاهبون إلى عالم آخر... تاركين كل الشهادات وكل المناصب وكل العلاقات العائلية وكل الإغراءات المالية، ونكران الذات وإخفاء الأسماء الحقيقية ... إلى عالم الثورة والكفاح المسلح والإصرار على ترسيخ قيم العدالة والمساواة وما يتطلبه ذلك من الصراع ضد قوى الشر... ومغادرة كل نزوات النفس والمال... والعيش مع الفقراء في طموحاتهم من أجل جمهورية شعبية يكونوا سادتها... لكن الطوفان النفطي كان شديدا... وكانت مقاومة الفقراء في جبال سمحان أسطورة تستحق الإكبار والإجلال والتسجيل.

بعد المؤتمر الثالث للحركة الثورية الشعبية، والذي انتخب لجنة مركزية انبثقت عنها لجنة تنفيذية، باتت المهمة الأساسية هي توحيد الجبهتين (الشعبية والديمقراطية) اللتين يفترض أن تكون الحركة الثورية الشعبية في عمان والخليج العربي هي الحزب الطليعي الذي يقود هاتين الجبهتين على غرار التجربة الفيتنامية (مع الفارق الكبير بين التجربتين، من حيث عراقة التجربة الفيتنامية ومن حيث اتساع وتنوع المهمات النضالية والجماهيرية الخليجية)، فقد كان الهم الأساسي للرفاق في ظفار هو الانخراط في المشروع الحزبي ولكن مع الاحتفاظ بالتوجه الذي يسيرون عليه، واستقلالية القرارات والتوجهات الحزبية التي يسيرون عليها والتي تسترشد بالتجربة الصينية بالدرجة الأساسية، واعتبار مهمة الحركة الثورية تنفيذ برنامج مد الثورة إلى المناطق الأخرى، وبالتالي قدرتهم على إقناع القواعد والجماهير في ظفار التي قدمت الكثير من التضحيات بأن الثورة، أو الجبهة قد استطاعت أن تخرج من عنق الزجاجة، وتجاوزت جدة الحراسيس ـ تلك الصحراء الكبيرة التي تفصل ظفار عن مناطق عمان الأخرى ـ إلى عمان الداخلية، وإن الرفاق الذين اتخذوا تسمية أخرى ليسوا قوى معادية أو منافسة للجبهة وقيادتها، وإنما موقف تكتيكي لم يكن منه بد لتكتيل المزيد من الجماهير في تلك المناطق، ولا يمكن إقناع الوسط الجبهوي والجماهيري إذا لم يتم توحيد الجبهتين في جبهة واحدة تسير على خطى سابقتها. في الوقت الذي أراد الرفاق في عمان الداخل أن يؤسسوا تجربة أخرى، تحمل اسم عمان من جهة، وتترجم قناعات الحركة الثورية الشعبية بشكل أفضل، بينما أراد المكتب السياسي أن ينتقد مجمل العمل الذي سارت عليه الجبهتان وأن يؤسس لفهم جديد للعمل الثوري يرتكز على العمل الجماهيري بشكل أكبر وخاصة في المناطق الريفية أو المدن ومناطق الخليج الأخرى وخاصة البحرين، حيث العمل الجماهيري والحزبي السري عريق الجذور فيها

العدد 2281 - الأربعاء 03 ديسمبر 2008م الموافق 04 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً