العدد 1967 - الخميس 24 يناير 2008م الموافق 15 محرم 1429هـ

العنف الاجتماعي وصلته بتنظيمات الجهاد

الحركات الإسلامية والفكر المعاصر (9)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعد العام 1979 حصلت متغيرات كبيرة في مصر والمنطقة تمثلت في الصلح مع «إسرائيل»، واندلاع الثورة في إيران، وقيام الاتحاد السوفياتي باجتياح أفغانستان، وأخذت التطورات تنعكس على الجماعات الإسلامية، فانقسمت بين اتجاهين حملت الاسم نفسه «الجماعة الإسلامية»، في وقت نجح تيار الجهاد في السيطرة على خلايا الصعيد. عانى تنظيم الصعيد من ضعف في رؤيته الفكرية والحركية إلى أن التقى مسئول الجماعة في محافظة المنيا كرم زهدي بمحمد عبدالسلام فرج، وتم الاتفاق على دمج المجموعتين وأخذت مقولات كتاب «الفريضة الغائبة» تسود جماعة الجهاد، بينما حافظت الجماعة الإسلامية الأخرى على وثيقتها الفكرية المعروفة باسم «ميثاق العمل الإسلامي».

بسبب سرية التنظيمات تداخلت العلاقات وتشابكت بشكل غامض فحصلت لقاءات مباشرة وغير مباشرة بين مجموعات أيمن الظواهري وعبدالسلام فرج وعبود الزمر وعصام القمري، وتم إعداد خطة كُلِّف عبود الزمر بتنفيذها وصدرت في وثيقة بعنوان «مقومات الاستمرار» دعت إلى اعتماد «استراتيجية التحرك الانقلابي». وبعد أن اكتمل البناء الحركي للتنظيم توجهت المجموعة إلى أستاذ التفسير في جامعة الأزهر الشيخ عمر عبدالرحمن وأقرت بالتوافق معه على «الخطة العامة لتنظيم الجهاد». وأفتى الشيخ بـ «جواز قتل السادات». وقضت الخطة بتنفيذ الاستراتيجية على ثلاث سنوات، إلا أن إقدام السادات على إصدار قرارات أدت إلى اعتقال 1536 من السياسيين المصريين من بينهم 9 من قيادات «مجلس شورى التنظيم» عجلت بتنفيذ الخطة بعد شهور على وضعها.

اقترح الملازم خالد الإسلامبولي خطة الاغتيال والاستيلاء على السلطة ووافق عليها فرج وقيادات التنظيم فنجح في خطوته الأولى (اغتيال السادات)، وفشل في الثانية (إسقاط الحكم)، إذ تمكنت أجهزة الدولة في العام 1981 من إلقاء القبض على أكثر من 70 في المئة من التنظيم قدرتهم الشرطة بنحو 1200 شخص، بينما ذكرت مصادر الجهاد أن عدد المعتقلين فاق 5 آلاف (مبارك، ص 160 - 169).

ويرى حسنين توفيق إبراهيم أنه «بعد تسلم الرئيس حسني مبارك مقاليد السلطة، اتبع سياسة مزدوجة من التعامل مع الحركات الإسلامية المسيسة، فانتهج خطا متسامحا تجاه جماعة الإخوان المسلمين التي نبذت العنف وقبلت بالعمل في ظل أسس وقواعد النظام القائم (...) في المقابل انتهج النظام خطا متشددا إزاء التنظيمات المتطرفة» (شؤون الأوسط، العدد 50).

أدى فشل التنظيم في انقلابه واعتقاله بالكامل إلى انقسام في صفوفه. وكانت المصادفة أن يحصل الخلاف في السجون والمعتقلات، كما حصل الأمر نفسه مع الإخوان في المحنتين الأولى 1954 والثانية في 1965. ودب الانقسام بين خطين الأول تزعمه عبود الزمر الذي يحملّه التنظيم فشل الخطة العسكرية التي وضعها، والثاني قاده الشيخ عمر عبدالرحمن (المعتقل حاليا في الولايات المتحدة بتهمة التحريض على العنف). وبسبب ذاك الخلاف واستمرار الملاحقات شهدت الثمانينات «ظهور الكثير من التنظيمات المتشددة التي كان بعضها مجرد انشقاقات عن تنظيمات أكبر، ومن هذه التنظيمات على سبيل المثال «التوقف والتبيّن» و «جماعة الشوقيين» و «الناجون من النار» (حسنين إبراهيم، شؤون الأوسط، العدد 50).

يذكر مبارك في كتابه أن الخلافات داخل التنظيم انفجرت بعنف في سجن ليمان طرة وانقسم إلى مجموعتين واحدة كانت أقرب إلى فرج وتضم عبود الزمر وطارق الزمر ونبيل المغربي وعصام العمري وأيمن الظواهري، وأخرى أقرب إلى الشيخ عبدالرحمن وتضم كرم زهدي وناجح إبراهيم وأسامة حافظ. وهكذا انتهت الوحدة التي تأسست في الصعيد بين الطرفين وعاد كل فريق إلى مجموعته الأولى. وتركزت أهم نقاط الخلاف على ثلاث: إمارة التنظيم، العذر بالجهل، والسرية في العمل الإسلامي (الإرهابيون قادمون، ص 176 - 188).

بانقسام تنظيم الجهاد في العام 1984 إلى تيارين:

الأول: «الجماعة الإسلامية» ويقودها الشيخ عبدالرحمن وأبرز قياداتها: كرم زهدي وناجح إبراهيم وعاصم عبدالماجد وعصام دربالة وأسامة حافظ وطلعت فؤاد قاسم وعلاء محيي الدين وصفوت عبدالغني وممدوح علي يوسف وضياء الدين فاروق وعزت السلاموني وأحمد عبده سليم ومحمود شعيب وجمال فرغلي وحسن غرباوي ورفاعة أحمد طه ومصطفى حمزة (معظمهم قتل أو أعدم أو معتقل أو ملاحق).

الثاني: «حركة الجهاد الإسلامي» بقيادة عبود الزمر وتضم عصام القمري ومحمد الأسواني (قتلا في العام 1988)، وأيمن الظواهري (ملاحق ومطلوب دوليا ويعيش الآن في أفغانستان). ويقال إن تنظيم «طلائع الفتح» - الذي قبض على 800 شخص من أعضائه للتحقيق معهم في العام 1994 - على علاقة بـ«حركة الجهاد» (مبارك، ص 192 - 193). ويؤكد حسنين توفيق إبراهيم «باستثناء تنظيم الجهاد وتفرعاته التي ظهرت خلال التسعينات (تنظيم طلائع الفتح) والجماعة الإسلامية، فإن التنظيمات الأخرى أنهكتها الضربات الأمنية للنظام، ولم يعد لمعظمها أي تأثير في ساحة العمل الحركي. وعموما بقيت الجماعة الإسلامية في التنظيم الأكثر فاعلية في تحدي النظام الحاكم، والدليل على ذلك أنها ارتكبت أكثر من 90 في المئة من أعمال العنف والإرهاب التي استهدفت الدولة والمجتمع منذ العام 1987» (شؤون الأوسط، العدد 50).

يلاحظ من السرد الزمني لحركات الإسلام السياسي وتفرعاته أن الظاهرة ليست جديدة وأن نجاح الأنظمة في تطويقها والتضييق عليها ليس جديدا. فالظاهرة تعيد إنتاج نفسها في كل فترة زمنية في سياقات سياسية مختلفة؛ ما يدل على أن مصدر «العنف الأصولي» أساسه «العنف الاجتماعي»، هو بالضبط ما يجب على الأنظمة أن تبحث عن معالجته بأساليب السياسة والتنمية لا بأدوات الضبط والقمع. وبسبب هذا القصور النظري في التعامل مع الظاهرة السياسية نجحت لاحقا شبكات التطرف في الامتداد التنظيمي وإنتاج مقولات عنيفة تركت تأثيرها السلبي على نمو أفكار المصالحة والانفتاح. ففي التسعينيات انتكست شرائحُ من تلك الجماعات وانقلبت على مفاهيم التعايش والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة التي قال بها الجيل المؤسس للإخوان.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1967 - الخميس 24 يناير 2008م الموافق 15 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً