العدد 1974 - الخميس 31 يناير 2008م الموافق 22 محرم 1429هـ

الاتهامات في الساحة تذكّر بمثلث الاشتعال (الهواء، الوقود، والنار)

إبراهيم المقابي لـ «ريضان»:

في سلسلة حوارات سابقة أجرتها «ريضان» كانت تتحرّى فيما تنشره الانفتاح على وجهات نظر مختلفة، البعض تتفق معها، والآخر منها تترك مسافة فاصلة تحفظ للعلاقة ودّها مع جميع الأطراف. قد تبدو الأسئلة استدراجا إلى مساحات لا يراد الحديث عنها، أو يراد لها أن تكون مواراة ومسكوتا عنها، لكننا في النهاية إذا ما أردنا التعاطي مع هذه الساحة بكل حسناتها وسيئاتها، أبيضها وأسودها، حقيقتها وزيفها، لابد أن نفرد الملفات جميعها كي نسلط بقعة ضوء على المعتم منها. إبراهيم المقابي في هذاللقاء له رؤيته فيما يتعلق بجوانب وحالات في هذه الساحة، شبّهها في حديثه إلينا بـ «مثلث الاشتعال»: الهواء، الوقود، والنار. إلى تفاصيل اللقاء:

* تظل في الصف الأمامي من الشعراء الشعبيين بالمملكة. لا شك أن لديك قراءة للمشهد الشعري. كيف توصف هذا المشهد؟

- اعتقد بأن المشهد الشعري في المملكة متأرجح بين (أكون أو لا أكون) وخصوصا في السنوات الأخيرة وأنا أتكلم عن المؤسسة الشعرية المسئولة والكيان الرسمي الشعري عموما في ظل التقهقر الملحوظ في إرساء قواعد صلبة يقوم عليها هيكل وجسم الشعر في البحرين والاهتمام بالطاقات الشعرية الحقيقية التي يعتمد عليها إظهار اسم الشعر الشعبي البحريني إلى خارج الحدود بحيث لا تقتصر على اسم أو اسمين، وبعد ذلك لا شيء يذكر.

ومن الملاحظ اقتصار المشهد الشعري الحقيقي على طاقات تحاول بشق الأنفس وبجهد ذاتي خارق أن تفرض شعرها على الساحة على رغم العناء الذي تكابده، بينما المؤسسة الرسمية في سبات عميق أو لنقل في تجاهل متعمد لتلك الطاقات.

* كثيرا ما يبدو الشاعر ذاهبا إلى مشروعه الخاص، وإن بدا من جهة أخرى يعمل على مشروع عام. مشروع ينطلق من البيئة والمجتمع والناس. كيف توازن بين هذه المعادلة؟

- المشروع الخاص عادة ما تبدأ انطلاقته من المشروع العام، فلك أن تتخيل مثلا الشاعر عندما يذهب لكتابة قصيدة حول مشاعر خاصة فتجده يبدأ بها ثم يتجه إلى الشعور العام الذي يحس به قارئ القصيدة وكأنه يتكلم عن تجارب أخرى مشابهة، يتكلم عن شعور إنساني يتملك كثيرا من الناس. وكذلك وفي كثير من المصادفات يأتي مشروع الشاعر من خلال تجارب وقصص وحكايات من البيئة والمجتمع والناس ولو أقتصر مشروع الشاعر على تجاربه الذاتية الخاصة لفشل، لذلك تجد المشروع الخاص والعام يدوران في بوتقة واحدة.

* وأنت المتابع لمجمل الأسماء. هل تعتقد أن شاعرا شعبيا هنا استطاع أن يبلور مشروعه الشعري بشكل يتجاوز فيه المحلية إلى أفق أوسع؟

- نعم ، كثير من الأسماء الشعرية في البحرين تجاوزت المحلية بمشروعها الشعري سواء تلك التي قدّر لمشروعها الخروج خارج حدود البلد مثل الشاعر على عبد الله خليفة ، عبدالرحمن رفيع، علي الشرقاوي، جعفر الجمري وغيرهم لا تحضرني أسماؤهم . أو تلك التي لم يستطع مشروعها الشعري أن يخترق الحاجز الصلب الذي تشكل (عمدا) أو نتيجة أسباب متعددة أخرى أمثال بدر الدوسري ، عبد الله حماد، إسماعيل عبدعلي .. الخ. هذه المشاريع التي تعد تجارب متفردة فعلا وذات طابع مختلف كليا، كان الأجدر لشموسها أن تشرق على النطاق الخليجي على أقل تقدير.

* لماذا الشعر؟ سؤال كثيرا ما يتكرر. لماذا ولمن تكتب؟

- الشعر حالة كهنوتية خاصة ذات طقوس مقدسة لمن يمتلك أسلوبا لتأدية هذه الطقوس. ولمن يستطيع تجاوز الحالات المخلة والمتطفلة على هذه الطقوس. وخصوصا وأنه لا بد من مراجعة كل نتاج شعري لأنك محاسب عليه حاليا ومستقبلا. ولا أظنني أكتب فقط لإرضاء نفسي بل لا بد لي من تجاوز مرحلة الأنا إلى الآخر، لا بد للشاعر أن ينطلق إلى أفق أرحب لكي يظل في مخيلة الآخرين لذلك أغلب الكتابة تكون موجهة إلى مشاعر الآخر.

* إذا اتفقنا أن الكتابة محاولة أو طريقة أخرى لفهم العالم من حولك، كيف يتحقق ذلك الفهم؟

- أنا أرى بأن الكتابة تجعلك بل تجرك إلى الدخول في مكامن لم تكن قد ولجتها من قبل ولم تمارس فيها اختلاس الأفكار لذلك لا بد للكاتب من الخروج إلى عالم الآخرين ليفهم ويعيش أفكارهم فلكل شخص عالم مختلف، أنت لا تستطيع أن تفهم الآخرين من دون الاحتكاك بهم والتعرف على مخابئ أفكارهم، لذلك أنت تفهم العالم من خلال الناس. وكما يقول الإمام علي (ع) العقول أوعية وخيرها أوعاها. وعقول الناس تعد عوالم أخرى وحقول ترفد منها للكتابة.

* أين تكمن الأزمات؟ في المؤسسات أم في المنتسبين إليها. وماذا عن أولئك الذين هم بمنأى عنها. أليست لهم أزماتهم الخاصة، سواء ضمن المشروع الشعري أو الفكري، أو حتى بعيدا عنه؟

- أنا أعترف بأننا الآن ندور في دائرة مغلقة، ونردد حكاية البيضة والدجاجة أيهما سبق الآخر. وهذا المثال ينسحب على الأزمات المتكررة والتي تشترك في إذكاء جذوتها المؤسسات والمنتسبين إليها بالإضافة إلى أولئك المحرضين عليها من داخل المؤسسات أو من خارجها وهذا ما يذكرنا بنظرية مثلث الاشتعال (الهواء، الوقود، النار) والأزمات تكمن في المحاور الثلاثة تلك، وكل يرمي اتهامه على الآخر لتبرئة ساحته.

أما أولئك البعيدون عن مثل هذه المؤسسات فلهم أجندة خاصة تصوغها ظروفهم الحياتية وأزمات لا أعتقد بأن يكون لها حل لدى المؤسسات ما دامت المؤسسات لم تجد حلا لأزماتها. وقس على ذلك الكثير من العينات التي أنت أعلم بها مني.

* هناك محاولات لقراءة الكثير من المشاريع الشعرية هنا في المملكة. ألا تبدو تلك القراءات مجتزأة من سياقات كثيرة؟

- إذا كنت تقصد القراءات النقدية فانا أعتقد بأن أغلبها معتمد على السردية ورؤوس الأقلام من دون التوغل في القراءة المتعمقة، وقد تدخل فيها الجزئية المتملقة المتداخلة مع المجاملة، وقد تأتي بعض القراءات ذات طابع (عدائي تهكمّي) ولكنها قليل. ولعل الملف الشعري الذي تقدمه (ريضان) أحد المشاريع التي تقرأ التجارب الشعرية في قالب مختلف في استجلاب آراء شعراء وكتاب معينين لذلك تبدو القراءات مجتزأة من قوالب مختلفة وهذه ظاهرة صحية جيدة يجب الاهتمام بها وتطويرها، وهي أفضل من الاعتماد على رأي واحد أو قراءة واحدة.

* الأصوات الشعرية النسائية هنا تبدو بمنأى عن المشهد الشعري. ما تفسيرك لذلك؟

- لا أخفيك بأني مستاء من تلك العقول الإقصائية الطارئة على المشهد الشعري البحريني والتي أبعدت العنصر النسائي - والذي يعد على أصابع اليدين- كما أبعدت العنصر الرجالي من قبل بسبب عقولها المريضة وتصرفاتها غير المسئولة .. وهذا لا نجده إلا في مجال الشعر الشعبي، على رغم ذلك نجد بعض الشاعرات المستميتات والمصممات على إثبات وجودهن لا زلن يبحثن عن خرم إبرة يتنفسن منه، والحافز المشجع للعنصر النسائي غير موجود إلا فيما نذر وقد تكون الأعراف والتقاليد غيبت الكثير من الشاعرات عن معترك المشهد الشعري وهذا سبب آخر.

العدد 1974 - الخميس 31 يناير 2008م الموافق 22 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً