العدد 1966 - الأربعاء 23 يناير 2008م الموافق 14 محرم 1429هـ

يجمعهما الحبّ منذ نصف قرن...لبلبة «نونيا»... طفولة غير عادية وحالة سينمائية نادرة

في العام 1950 وحين لم يكن عمر الصغيرة نيوتشكا مانوك كوبليان (أو نونيا نوشكا) يتجاوز الأعوام الخمسة لاحظت أسرتها الأرمنية أن صغيرتها الجميلة لم تكن طفلة عادية. نونيا الصغيرة المولودة في العام 1945 كانت تملك موهبة غير اعتيادية تجعلها قادرة على الرقص والغناء بإبداع يعجز مشاهديه، بل وتضيف إلى ذلك تمكنا بالغا من تقليد أية شخصية تلتقيها.

في إحدى المرات وعند سن الخامسة ذاك، وبينما كانت ترافق أسرتها لحضور مسابقة فنية للهواة لم تتمالك الصغيرة نفسها، قفزت حين سمعت صوت الموسيقي. بدأت في الغناء والرقص علما بأنها لم تكن مشاركة في المسابقة أصلا. يقال إن متعهد حفلات يدعى المعلم صدّيق هو من سمح لها بتلك المشاركة، وأنه أيضا من قدمها بعد ذلك لأنور وجدي وحسن الصيفي.

الطريف في تلك المسابقة أن الصغيرة غير المشاركة لفتت أنظار الجميع وتمكنت من الفوز بالمركز الأول على الجميع. لحسن الحظ، كان المخرج الراحل نيازي مصطفى حاضرا وقت أداء الصغيرة، ومثل جميع من كان هناك يومها أدهشه أداء الصغيرة، فطلب من أسرتها أن تشترك معه في أحد أفلامه.

الفن لا يشكل عالما غريبا على هذه الأسرة، فيروز الصغيرة ونيللي هما بنتا خالتها، ولذا لم يجد الوالدان غضاضة في الأمر ووافقا على عرض مصطفى، ولكنهما اشترطا أن تقدم صغيرتهما ذلك الفيلم فقط. كان ذلك فيلم «حبيبتي سوسو» الذي كان من إخراج مصطفى، وفي هذا الفيلم تقرّر تغيير اسم نونيا إلى لبلبة، يقال إن سبب التسمية كان لأن مصطفى وجد لبلبة تتحدث كثيرا وتتحرك بسرعة فقال لها أنت لبلبة، ليستمر الاسم معها بعد ذلك وليصنع منها فنانة مشهورة. ويقال إن الكاتب السعودي أبو السعود الابياري هو من أطلق عليها هذا الاسم وليس المخرج نيازي مصطفى.

قدمها مصطفى بعد ذلك في فيلم «4 بنات وضابط» وهو الفيلم الذي تعرفت فيه على أنور وجدي. وتتذكر لبلبة في أحد لقاءاتها موقفا لا تنساه لوجدي أهداها بعده عروسة لاتزال تحتفظ بها حتى اليوم. في ذلك الفيلم تتذكر لبلبة أنه كان يجب عليها أن تطلق الرصاص على يمين ويسار الكاميرا ليتحطم زجاج تم وضعه خصيصا وكان فريق العمل يخشى أن تطلق الصغيرة الرصاص على الكاميرا، فقال لها أنور وجدي «حاتضربي الرصاص هنا» وطلب منها ألا تطلق الرصاص على الكاميرا، ثم قال «لو عملت كده حاديك عروسة» وهذا ما حدث فعلا.

لم تعش لبلبة طفولة عادية، ليس بسبب موهبتها المميزة وحسب، بل لأنها كانت تجد نفسها مسئولة منذ سن مبكرة عن تدبير احتياجات أسرتها، إذ تعرض والدها لنكسة في عمله بالتجارة، الأمر الذي اضطر الأسرة للاعتماد على دخل الصغيرة.

ولبلبة تشعر اليوم بالسعادة والفخر لكونها تحملت تلك المسئولية باكرا، تقول «اعتدت احترام عملي والاهتمام به حتى لو كنت أقدم اسكتشا غنائيا، فكل شيء محسوب بدقة وهذا ما تعلمته من والدتي فأحيانا كان الجمهور يقاطعني باعتباري طفلة تقلد الفنانين بإتقان ويصفق لي، ولكنني كنت استمر في التقليد إلى النهاية دون أن أتوقف لتحية الجمهور وأقوم بتحيته في نهاية الفقرة كنوع من الالتزام».

لم تكن لبلبة تلعب العرائس الكثيرة التي كانت تبتاعها في كل أسفارها، تقول: «عندما أعود إلى البيت أشعر بلهفة شديدة على اللعب، وكانت والدتي تطلب مني أن أنام في انتظار عمل كثير في اليوم».

احترفت لبلبة تقليد الفنانين وكانت لها فقرة ثابتة في حفلات أضواء المدينة، الأمر الذي ساعدها على أن تكون قريبة من عمالقة الطرب والفن آنذاك، أمثال عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وليلى مراد وأنور وجدي ومنير مراد وفايزة أحمد ومحمد عبدالمطلب وإسماعيل ياسين ومحمود شكوكو وغيرهم.

يشاع أن الصغيرة واجهت مشكلات كثيرة مع الفنانين بسبب تقليدها لهم، ولكن الفنانة القديرة نفت ذلك باستمرار، وظلت تؤكد على الدوام أنها كانت تخاف على مشاعر من تقلدهم وتحرص على عدم تقليدهم بطريقة جارحة.

أما سبب توقفها عن تقليد الفنانين فترجعه لإحساس حملته في فترة ما بأن عملية التقليد تلك أخذت الكثير من جهدها وطاقتها وعمرها على حساب الكثير من الإمكانات والطاقات التي تحملها.

عملت الصغيرة مع عمالقة الفن آنذاك، وكانت علاقتها معهم كما تؤكد «علاقة جميلة». في أحد لقاءاتها تتذكر لبلبة الفنانة فايزة أحمد التي كانت تتصل بها قبل حفلاتها وتطلب منها أن تقلدها في أية أغنية جديدة تقدمها.

تتذكر كذلك العندليب الراحل عبدالحليم حافظ الذي كان يحرص دائما على وجودها معه في حفلاته ويطلب منها تقديم فقرة غنائية لتقليد الفنانين قبل صعوده المسرح مباشرة.

وتروي لبلبة أنه كان يراقبها من الكواليس، وأنها قلدته في أغنية «نار يا حبيبي نار» فلم يتمالك نفسه من الضحك. كذلك تفيد بأنه غنى باسمها مقطعا في إحدى أغنياته فبدلا من أن يقول «واهي دنيا بتلعب بينا»، فوجئت به يقول وهو على المسرح «واهي نونيا بتلعب بينا».

حين كبرت الصغيرة قليلا توقفت عن التقليد وعادت مرة أخرى إلى نيازي مصطفى، ليقدمها في فيلم «مولد يا دنيا»، ثم كما تقول لبلبة نفسها فإن ذلك دفعها لبطولة أكثر من 20 فيلما. بعدها جاء عاطف الطيب ليقدم لبلبة الفنانة المتألقة وليأخذها لمهرجان كان بأفلام مثل «ضد الحكومة» و «ليلة ساخنة».

في نهاية الستينيات وقبل بلوغها العشرين عاما، تزوجت لبلبة من الفنان حسن يوسف بعد قصة حبّ، ولم يدم زواجهما طويلا بعد أن رفضت لبلبة أن تترك الفن، فانفصلا دون أن تنجب منه. تحوّلت لبلبة بعد ذلك إلى أحد أشهر فنانات نجمها، وتألقت في الكثير من الأعمال الكوميديا، وعلى الأخص تلك التي ظهرت مع عادل إمام فيها، والتي جعلت كثيرين يعدونهما أحد أنجح الثنائيات في السينما المصري.

رغم تألقها الكوميدي، برعت في تقديم عدد من الأدوار الجادة كما في أفلام مثل «ضد الحكومة» و «ليلة ساخنة» و «الآخر» و «النعامة والطاووس».

عادت بعدها إلى الكوميديا، أولا مع عادل إمام في فيلم «عريس من جهة أمنية»، بعدها شاركت مع محمد سعد في فيلم «بوحة»، ثم مع محمد هنيدي في فيلم «وش إجرام».

عملت مع كبار مخرجي السينما المصرية أمثال عاطف الطيب وسمير سيف ومحمد عبدالعزيز وحسن الإمام وحسين كمال، ويوسف شاهين واشرف فهمي وعاطف سالم وانور وجدي وأسامة فوزي.

الفنانة لبلبة أو الصغيرة نونيا تمثل حالة نادرة، ليس فقط على مستوى السينما المصرية، بل على مستوى العالم. فهذه الصغيرة التي تنبأ لها الكثيرون بالتوقف عن التمثيل تتذكر كيف كانت هذه الجملة تتردد عليها كثيرا حين كانت في سن الحادية عشرة، تحدثت كل التنبؤات وكذبتها.

واصلت نجاحها وتألقت في جميع أدوارها، لم تتنازل أبدا، لم تتوقف، عرفت كيف تستثمر كل طاقاتها في الكوميديا، في الدراما، في الغناء. لم تشعر بالفشل يوما، لم تفقد بريقها، أحبها الجمهور طفلة ومراهقة وشابة وامرأة ناضجة اليوم.

العدد 1966 - الأربعاء 23 يناير 2008م الموافق 14 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً